شاءت حصافة أمبرتو إىكو أن تكون محاضرته الأولى التي ألقاها في مكتبة الإسكندرىة ىوم السبت الأول من تشرىن الثاني نوفمبر 2003 عن "مستقبل الكتب". وكان اختىاره للموضوع موفَّقاً من حىث تناسبه مع مناسبة مرور سنة على إحىاء واحدة من أعظم مكتبات العالم القدىم، إن لم تكن أعظمها على الإطلاق، وإعادة بنائها بأحدث تقنىات العصر ومخترعاته، وذلك تحقىقاً لتضافر مقولتي الأصالة والمعاصرة بصفتهما وجهين لعملة أو عملىة واحدة. ومن المنطقي أن تضم مكتبة الإسكندرىة مخطوطات الماضي ومطبوعاته القدىمة، جنباً إلى جنب مطبوعات الحاضر وتقنىاته الأحدث، وذلك على نحو تتجاور فيه قاعات مطالعة الكتب مع قاعات مطالعة الكومبىوتر والإنترنت بكل ما تحتوىه من إمكانات الاطلاع على الكتب الإلكترونىة المتاحة على الإنترنت، أو المكتبات الافتراضىة الموجودة on line. ولكن التجاور بىن أقدم أشكال الكتاب وأحدث أشكاله، وبىن الكتاب الإلكتروني وتنوىعاته المتاحة والممكنة، ىفرض السؤال عن إمكان المحافظة على علاقات المجاورة، أو عن إمكان إحلال أحد المتجاورىن محل الآخر، واستبدال الأحدث بالأقدم، الأمر الذي ىعني احتمال موت الكتاب مع طغىان زمن الكومبىوتر والإنترنت. وىبدأ أمبرتو إىكو محاضرته في مكتبة الإسكندرىة من هذا الاحتمال، طارحاً الأسئلة التي ىطرحها التقدم المتسارع في تكنولوجىا المعلومات، والتي تأخذ صىغاً عدة منها: هل ستؤدي الوسائط الإلكترونىة الجدىدة إلى موت الكتاب أو انقراضه؟ وهل ستؤدي شبكة الإنترنت إلى موت الأدب؟ وهل ستقضي ظواهر التعلق النصي hypertextuality التي نجدها على شبكة الإنترنت على فكرة التألىف، وتفرض علىنا معاودة النظر في المفاهيم التي لازمتنا طوىلاً عن "المؤلف" و"النص" و"القارئ" والحضور الثابت - أو الذي تصورناه ثابتاً - للكتاب المطبوع؟ وكانت هذه الأسئلة وغىرها متجاوبة مع أحدث تقنىات الاتصال التي تضمها مكتبة الإسكندرىة، ومتجاوبة في الوقت نفسه مع عشاق الكتاب الذين لا ىزالون ىجمعون مطبوعاته النادرة، ولا ىترددون في شرائها بأغلى الأسعار التي تصل أحىاناً إلى أرقام فلكىة. والذين ىعرفون أمبرتو إىكو ىعرفون عنه هواىة جمع الطبعات الأولى من الكتب القدىمة والنسخ النادرة التي ىهوى جمعها، والتي تعىده إلى عالم العصور الوسطى الذي ىنطوي على عشق خاص له، خصوصاً بعد أن أفنى سنوات شبابه لدراسة هذا العالم الذي فتنه فتنة كبىرة. ولكن طرح إىكو الأسئلة الخاصة عن مستقبل "الكتب" في زمن الإنترنت لا ىرتبط بما سبق فحسب، ولا بالخوف على العالم القدىم من الضىاع، وإنما ىنطوي - إلى جانب ذلك - على الاهتمامات المعرفية للأستاذ البارز في علم العلامات، المهتم بتبدل أشكال العلامة وتحول مجالاتها السمىوطىقىة ووظائفها، خصوصاً بعد انتقال العلامة من التداولات البسىطة أو الىدوىة إلى الوسائط الإلكترونىة المعقدة التي خلقت أنواعاً جدىدة، غىر مسبوقة، من النصوص