كشف الباحث العراقي قاسم محمد عباس عن بعض الأخطاء المثيرة التي واكبت نشر اجزاء من التراث الصوفي في اللغة العربية، وتوصل الى نتيجة تقول إن الكتاب الذي نشره المفكر والباحث الراحل عبدالرحمن بدوي بعنوان "شطحات الصوفية" كان يحمل عنواناً آخر، مختلفاً، هو "النور من كلمات أبي طيفور"، ويقتصر على ذكر مناقب ابي يزيد البسطامي وذكر كلماته، دون غيره من أعلام الصوفية. وكان الباحثون يظنون ان مؤلف هذا الكتاب مجهول، الى ان اكد العلامة ماسينيون انه من تأليف السهلجي، وكان عبدالرحمن بدوي نشره في القاهرة عام 1949، وأعاد نشره في سلسلة دراسات اسلامية، عن وكالة المطبوعات في الكويت عام 1976، ويبدو ان بدوي حينما زار بغداد لم يجد مخطوط "شطحات الصوفية"، لأنه كان وقتها في مشغل التجليد، كما يقول قاسم محمد عباس في تقديمه ل"الأعمال الصوفية الكاملة لأبي يزيد البسطامي"، التي ستصدر عن دار المدى، والتي تضم ما قاله البسطامي من كلام غريب في الاتحاد والمعرفة، والشذرات والمقطعات الشعرية، ثم حكاية البسطامي وكتاب "شطحات الصوفية" الذي يحمل اسم "الفتح في تأويل ما صدر عن الكمّل في الشطح" لبعدالوهاب الشعراني. وتأتي أهمية هذه المجموعة، كما يرى محققها، من "أن تراث البسطامي بقي متاحاً لدراسات تأثرت بنصوص مقتطعة، وقدمت هذه النصوص تحت عنوان الشطح الصوفي، كما هي الحال في كتاب عبدالرحمن بدوي "شطحات الصوفية" الذي اسهم في اشاعة تصور نفسي انفعالي عن هذه النصوص التي كتبت حقيقة طبقاً لتجربة صوفية عنيت بالوجود بمجمل طبقاته، وقدمت نظريتها المعرفية ضمن مفاصل المسلك الصوفي...". ويبدو ان بعض الاختلاطات في تلقي النصوص الصوفية جاءت من كثرة المخطوطات التي لم تنشر، والتي تتوزع في مراكز متعددة من العواصم العربية والأجنبية، كما انها في بغداد موزعة في مراكز متعددة، اهمها مكتبة مخطوطات اوقاف بغداد، ويذكر طه الراوي، في كتابه "بغداد مدينة السلام" حالاً غريبة للمخطوطات القديمة، التي كانت تشكل بضاعة رائجة في القرن التاسع عشر، حيث كانت السفن تنحدر من بغداد الى البصرة وهي لا تحمل إلا الكتب، وهذا ما جعل حرفة نسخ الكتب رائجة بين عامة الناس، حيث ان امرأة بغدادية نسخت صحاح الجوهري، وذكرت في آخره انها نسخته وهي الى جانب طفلها، وكثيراً ما كانت تحرك المهد برجلها وهي تكتب. وفي الثلاثينات والخمسينات الماضية كانت خزائن المخطوطات تتبع وزارة الاوقاف ووزارة المعارف والمتحف العراقي والبلاط الملكي، ودير الآباء الكرمليين ومجلس الأمة ومجلس الأعيان، إضافة الى المكتبات الخاصة، وهذا ما يشكل عبئاً ثقيلاً لدى الدارسين والمحققين، في التراث الصوفي، وأبرزهم لويس ماسينيون وهنري كوربان. وتأتي اهمية تحقيق تراث البسطامي من موقعه كمؤسس للنصوص الشطحية التي انتشرت في البيئة الصوفية في القرن الثالث الهجري، العاشر الميلادي، حيث شكلت هذه النصوص القيمة الفاعلة في الكتابات الصوفية، التي حملت تجارب متفردة في أعمال الحلاج والنفري. أثار الشطح لبساً كبيراً حول اللغة الصوفية الخاصة، فالمعاجم العربية لا تكشف عن التفاصيل الدقيقة لمعنى الشطح، لكن الصوفية كشفوا عن تلك التفاصيل، في مستويات عالية ومختلفة، فقال السرّاج الطوسي في كتاب "اللمع": "انه كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه، مقرون بالمعنى". وقال في موضع آخر: "عبارة مستغربة في وصف وجدٍ فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته" و"الشطح في لغة العرب هو الحركة، يقال شطح يشطح اذا تحرك، فالشطح لفظة مأخوذة عن الحركة، لأنها حركة اسرار الواجدين، اذا قوي وجدهم، فعبروا عن وجدهم ذاك بعبارة يستغرب سامعها"، ويشبّه السرّاج الشطح بنهر ضيق المجرى، يطفح منه الماء ويفيض على جانبيه، وكان السراج يعتمد على نصوص البسطامي وتأويلات الجنيد لهذه النصوص التي حدد الصوفيون لهما بؤرة لفهم الشطح، تتمركز حول "المفارقة الإلهامية". ان شطحات البسطامي تطرح الاسئلة الصعبة في حال خاصة من حالات الابداع الانساني: من أبو يزيد؟ من يعرف أبا يزيد؟ أبو يزيد يطلب أبا يزيد منذ أربعين سنة فلا يجده.