قال "بنك الكويت الوطني" ان الضغوط التنازلية على الدولار استمرت خلال الاسبوع الماضي على رغم ان البيانات الاقتصادية الاميركية التي صدرت خلال الاسبوع كانت ايجابية وفي صالح العملة الأميركية، لافتاً الى ان الأسواق أصبحت اليوم أكثر اهتماماً بنوعية البيانات والنمو من اهتمامها بأرقام النمو المعلنة فقط. وأضاف البنك في تقريره الاسبوعي انه بشكل مناقض لما يحصل في الولاياتالمتحدة، فقد تكون زيادة العجز الحكومي في المدى القصير في دول منطقة اليورو مفيدة للعملة الاوروبية الموحدة لان الزيادة في الإنفاق الحكومي ستدعم الطلب المحلي من دون كلفة حدوث عجز كبير في الميزان الجاري. وأشار الى ان الاسواق تتوقع أن ترتفع أسعار الفوائد في بريطانيا بشكل تدرجي خلال السنة المقبلة. وفي ما يأتي ما ورد في التقرير: كانت الأرقام الاقتصادية الصادرة عن الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي في مجملها أفضل مما كان متوقعاً لها، سواء كان ذلك من ناحية أرقام إجمالي الناتج المحلي التمهيدي للربع الثالث أو أرقام مبيعات السلع المعمرة أو مؤشر جامعة شيكاغو لمشتريات المديرين أو مؤشر مجلس المؤتمرين لثقة المستهلك. لكن على رغم البيانات الاقتصادية الايجابية استمر الضغط على الدولار مقابل اليورو و"العملات السلعية" كالدولار الكندي والدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي، وذلك لان اسواق المال ما زالت تركز على المشاكل البنيوية التي تعتري مسار الدولار مثال العجز المتفاقم في الميزان الجاري الأميركي والعجز المتواصل في الموازنة الفيديرالية والشك المتنامي حول متانة وصدق السياسة القوية للدولار، خصوصاً بعد إعلان إدارة الرئيس جورج بوش هذا الشهر عن اتخاذها إجراءات لتقييد التبادل التجاري، في ظل سياسة أسعار فائدة متدنية من قبل مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الاميركي. لقد كانت كل المعطيات الاقتصادية في صالح العملة الأميركية خلال الأسبوع الماضي، إذ كانت الأسواق في مراكز بائعة للدولار وكان أداء أسواق الأسهم جيداً نتيجة الأرقام الاقتصادية الجيدة، بما فيها نقصان طلبات إعانات البطالة، كما اشتد انحدار منحنى العائد خلال الأسبوع، إلا أن الضغوط التنازلية على الدولار استمرت من دون هوادة. والدليل الاسطع على وجود هذه الضغوط كان عدم قدرة الدولار على الاستفادة من ارتفاع أرقام إجمالي الناتج المحلي للربع الثالث إلى 8.2 في المئة، علماً أن البعض نسب لا مبالاة العملة الأميركية بمثل هذا النمو الكبير إلى انه كان متوقعاً وإلى كون ارتفاعه بهذا المقدار يلقي بشكوكه حول قدرة الاقتصاد الأميركي على الاستمرار بمثل حجم هذا النمو في الربع الرابع. بالإضافة الى ما تقدم ومع أن تركيز اسواق المال كان في الماضي يتأرجح ما بين إيجابيات الدورة الاقتصادية وسلبيات الأمور البنيوية، فإن الأسواق أصبحت اليوم أكثر اهتماماً بنوعية هذا النمو من اهتمامها بأرقام النمو المعلنة فقط، علماً أن هذه النوعية على سبيل المثال تعنى بنسبة الدين العام الذي يمول الاستهلاك المحلي وبحجم العجز في الميزان الجاري مقارنة باجمالي الناتج المحلي، أي أن ما يعرف "بالعجز الثنائي" هو ما يحدد فعلياً نوعية النمو الاقتصادي. ويبدو أن الجدل الحالي في اسواق المال لا يدور حول ما إذا كان الدولار سيستمر بمعاناته هذه بل يتمحور حول ما إذا كان انخفاضه سيكون تدريجياً أم سيكون هبوطاً حاداً. وفي هذا الإطار فإن البعض يعتقد أنه في حال استمرار العلاقة العكسية ما بين أسواق الأسهم وأسواق السندات فإن انخفاض الدولار سيكون تدريجيا كلما نما الاقتصاد الأميركي، بل يذهب بعضهم إلى التأكيد على ضرورة استمرار هذه العلاقة