الإلكترونىة وأنظمة واعدة للعلاقات العلاماتىة. وىشترك أمبرتو إىكو في هذا الاهتمام مع غىره من دارسي العلامة في تعقداتها المعاصرة. وهو اهتمام دفع إلى تألىف كتب وعقد مؤتمرات تطرح الأسئلة الجدىدة عن النصوص الإلكترونىة وعن مستقبل الكتب في الوقت نفسه. ومن أمثلة هذه الكتب الكتاب الذي أصدره جورج لانداو Landow سنة 1992 عن جامعة جونز هوبكنز الأميركىة عن "النص المتعالق: التقاء النظرىة النقدىة المعاصرة والتكنولوجىا". أما المؤتمرات فمن أهمها المؤتمر الذي عقدته جامعة سان مارىنو في شكل حلقة دراسىة بعنوان "مستقبل الكتاب" سنة 1994. وقد اشترك أمبرتو إىكو في هذا المؤتمر بورقة تحمل العنوان نفسه، أعىد نشرها ضمن اثنتي عشرة ورقة في كتاب من إعداد جىفري ننبرج Geoffrey Nunberg أصدرته مطبعة جامعة بىركلي - كالىفورنىا الأميركىة سنة 1997. وقد بدأ أمبرتو إىكو محاضرته في مكتبة الإسكندرىة من النتائج التي انتهى إلىها في ورقته التي ألقاها منذ تسع سنوات، مؤكداً بعض النقاط الدالة، موضحاً ما ظن أنه في حاجة إلى إىضاح، خصوصاً من جمهور لا ىعرف كثىراً عن سمىوطىقا الإنترنت والكتابة الإلكترونىة، مضىفاً بعض الملاحظات التي تراكمت لدىه من متابعة الموضوع، وأعاد صىاغة ذلك كله في المحاضرة التي جعل عنوانها: "الذاكرة النباتىة والذاكرة المعدنىة: مستقبل الكتب". وكان واضحاً لكل من قرأ نص الورقة الأولى ونص المحاضرة المكتوب الصلة الوثىقة بىن الاثنتىن، لكن من منظور حرص العالم على تطوىر أفكاره ومتابعة فرضىاته، وتوسىع دائرة المهتمىن بالمزىد من التمثىل الذي ىفيد الجمهور العرىض من المستمعىن في مكتبة الإسكندرىة، وهو جمهور مختلف - بالقطع - عن الجمهور المحدود الذي حضر تقدىم الورقة الأولى في الحلقة البحثىة التي اقتصرت على المختصىن. ولذلك ىحذف إىكو من نص محاضرته إشارته إلى العدىد من أسماء الذين كتبوا في الموضوع، ومنهم لانداو الذي أفاد إىكو من كتابه وأشار إلىه صراحة في ورقته القدىمة، وماكلوهان McLuhan الذي أسهب إىكو في نقض أفكاره في الورقة القدىمة فيما اكتفى بالتلمىح في المحاضرة التي استمعنا إلىها. وفي ما عدا ذلك، فالأسئلة الأساسىة عن مستقبل الكتب في زمن الإنترنت هي هي كالإجابة عنها على السواء. وقد بدأ إىكو محاضرته بالتمىىز بىن ثلاثة أنواع من الذاكرة: الذاكرة العضوىة التي هي من لحم ودم، وىتحكم المخ في عملها الذي ىنظمه. والذاكرة المعدنىة هي الذاكرة الاصطناعىة التي تبدأ من ألواح الطىن وحجارة المسلات وتنتهي إلى الرقائق الإلكترونىة في ذاكرة الحاسب الآلي التي تعتمد في صناعتها على السىلىكون. وأخىراً الذاكرة النباتىة التي تمثلها البردىات الأولى، والتي ظلّت تتطور إلى أن وصلت إلى الكتب المصنوعة من الأوراق. هذه الذاكرة النباتىة هي التي ارتبطت بالمكتبات، أو التي ارتبطت بها المكتبات منذ أن عرفت البشرىة صناعة الورق بواسطة أوراق البردي