لا يمكن فصل حياتهم اليومية عن الافكار السياسية التي يؤمنون بها. انهم "الناشطون في التيار الوطني الحر التابع للعماد ميشال عون" كما يطلق عليهم، ولانهم كذلك، فهم على استعداد لتجيير اعمالهم وما يملكون من قدرات لخدمة هذه "الثورة البيضاء" الهادفة الى تحقيق نظام الحكم الذي يريدونه او الجمهورية الثالثة. كوزيت اسمر 28 عاماً، ربيع طراف 26 عاماً وسيزار ابو خليل 33 عاماً ثلاثة من ناشطي التيار في منطقة الحدث في جبل لبنان، التي أجريت فيها أخيراً انتخابات نيابية فرعية. وكان احد ناشطي التيار من المرشحين، فانتقلوا بسبب هذا الترشح من ضفة المعارضين لنظام الحكم برمته الى ضفة الداعمين لهذه الانتخابات. وهذا يعني عملياً اعترافاً ضمنياً باتفاق الطائف الذي يجسّد الجمهورية الثانية. مع ذلك، يصر الثلاثة على ان عملهم في الانتخابات لا يعني اعترافهم بالطائف. وهم يتبنون "وجهة نظر العماد"، وبالتالي فالانتخابات هي محاولة لاستفتاء الشارع والنتيجة جاءت لصالحهم كما يقولون. لكنهم يستدركون بالقول انهم لم يكونوا ضد الدولة والقانون بل ضد "السلطة". ولكن ما هي الآلية التي اتبعها الثلاثة لايصال هذا التحول في الاستراتيجية الى الناخبين، الذين ليسوا من لون طائفي واحد؟ تجيب كوزيت: "خطابنا واحد مع كل الطوائف، فنحن مقبولون من جميع الاطراف ولا نتوجه فقط الى الشارع المسيحي او الاسلامي، بل نخاطبهم انطلاقاً من المصلحة الوطنية وهمومهم اليومية، كحال الكهرباء المتردية والدين العام، اضافة الى التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية". ويشير ربيع الى حرص الناشطين على اعطاء صورة جيدة عن سلوكهم، يساعد في تقبلهم من مختلف الطوائف. فخلال مشاركتهم في المظاهرات مثلاً يحرصون على "مشاركة الناس اوجاعهم" كما يقول. ويضيف الشاب انه غالباً ما نظم التيار سوقاً للخضار اللبنانية في منطقته لمساعدة المزارعين اللبنانيين، هذا اضافة الى حرص ناشطين آخرين على المشاركة في جمعيات حقوق الانسان وغيرها من النشاطات حسبما تسمح ظروف تحركهم. يقول سيزار انه، اثناء فترة الانتخابات، اخذ اجازة من عمله كمهندس لمدة سبعة وأربعين يوماً، وكانت مهماته تتوزع بين تحضير خرائط لوجستية للوصول الى كل القرى. دور كوزيت كان ادارياً بحسب اختصاصها، اي تحضير لوائح الشطب وطريقة الفرز وبطاقات انتخابية والعمل مع المندوبين وتقسيم القضاء الى مناطق انتخابية. حاول ربيع تعويض التعتيم الاعلامي على نشاطات مرشحهم كما يقول، فكانت مهمته توزيع المناشير لتوجيه المواطنين على كيفية الحصول على بطاقات انتخابية وتحضير المهرجانات: "نحن هواة عمل انتخابي ولسنا محترفين ولذلك عملنا بأقصى جهدنا لانجاح مهمتنا". غير ان هذه "الهواية" في العمل الحزبي عند كوزيت وسيزار وربيع تلامس الاحتراف إذ انها ليست وليدة مدة زمنية قصيرة، بل سنوات من العمل تصل الى حدود الثلاثة عشر عاماً. سيزار بدأ نشاطه منذ عام 1989 يوم كان العماد في اوج نشاطه السياسي في لبنان، فكان تأثره به كبيراً، وبدأ تحركه في الجامعة ثم انتقل الى نقابة المهندسين بعد التخرج. اما ربيع فقرب منزله من القصر الرئاسي الذي كان يقطنه العماد، كان عاملاً اساسياً للتأثر به وبأفكاره التي اطلقها. "ترجمة كلمة ناشط عملياً لا تعني العضوية في حزب"، تفسر كوزيت، اذ لا يملك الناشطون في التيار بطاقات حزبية وليس عليهم الالتزام او التفرغ لنشاطات التيار بوقت محدد، بل يعطي كل ناشط التيار بحسب وقته وظروفه، علماً ان هناك تراتبية حزبية وتقسيماً للهيئات داخل التيار. اما الحكمة من اتباع هذه الآلية فيفسرها سيزار بالقول: "الهدف الاول هو محاولة خلق روح شبابية، إضافة الى عامل مهم وهو ان كل الاحزاب الحضارية في اوروبا والقارة الاميركية، تتبع النظام الحزبي ذاته الذي نتبعه، فالمشروع الجيد يجذب الناس اليه من دون ضرورة ربطهم ببطاقات عضوية، وهذا ايضاً من متطلبات العصر، فعصر الاحزاب التوتاليتارية التي هي من مخلفات ستالين، ولّى الى غير رجعة. وجه العالم يتغير! قيم الديموقرطية وحقوق الانسان ستسود عاجلاً ام آجلاً". ويشبه سيزار هيكلية التيار بالهرم المقلوب الذي ينطلق من شخص الى عدة اشخاص.