العكسية لأنها أحد أهم الشروط لتسوية العجز في الميزان الجاري بشكل طبيعي والذي عادة ما يستمر أكثر من عامين من بداية ضعف الدولار. ولهذا السبب فلا غرو إن رأينا أن أكثر الأصوات شدة في نقد قرار إدارة بوش فرضه تعرفات جمركية على المنسوجات الصينية هي نفسها التي ترى ضيق أفق الإدارة الأميركية بسبب موقفها من تجارة الحديد الصلب مع أوروبا. إن إشعال الحروب التجارية في هذا الوقت لا يظهر فقط استعداد الإدارة الأميركية لعمل أي شيء ممكن لضمان الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني نوفمبر سنة 2004، حتى لو كان ذلك على حساب المنطق الاقتصادي السليم، بل يظهر أيضاً رغبة الإدارة الضمنية ربما لإضعاف الدولار بشدة. ولم تستسغ اسواق المال هذه القرارات الاقتصادية غير المسؤولة والتي ساهمت في إضافة عنصر شك آخر حول قدرة استمرار النشاط الاقتصادي العالمي وبالتالي أضرت بالعملة الأميركية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما الذي يمكن أن يفيد الدولار؟ في المدى القصير لا بد أن نرى التزاماً أكبر من قبل الإدارة الأميركية بقيمة الدولار وذلك عن طريق قبولها إلغاء التعرفات الجمركية على الصلب، كما أقرت منظمة التجارة الدولية لان ذلك من شأنه أن يبدد الشكوك بأن الإدارة الأميركية لن تقوم بإضعاف الدولار في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك فإن أي إشارات من قبل مجلس الاحتياط الفيديرالي باتجاه احتمال رفع أسعار الفوائد قد يوقف الضغط على العملة الاميركية نتيجة استخدامها الواسع الآن كعملة تمويل. غير أن الأسواق المالية باتت تعلم أن مجلس الاحتياط لن يغير اسعار الفائدة ما لم يتأكد من نمو سوق العمل بشكل واضح وباتت تدرك أيضاً أن النمو الاقتصادي وحده ليس كافياً للبدء بدورة رفع أسعار الفوائد. وزاد هذا الإدراك من أهمية أرقام البطالة في هذه الفترة، وتنتظر الأسواق صدور أرقام البطالة والوظائف لشهر تشرين الثاني يوم الجمعة المقبل. أوروبا منطقة اليورو كان تأثير زوال "ميثاق النمو والاستقرار" الأوروبي الأسبوع الماضي ضئيلاً بالنسبة للعملة الأوروبية، بل على العكس من ذلك فقد تم تداول اليورو فوق مستوى 1.2000 دولار لفترة من الوقت. وبشكل مناقض لما يحصل في الولاياتالمتحدة، فقد تكون زيادة العجز الحكومي في المدى القصير في أوروبا مفيدة لليورو لان الزيادة في الإنفاق الحكومي ستدعم الطلب المحلي من دون كلفة حدوث عجز كبير في الميزان الجاري. وكانت غالبية وزراء المال الأوروبيين رفضت اقتراحات مقدمة من مفوضية الاتحاد الأوروبي تجبر فرنساوألمانيا على عصر النفقات المالية بنسبة 0.2 في المئة إضافية من إجمالي الناتج المحلي في سنة 2004، لا بل أن وزراء المال تبنوا الخطط المالية المقدمة من فرنساوألمانيا. وحسب هذه الخطط فقد تعهدت كل من الدولتين بتخفيض العجز الحالي دون معدل ثلاثة في المئة سنة 2005. أما بالنسبة لسنة 2004 فقد تعهدت ألمانيا تخفيض هذا العجز الهيكلي بنسبة 0.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي كما تعهدت فرنسا بخفض مقداره 0.8 في المئة. ولم يتضمن هذا القرار أي إجراءات عقابية تجاه البلدين على رغم أنهما سيخرقان حدود الثلاثة في المئة للعام الثالث على التوالي في سنة 2004. وبشكل مختصر فقد كان قرار وزراء المال هذا بمثابة تعليق لميثاق النمو والاستقرار الأوروبي. وكانت ردة فعل البنك المركزي الأوروبي بشكل استثنائي قوية جداً، إذ وصف المصرف هذا القرار بمثابة فشل للإجراءات والقوانين في ميثاق النمو والاستقرار الأوروبي، ما يقوض من مصداقية النظام المؤسساتي والثقة في سلامة أمور المالية العامة. والواضح أن ما يقلق كلا