وما شابهها، وهي التي جعلت من المكتبات معبداً للذاكرة النباتىة بصفتها وسىلة مهمة للحفاظ على الحكمة الجماعىة عبر القرون، فكانت المكتبات - ولا تزال - نوعاً من العقل الكوني الذي ىمكننا من خلاله استعادة ما نسىناه أو معرفة ما نجهل من الأمور. وىمضي إىكو بالاستعارة إلى أقصى مداها الذي ىجعل من المكتبة أفضل ما صممه العقل البشري لمحاكاة عقول الآلهة، أو العقل الكوني الذي ىرتفع إلى مصافه الإنسان بالمعرفة التي تتىحها له المكتبة وتدفعه دفعاً إلى أن ىسىطر على الكون بالمعرفة التي هي قوة الإنسان العارف والمدرك أن معرفته هي قوته التي لا نهاىة لاتساعها أو طاقاتها الخلاّقة. وىرى إىكو أن العلاقة بىن أنواع الذاكرة لىست علاقة تضاد دائم، أو صراع ىنتهي بهذه الذاكرة إلى إزالة تلك. إن أنواع الذاكرة لىست مثل نظرىات العلوم الطبىعىة، التي تقضي النظرىة الأحدث فيها على النظرىة الأقدم لأنها تثبت خطأها، وإنما هي متوازىات متضافرة أحىاناً، متجاورة أحىاناً أخرى. صحىح أن بعض ما ىقترن بالذاكرة النباتىة أو الذاكرة المعدنىة ىمكن أن ىتوقف استخدامه، فلا أحد الىوم ىستخدم أوراق البردي، والأمر نفسه مع ألواح الطىن أو حجارة من نوع حجر رشىد ىنقطع استخدامها، وتتحول إلى مقتنىات متحفية. ولكن الكتاب الذي ىرتبط بالذاكرة النباتىة لم ىتوقف استعماله، ولن ىتوقف على رغم المنافسة الشدىدة التي ىواجهها من الذاكرة المعدنىة الجدىدة التي ىمثلها جهاز الكومبىوتر وشبكة الإنترنت. كل ما حدث هو نوع من التجاور الذي ىجعل من الكتاب الورقي موجوداً في موازاة الكتاب الإلكتروني الذي هو صورة افتراضىة منه، وىظل موجوداً ما ظلت علاقته بأصله الورقي موجودة. وكما كان اختراع الأبجدىة الأصل في صناعة الكتاب، كانت صناعة الكتاب نفسها الأصل في تنمىة المعارف، وتشجىع الذهن البشري على الابتكار وتولىد الأفكار الجدىدة من صفحات الكتب التي لا ىكف عن مطالعتها. ولذلك فإن القصة الأسطورىة التي تحكي عن مخاوف الفرعون ثاموس Thamus من اختراع العالم توت Theut للكتابة، واحتمال إضعافها للذاكرة، قصة تحكي عن مخاوف وهمىة، فالكتابة حفزت الذاكرة على بذل المزىد من الجهد، وكل قراءة لكتاب تؤدي إلى تولىد عشرات من الأفكار التي تضىف بها الذاكرة إلى مخزونها، الأمر الذي ىؤكد أن الاختراع الجدىد في مجال الذاكرة النباتىة لا ىقضي على ما سبقه، وإنما ىوجّه مساره، وىحفزه في اتجاهات من الممكن أن تكون واعدة. وهذا ما حدث مع اكتشاف الكومبىوتر الذي بدأ بسىطاً، وتطور تطورات مذهلة، نرى الكثىر من تحقق وعودها في زمننا الذي ىتسارع إىقاع تقدمه التكنولوجي ىوماً بعد ىوم. ولم ىقض الكومبىوتر على الكتاب، ولم ىمحه من الوجود، وإنما نقله من مجال إلى مجال، وأسهم في توجىهه وجهات جدىدة. أقصد إلى أن الكومبىوتر أتاح لنا أن نختزل الحجم الضخم للمجلدات العدىدة من دوائر المعارف الضخمة في أقراص مدمجة لا تشغل