اذا كان القارئ ضاق بقصص ما يفعل الانسان بالانسان، فعندي اليوم عن الحيوان، براً وبحراً وجواً. وكنت وقعت على قصة حصان سباق ايرلندي ناجح هو "هولي اوردز" الذي نقل الى استراليا للاشتراك في سباق كأس ملبورن، فرفض ان يركض وتصرف كبغل أو تيس، ولعله حرن لأنه ابعد عن فرس شقراء يحبها، او لأنه يعارض تأييد الحكومة الاسترالية جورج بوش في حربه على العراق. وكنت قبل ذلك قرأت عن جامعة اميركية تحاول تعليم الدلافين الكلام، في موضوع طويل كدت اصدقه، لولا ان عاد اليّ ذلك الشك المقيم، فقد رجحت في النهاية ان استاذاً في الجامعة وبعضاً من طلابه استطاعوا الحصول على منحة للمشروع من شركة او فرد او افراد، ونحن نقول "رزق الهبل على المجانين". هل يتكلم الحيوان؟ قبل ان ارد على السؤال، اسأل: هل يسمع الحيوان؟ والجواب نعم، الا انه لا يسمع كما نسمع على الارجح، وما دمت اخذت القارئ الى استراليا، فقد يهمه ان يعرف عن عبارة بالانكليزية بدأت هناك هي "صفير، او صفارة، كلاب". وأساس العبارة ان الكلب يسمع على مستوى "نبرة" اعلى كثيراً مما يسمع البشر، لذلك فهناك صفارة تطلق صوتاً بالنبرة العالية فيسمعها الكلاب ولا يسمعها البشر. وقد اصبحت العبارة تعني الوعود السياسية الفارغة، الموجهة الى فريق من المواطنين دون فريق، وبما يناسب الجهة الصادرة عنها هذه الوعود. على كل حال، العلماء يقولون ان للحيوان لغة لا يفهمها البشر، ويعبر بها عن الغضب او الرضا او الألم او الخوف، وقد استطاعوا حصر الاصوات التي تمثل بعض هذه الحالات في دراسات مختبرية. ما سبق كله يهون مع خبر لاحق، فقد اطلقت صواريخ على اهداف في بغداد من "طنبر"، اي العربة التي يجرها حمار. وهكذا فالمقاومة العراقية تستخدم احدى اقدم وسائل النقل المدني لتحدي احدث آلية عسكرية في العالم. وقد رأيت صورة بعد ذلك للحمار امام "الطنبر" وبدا سليماً من الاذى، فهو في ذلك افضل حظاً من بعض حمير جنوبلبنان، فخلال الاحتلال الاسرائىلي ارسلت المقاومة حماراً محملاً بالمتفجرات الى موقع اسرائىلي، وفجرت الحمولة عن بعد وأوقعت اصابات في العدو، ولم يستفد الحمار بشيء طبعاً. بعد ذلك اصبح جنود الاحتلال اذا رأوا حماراً قادماً اما يرمونه برصاصهم، او يقفزون في الخنادق ووراء اكياسهم الرملية طلباً للنجاة. ولعل حمير بغداد والموصل تكون افضل حظاً مع الجنود الاميركيين في العراق من حمير جنوبلبنان مع الاسرائىليين ربما اعتقد قارئ انني اهذر غير ان الموضوع حقيقي، وقد حكى لي صحافي اميركي انه كان مع جنود اسرائىليين على موقع لهم قرب الناقورة، واذا بحمار قادم، فقفزوا بسرعة وراء استحكاماتهم، ورفع جندي منهم رشاشه من فوق اكياس الرمل وأطلقه باتجاه الحمار، فلم يصبه. وعندما عاتب الصحافي الجنود بعد ذلك على تركه وحيداً امام حمار مسلح، قالوا له "كل انسان يهتم بنفسه" امام الخطر. والغريب في هذه القصة، كما رواها لي الزميل، ان الحمار كان "عارياً"، ولا يحمل حتى بردعة، وبالتالي لا يمكن ان يكون ملغوماً، ليخاف منه الجنود الاسرائىليون. لو كانت هناك لغة للحيوان، ماذا كانت قالت حمير جنوبلبنان بعد 1982، وماذا كانت قالت حمير بغداد اليوم؟ لا أزال اجد صعوبة في التخاطب مع البشر، ناهيك عن الحمير، ولكن عندي قصة عن الزميل سليم نصار عن الصديق اسعد المقدم عندما كان يعمل في الجامعة العربية في تونس. حدث يوماً ان نقل سفير العراق لدى الجامعة الى منصب آخر، وهو طلب من اخينا اسعد ان يحتفظ له بببغاء يملكه، لأن هناك اجراءات صحية لدخول الحيوان والطير البلد حيث مقر عمله الجديد، وأكد له ان الببغاء غير مزعج لأنه لا يتكلم ابداً. وبالفعل فقد مضت اسابيع من دون ان ينبس الببغاء "ببنت منقار"، وانما كان يبدو ساهياً شارد الذهن. ويبدو ان الببغاء فهم بعد مضي شهر او نحوه انه ليس في بيت ديبلوماسي عراقي، ولا توجد آلات تسجيل، فقد فوجئ مالكه الجديد به يوماً يصدح قائلاً: اسعد، اسعد. وعاد السفير العراقي الى تونس بعد ذلك في مهمة، وزار اسعد المقدم في بيته، وفوجئ بأن ببغاءه الصامت يثرثر اكثر من حلاق. وسأل السفير اسعد ماذا حدث، فقال انه اكد للببغاء انه في بيت لبناني، حيث لا يوجد سوى الكلام، ولم يعد في السلك الديبلوماسي العراقي سلك صدام لأن الاخوان الآن يتكلمون اكثر من اللبنانيين ففكت عقدة لسانه. وهكذا فأنا اترك القارئ مع طرفة قديمة تعود الى ايام الشيوعية، أرجو الا يكون القارئ سمعها من قبل، فقد تقابل كلب فرنسي مدلل من نوع "بودل" مع كلب روسي، في شارع قرب الشانزلزيه، ودار بينهما حديث، وسأل الكلب الفرنسي الكلب الروسي ماذا يفعل في بلاده، فقال انه سائح. وعلق الكلب الفرنسي قائلاً ان الكلب الروسي لا بد من ان يسعد بالطعام الفرنسي والشراب، لأنهم في الاتحاد السوفياتي لا يجدون ما يأكلون. ورد الكلب الروسي: ابداً. نحن في الاتحاد السوفياتي نفطر كافيار، ونتعشى سلمون مدخناً، والفودكا مثل الماء. وسأله الكلب الفرنسي: لماذا جئت الى باريس اذاً؟ ورد الكلب الروسي: بيني وبينك، احياناً احب ان "أهوْهوْ" أنبح. وأعود الى لغة البشر غداً.