من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي هو عدم احترام وزراء المال لقواعد ميثاق النمو والاستقرار. والأمر الذي يهم الأسواق في هذه المرحلة هو كيفية تعاطي المصرف المركزي الأوروبي مع هذا الأمر. والحقيقة أن تفاصيل بيان البنك تنذر باحتمال اتخاذه إجراء ما، إذ أوضح البيان ضرورة اتخاذ موقف جذري لاحتواء الضرر الواقع على الثقة. كما أكد البيان للعامة أن مجلس البنك الحاكم سيبقى ثابتاً في التزامه الحفاظ على استقرار الأسعار. وقد يؤخذ هذا البيان القوي اللهجة على أنه تحذير من أن المصرف المركزي الأوروبي سيرفع أسعار الفائدة قريباً. إلا أن المصرف ليس مسؤولا عن الأمور المالية ويملك المصرف تفويضاً واضحاً لصون استقرار الأسعار فحسب. وبما أننا شهدنا ارتفاع العملة الأوروبية اخيراً، وبما أن استعادة الاقتصاد الأوروبي لنشاطه ما زالت متواضعة وحيث أننا شهدنا انخفاضاً بنسبة التضخم الأساسي اخيراً أيضاً، فإن الحجة الاقتصادية لإبقاء أسعار الفوائد من دون تغيير تبقى الأقوى. لذلك وعلى رغم ان احتمال رفع أسعار الفوائد في أوروبا خلال الشهور القليلة المقبلة يبدو ضئيلا إلا أنه لا يمكن تجاهله. المملكة المتحدة أظهر تقرير اتحاد الصناعيين البريطانيين لشهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي أن ثقة قطاع الأعمال ارتفعت في معظم أنحاء بريطانيا. وأظهر مسح هذا الاتحاد ارتفاعاً حاداً في عدد الطلبات الجديدة مقارنة بشهر تشرين الاول أكتوبر. كما ارتفعت طلبات التصدير الى أعلى مستوى لها منذ منتصف عام 2002، ما يعني أن النمو الاقتصادي العالمي بدأ يفيد الصناعة البريطانية. وأظهرت نتائج المسح أن الاقتصاد المحلي بدأ ينهض من تعثره السابق ومن حال عدم الاستقرار العالمية. ومع هذا فإن الأسواق تتوقع أن ترتفع أسعار الفوائد في بريطانيا بشكل تدرجي خلال السنة المقبلة. ونظراً لوجود مستويات مرتفعة من الدين لدى المستهلكين وتزايد احتمال زيادة عبء الضرائب، فإن على أسعار الفوائد أن ترتفع بشكل طفيف فقط لتخفف من معدلات الاستهلاك الفردي. وبما أن معدلات التضخم لا تزال معتدلة فإن ارتفاع أسعار الفوائد لن يتم بأسرع مما تتوقعه اسواق المال. ولذلك فمن المستبعد أن يستفيد الجنيه من رفع أسعار الفوائد هذا، بالإضافة إلى أن ارتفاع اليورو عالمياً مقابل الجنيه قد يضغط على العملة البريطانية في المستقبل. اليابان ان سريان إشاعات حول انهيار أحد البنوك اليابانية المحلية الكبيرة ساعد على ارتفاع الدولار مقابل الين قليلاً في نهاية الأسبوع الماضي، مع أنه ما زال مستمراً ضمن نطاقه المحقق سابقاً ما بين 108.00 و 111.00 يناً للدولار. وكان لانخفاض الانتاج الصناعي لأقل مما كان متوقعا في تشرين الاول تأثيره على الين أيضاً. بالإضافة لما تقدم، أكدت أرقام تدفقات الأموال الرأسمالية المعلنة الأسبوع الماضي من قبل وزارة المال اليابانية على انخفاض الضغوط التصاعدية على الين، إذ أظهرت الأرقام أن مشتريات المستثمرين الأجانب للأسهم اليابانية انخفضت في الأسبوع من 17 إلى 21 تشرين الثاني إلى 18.6 بليون ين مقارنة بنحو 283.4 بليون في الاسبوع السابق، بينما زادت مشتريات المستثمرين اليابانيين للسندات الأجنبية خلال الاسبوع نفسه إلى 613.6 بليون ين مقابل 187.8 بليون ين الأسبوع الأسبق. وبشكل عام فإن وجود الين ضمن أجواء الهموم الهيكلية، كالعجز في الميزان الجاري الأميركي والعجز في الموازنة، وعدم وجود سياسة مستقرة للدولار وتدني أسعار الفوائد، تجعل تدخل البنك المركزي الياباني الداعم الأساسي للدولار في هذه الفترة. لكن اقتناع صانعي القرار في اليابان باستمرارية النهوض الاقتصادي في نهاية المطاف سيزيد من تسامح وزارة المال تجاه ارتفاع الين.