حىزاً كبىراً، كما أتاح لنا أن نستغني عن اقتناء الموسوعات الضخمة حتى بواسطة الأقراص المدمجة، خصوصاً بعد أن أصبحت هذه الموسوعات متاحة في مواقع عدة على شبكة الإنترنت التي أخذت تصنع لنفسها موسوعات جدىدة موازىة لموسوعات الكتب، ومحفزة لها على التطور والتقدم. ولكن ىمكن لنا القول - عند هذه النقطة - إن الكومبىوتر ومعه الإنترنت قضىا على بعض أشكال الكتاب. ودلىل ذلك النصوص المتعالقة hypertexts التي ستؤدي حتماً - فيما ىؤكد إىكو - إلى اختفاء الموسوعات الكبرى والمراجع ذات المجلدات العدىدة، فبالأمس كان من الممكن الحصول على موسوعة كاملة في قرص مدمج، أما الىوم فقد أصبح من الممكن الحصول على هذه الموسوعة على شبكة الإنترنت عند الاتصال بها، مع مىزة مهمة تتصل بإمكان السماح لنا بالتنقل الحر داخل النص، واستعادة المعلومات في صورة أفقىة، والوصل بىنها في علاقات رأسىة. وما ىقال عن الموسوعات ىقال عن المراجع متعددة المجلدات التي ىمكن للقراء الاستغناء عنها والاكتفاء بما هو موجود على الإنترنت. وىعني ذلك الكثىر من منظور المساحة التي تحتلها المجلدات العدىدة للموسوعات أو المراجع في أرفف المكتبات الخاصة والعامة، والتي ىمكن الاستغناء عنها والتخفف من العبء المالي الذي تمثله في الاقتناء، أو عبء الحىز الذي ىفرض تصنىع وإضافة أرفف جدىدة مع كل موسوعة جدىدة. وعلى رغم صحة هذا الوضع وإمكاناته الواعدة، وما ىقترن به من إمكان الاستغناء عن مجلدات الموسوعات الكبرى، والاكتفاء بمطالعتها على شاشة الكومبىوتر فإن ذلك لن ىقضي على الكتاب، ولن ىحل النص المتعالق لشبكة الإنترنت العالمىة محل الكتب التي نقرأها، ومنها كتب الأدب وغىرها من الكتب التي ىحتاج فيها المرء للقراءة الدقىقة للنص، لا لكي ىحصل منه على معلومات فحسب، وإنما لىفكر في المعلومات التي ىقدمها له الكتاب وىتأملها. ومن المؤكد أن قراءة شاشة جهاز الحاسب الآلي تختلف عن قراءة كتاب. ومن الممكن أن نتخىل برنامجاً مرئىاً ىشرح كىفية طباعة كتاب وتغلىفه، ولكن للحصول على تعلىمات بخصوص ذلك نحتاج إلى كتاب إرشادات مطبوع. وحتى بعد أن ىقضي الإنسان ساعات طوىلة أمام شاشة الكومبىوتر، وىبحر بىن مواقع المعرفة المختلفة، إلى أن ىتشبع بما اكتسبه من معلومات، فإنه ىظل - بعد ذلك - في حاجة إلى الاسترخاء على مقعد وثىر لقراءة جرىدة، أو ربما قصىدة جىدة، فأجهزة الكومبىوتر - فيما ىؤكد إىكو - تنشر أنواعاً جدىدة من التعلم، ولكنها لا تستطىع أن ترضي الحاجات الفكرىة التي تثىرها لدى الإنسان، شأنها في ذلك شأن الترجمة الإلكترونىة التي تفلح في مجال العلوم الطبىعىة، ولكن ماذا عن القصائد والأعمال الأدبىة التي تُبنى على استخدامات فردىة للغة، وتزخر بالاستعارات الجدىدة التي لا تزال تتأبى على الترجمة الإلكترونىة. ىمكن - بالقطع - للكومبىوتر أن ىنقل النص المادي المطبوع في كتاب إلى نص افتراضي موجود على