"الصحافية والامير"... عنوان جميل يصلح لرواية خرافية مشوّقة لولا تحوله واقعاً في اسبانيا... فقد وقع الأمير فيليبي دي بوربون 36 سنة في حب المذيعة التلفزيونية ليتيثيا اورتيث 31 سنة وقررا الزواج في اوائل الصيف المقبل. مرّة أخرى يكسر الغرام جميع القواعد والعادات، ويفرض نفسه على تقاليد العائلة المالكة ويصدم المتشددين في اسبانيا. وقصّة الحبّ هذه تطورت على مراحل عدة. تعرف امير استورياس على ليتيثيا اورتيث شخصياً خلال حفل عشاء في منزل احد زملائها. فهو كان يشاهدها على الشاشة الصغيرة عندما كانت تنقل هموم الناس في الاحياء الفقيرة والمهاجرين المغاربة في بيوتهم الصغيرة، وسكان نيويورك بعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول سبتمبر وتصريحات السياسيين خلال القمم الاوروبية وغيرها من الاحداث التي قامت اورتيث بتغطيتها بصدق. لكنه لم يكن يعرف فيها طبعاً، ما اكتشفه في ما بعد: "احساسها المرهف وذكاؤها وروح المسؤولية الذي تتحلى به وشجاعتها". هكذا وصفها امام الصحافيين يوم الخطبة بعد ان اشار الى جمالها البارز... فالصحافية التي نشأت في عائلة متواضعة، والدها صحافي مثل جدتها، ووالدتها ابنة سائق تاكسي، ممرضة، وتعمل حاليا في النقابة العمالية التي تنتمي إليها. تطورت حياتها مثل كل ابناء جنسها من الطبقة المتوسطة. تخرجت في كلية الصحافة في الجامعة المركزية الرسمية في مدريد. حاولت توسيع آفاقها خارج حدود بلادها، فطلبت العلم في المكسيك. ثم عادت وتنقلت بين وكالة صحافية وجريدة يومية وتلفزيون الى ان تعاقد معها التلفزيون الرسمي الاسباني عام الفين بمعاش شهري قدره 3 آلاف يورو. آنذاك كانت تزوجت من الكاتب الونسو غيرريرو الذي يكبرها بعشر سنوات، ثم تطلقت منه. أحبت ليتيثيا الكاتب غيرريرو عندما كان يدرّسها الأدب في المرحلة الثانوية. عاشرته ست سنوات، وتزوجته لتطلقه خلال اقل من سنة... بعد أشهر فقط من طلاق والديها. ولا بد من الاشارة إلى أن مؤلفات غيرريرو نفدت اليوم من المكتبات. وقد ارتبطت ايضاً بعلاقة عاطفية بزميل لها لم تنته الى نتيجة بعد عامين، فافترقا بانتظار ان تجد "اميرها". لها شقيقتان: الاولى متزوجة من نحات اسباني، والثانية تعمل في منظمة "اطباء بلا حدود" في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ مدة طويلة. وقد تطوعت ليتيثيا خلال احدى فرصها وعملت الى جانب شقيقتها، كما زارت قبل شهرين الأراضي المحتلة مع والدتها. تقول ليتيثيا اورتيث عن خطيبها فيليبي انه "انسان غير عادي، يحترم الغير، حساس، ذكي، يحب القراءة بشكل ملحوظ... و هذا مهم بالنسبة إلي...". والامير استورياس الذي تلاحقه الصحافة الصفراء من مكان الى آخر، درس الحقوق والاقتصاد في الجامعة المستقلة في مدريد وحصل على ماجيستير في العلاقات الدولية من جامعة جورجتاون الاميركية. كما انه قام بدورات عسكرية عدة ليتسلم قيادة القوات البرية والجوية العام 2000، ارتبط بعلاقات عاطفية بفتيات عدة من مختلف المستويات والجنسيات. اول علاقة رسمية له كانت مع الارستوقراطية ايزابيل سارتوريوس التي قيل ان والدته مانعت زواجه منها العام 1989 لأن والداها كانا منفصلين. وآخر علاقة كانت مع عارضة الازياء النروجية ايفا سانون. بعض هذه العلاقات كانت للتمويه. فعندما بدأت علاقته بالصحافية التي يعرفها معظم الاسبان، كان يظهر في الاماكن العامة مع شابات اخريات. وعندما كانت ليتيثيا في العراق خلال الحرب نشرت المجلات صورة لأمير استورياس وربطته بعلاقة "قوية وثابتة" مع فتاة من الطبقة الارستوقراطية، وكادت تعلن عن موعد زواجه في الوقت الذي كان قلبه في مكان آخر. وسألت "الحياة" استورياس عن تمكنها من اخفاء علاقتهما كل هذه المدة، فاجابت: "كانت مهمة صعبة خصوصاً انني اعرف طريقة تحرك الزملاء". وقدمت ليتيثيا اورتيث آخر نشراتها الاخبارية قبل 22 ساعة من اعلان البلاط عن علاقتها بولي العهد، ونيتهما الزواج مطلع الصيف. ثم ظهرت مع خطيبها امام 350 صحافياً... لكنّها على رغم خبرتها في التعامل مع الكاميرا، لم تتجرأ على النظر إلى زملائها السابقين... لقد كانت قبل أيام قليلة تحمل دفترها وتقف الى جانبهم. اعترفت بصعوبة موقفها. واشارت الى انها باتت تتفهم الشخصيات التي كانت تجري معها مقابلات! وتعليقاً على كون عقد عملها مع التلفزيون الاسباني ما زال قائماً، اعترفت أنّها كانت تتمنّى ان تجمع بين نشاطاتها الرسمية ومهنتها كمقدّمة لنشرة الأخبار... لكنّها مضطرّة الى فك ارتباطها مع التلفزيون تدريجاً، لتبدأ حياتها الجديدة. اما عودتها الى الشاشة فمستحيلة. اهداها الأمير جوهرة حديثة وجوهرة عائلية. اما هي فأهدته رواية "غلام دون انريكي العليل" للكاتب ماريانو خوسيه دي لارا... وموضوعها "الخيانة الزوجية"... وهي تنتهي بمأساة! وتجدر الاشارة الى ان اورتيث حازت عام 2001 "جائزة لارا لأفضل صحافي دون الثلاثين". اشادت بدعم الملكة صوفيا لها هذه الايام نظراً لجهلها بطريقة التصرف مع باقي افراد العائلة المالكة، وربما يساعدها هذا الدعم على تفادي تجربة الغربة التي عانت منها الملكة عندما تزوجت عام 1962. وكان الملك خوان كارلوس الاول المعروف بروح الدعابة، طلب يد زوجته بطريقة طريفة، إذ رمى لها بعلبة قائلاً: خذي يا صوفي... وكان فيها خاتم الخطبة. ليتيثيا اورتيث، ملكة اسبانيا المقبلة، ثاني اسبانية في تاريخ آل بوربون منذ عام 1879، برهنت في هدية خطوبتها انها تساوي جوهرة الادب بجوهرة اللقب. صحيح أنّها لا تنتمي الى طبقة النبلاء التي يتزوج منها الامراء والملوك... لكنها كما نعرف، صاحبة مهنة نبيلة.