"سارة" تدير متجراً غير بعيد من حي اوبرا الشهير في باريس. مئة متر على الأقل مهداة جميعها للموضة والاناقة والجمال. اتمت بحثها الجامعي الصيف الماضي واختارت هذه الوظيفة لكي تبقى على اتصال دائم ب"صناعة الجمال". وقعت في "حب" الموضة عندما حضرت صدفة مهرجان قفطان 2000 في بلدها الاصلي المغرب، الذي تركته مع عائلتها إلى فرنسا في العاشرة من عمرها. كانت حينذاك بصدد التفكير في موضوع لمذكرة ليسانس في السوسيولوجيا. لقد وجدته! هكذا صاحت في التلفون وهي تتصل بالأستاذ المشرف على بحثها، وكانت الساعة دنت من الهزيع الثاني من الليل. كانت الالوان آية في الجمال، قلما شاهدت نظيرها في عشرات المعارض لكبار اسماء الموضة التي عشقت التردد عليها. كانت تجمع بين الدراسة وعروض الأزياء. في اليوم التالي اعادت الاتصال بأستاذها للحديث مطولاً عن الزاوية التي اختارتها لبحثها عن القفطان. وكم كانت دهشته كبيرة حينما اخبرته أنها ترغب في دراسة الرموز المبطنة في تعاملات الرجل والمرأة في المجتمع المغربي مع القفطان. تقول سارة ان استاذها الفرنسي "توهم أنني لن استطيع انجاز هذا البحث في مجتمع وصفه بالمحافظ"! لكن من أوحى اليها أن تخوض في القفطان والجنس؟ "جدتي"، تقول سارة وتضيف: "ذلك عندما طلبت مني ذات يوم أن ارتدي قفطاناً وكنت في الطريق لاستقبال خطيبي الايطالي في المطار. في طريق العودة كان والدي يقوم بدور المرشد السياحي خدمة لخطيبي ، بينما كنت استمتع بروايات جدتي، وكان القفطان أبداً بطلها الرئيس". وتتابع سارة: "عندما وصلنا البيت كانت والدتي خرجت للتو من الحمام وقد لبست كعادتها، أجمل قفطان في البيت. هكذا كانت تفعل كل مساء، وقد اثبتت استقصاءات الرأي التي قمت بها على 500 امراة مغربية أن حال والدتي ليست استثنائية". هذه الدعوة الصريحة "الى العناق" ليست حكراً على الأجيال الزائلة من الامهات والعجائز، بل انتشرت حتى في صفوف الشابات المغربيات المقيمات في المهجر، بحسب تأكيدات سارة. وهي ليست مخطئة بالنظر الى انتشار عشرات المحال في عواصم أوروبية، تتنافس على توفير الموديلات الجديدة من القفطان لمن هن مقبلات على الزواج أو الاحتفال بأي مناسبة سعيدة. ولا يزال القفطان يتصدر لائحة افضل الهدايا التي يتبادلها العشاق. وتقول سارة: "امام هذه الرمزية ايام جميلة بالنظر الى الثورة التي هزت القفطان على أكثر من صعيد، إلى أن صار متالقاً في أكبر صالات عروض الأزياء". ظهر جيل من العاملين في الموضة، ومعظمهم من الشباب المغربي، أقسم على "تثوير" هذا اللباس ما دام هو في النهاية افضل قناة اتصال بين عوالم عدة: بين الرجل والمراة، بين ثقافة اصيلة نما في ظلها القفطان وبين ثقافة الموضة العصرية التي احتضنت القفطان في قاعاتها الشهيرة في عواصم أوروبا. وتتذكر سارة مهرجان قفطان 2002 الذي جرت وقائعه في مدينة الدار البيضاء، وكيف بدت أدريانا كارومبو في صورة جذابة وهي تخرج للجمهور في قفطان قالت عنه هذه العارضة العالمية انها لم تشعر من قبل أنها كانت فعلاً جميلة. وكان القفطان من تصميم نورالدين عمير وهو من خيرة المصممين المغربيين الشباب، وهو يحاول أن يكسر صورة القفطان التي تغالي في لصقه بالتراث ليفرضه على االعصرنة التي تتربص بنا وبأشياء جميلة اخرى في كل زاوية. وبحسب سارة، "سينجح الجيل الجديد من المصممين المغاربة في المساهمة بولادة جديدة للقفطان، اذ لا يعيرون اهتماماً لمقولة "الجمهور عايز كده" عندما يشتغلون على موديلات جديدة. "لأن ذلك يحد من حريتهم"، بحسب نورالدين عمير. هو وآخرون كسروا حواجز، مثلما فعل القفطان منذ قرون، لذلك يصعب عليهم وعلى سارة الشفاء من هذا الحب.