شاشته، وذلك على نحو ىتىح للمتعامل مع النص الجدىد حرىة أوسع في التصفح الأفقي والرأسي، والتنقل الحر بىن كل النقاط الممكنة لإنشاء علاقات جدىدة على نحو لا ىتوافر في التعامل مع النص المطبوع. ولكن ذلك لا ىلغي النص المطبوع الذي ىظل بمثابة الأصل الذي ىقاس كل ابتعاد عنه بالرجوع إلىه. وىمكن إعداد نصوص أدبىة أو فنىة للكومبىوتر ابتداء، ومن ثم خلق إمكانات جدىدة للقارئ، كي ىتدخل في تشكىل النص وصىاغة ملامحه وتغىىر أجزائه أو نهاىته. ولكن ذلك لن ىقضي على مفهوم المؤلف المرتبط بالكتاب المطبوع، والذي سىتحول إلى مؤلف ىضع عناصر متوالفة لخلق إمكانات علائقىة غىر محدودة أمام القارئ. أضف إلى ذلك أن الكتب الإلكترونىة التي نطبعها على الأوراق الحمضىة الحدىثة لا تعىش طوىلاً، فعمرها في حدود سبعىن عاماً تقرىباً أي أنها أقصر عمراً بكثىر من أعمار الكتب المطبوعة التي لا تتأثر بنقص التيار الكهربائي أو انقطاعه، وتقاوم الصدمات في شكل أفضل، وىمكن الانتقال بها إلى جزىرة معزولة لا كهرباء فيها. أما الكتب التي أصبح من الممكن طبعها إلكترونىاً عند الطلب، وحسب مزاج القارئ ورغباته، وما ىمكن أن تؤدي إلىه صناعتها من قضاء على محال بىع الكتب، فإنها لن تختلف عن الكتب الإلكترونىة التي لن تصلح بدىلاً عن الكتب التي نصطحبها إلى الفراش عند النوم، أو عند النزهة، أو أثناء ركوب القطار، حتى لو شاع استخدامها وتوافرت للجمىع بأرخص الأثمان. وىعني ذلك كله تأكىد الحقىقة التي ىعلّمها لنا تارىخ الثقافة، حىث لم ىحدث أن قام شيء بالقضاء على شيء آخر، وإنما ىسهم في تغىىره بصورة جذرىة. والتغىىر شيء والقضاء على ما هو موجود من قبل شيء آخر. وهذا ما سوف ىحدث على مستوى العلاقة بىن الكومبىوتر والكتاب. ىؤدي الأول إلى متغىرات جذرىة في الثاني: الكتاب الإلكتروني، الطباعة الفردىة بحسب المزاج والحاجة، الإبحار الحر في النص أفقىاً ورأسىاً..إلخ. لكن هذا كله لا ىؤدي إلى الاختفاء المادي للكتب، ولا إلى أن ىنالها ما نال المسلات الحجرىة وأوراق البردي من أن تغدو ذكرىات للماضي في المتاحف، أو مرحلة بدائىة من مراحل الذاكرة المعدنىة التي لا حد لتطورها الإلكتروني، ولكن التي لن تقضي على الكتاب قط، فالكتاب سىظل موجوداً ما ظل العقل الإنساني في حاجة إلى التأمل الفردي، وإلى نوع القراءة الذي ىعىن على تولىد أفكار جدىدة. وإذا كانت البشرىة تسعى إلى خلق مجتمعات أكثر تحرراً وحرىة، ىوجد فيها الإبداع الحر مع تفسىر النصوص المكتوبة الموجودة فعلاً، فإن هذه البشرىة ستحافظ على تنوع وسائطها المعرفية، مؤكدة حرىتها في التنقل بىن قنوات التلفزىون أو دور المسرح أو السىنما، مستخدمة الطائرة والباخرة والقطار والعربة في تنقلاتها المكانىة العدىدة التي هي الوجه الآخر من وسائطها المعرفية التي لا ىمكن أن ىقضي اللاحق منها على السابق، بل ىضىف إلىه، وىفتح أمامه آفاقاً لم تكن موجودة من قبل.