يصعب على من هو خارج الأممالمتحدة ان يدرك تماماً ابعاد الضربة التي تلقتها نتيجة الاعتداء على مقرها في بغداد في 19 آب اغسطس الماضي. واصبح هذا اليوم بالنسبة الى موظفي المنظمة الدولية اشبه ب11 ايلول سبتمبر خاص بهم. فلم تتعرض الاممالمتحدة ابداً من قبل على امتداد تاريخها الى مثل هذا الاعتداء. وكان سيرجيو فييرا دي ميلو، المبعوث الخاص للأمين العام كوفي أنان، والهدف الرئيسي للاعتداء، واحداً من ألمع موظفيها وابرزهم. وقد قتل بدم بارد 22 شخصاً وجرح حوالى مئة آخرين. ومنذ ذلك الحين وقع هجوم آخر اصغر على مقر الاممالمتحدة في بغداد. وترى المنظمة الدولية، وهي محقة تماماً، انها مستهدفة، وسُحب معظم موظفيها. ولن يرتفع عددهم في العراق مرة أخرى إلا عندما يرى الأمين العام ان المخاطر تراجعت بشكل كبير. وحمّل أنان، وهو محق في ذلك ايضاً، القوات الأميركية في العراق المسؤولية عن حال الفوضى العامة وعدم توفير حماية كافية لمقر الاممالمتحدة خصوصاًً. هذه هي الخلفية للخلاف المثير، ولكن المؤذي، الذي تفجّر في نيويورك بشأن آخر مشروع اميركي - بريطاني خاص بالعراق. واعتقدت واشنطن ولندن انهما تقتربان من الحصول على قرار جديد حول العراق عبر مجلس الأمن بعد نشاط ديبلوماسي كبير. وادركت كل من العاصمتين انه سيتعين عليها القبول ببعض الحلول الوسط. لكنهما شعرتا انه يوجد الآن اجماع بان الوقت قد حان لتجاوز الاحساس بالمرارة الذي كان سائداً داخل المجلس في وقت سابق من السنة الجارية، وان هناك ادراكاً واسعاً بان إنهاء الفوضى في العراق يكتسب اهمية كبرى بالنسبة الى العالم كله. وعلى رغم ان الرئيس جورج بوش قرر ان يلقي خطاباً يتسم بالتحدي امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فانه فعل ذلك وهو يدرك الضغوط المتزايدة عليه بشأن سياسته الخاصة بالعراق. وبالنسبة الى من يتذكر المستوى العالي من التأييد في اميركا للنزاع في العراق، الذي يرجع جزئياً الى ان الاميركيين أُبلغوا بوجود صلة بينه وبين الاعتداءات على اميركا في 11 ايلول 2001، من المدهش ان نرى ان هناك اليوم، حسب استطلاع للرأي اجرته "نيويورك تايمز" وتلفزيون "سي بي إس"، غالبية تعتقد ان الحرب كانت عملاً خاطئاً. وعلى رغم ان عدد القوات الاميركية في العراق يبلغ 145 الف جندي، فإن وجودهم على الأرض يُعتبر دون المستوى المطلوب بكثير ولا يكفي لمواجهة التهديدات المتنوعة. ونُقل المزيد من قوات الاحتياط جواً الى العراق، وهي خطوة لا تحظى بشعبية في اميركا. وفي مواجهة النقص في الجنود، تسعى ادارة بوش الى الحصول على مساعدة قوات مجرّبة وحسنة التدريب من بلدان اخرى مثل روسيا والهند وباكستان. ولن يحدث هذا على المستوى المطلوب قبل تبني قرار جديد مناسب حول العراق. وافادت صحيفة "التايمز" في 4 الشهر الجاري ان كوفي أنان الأمين العام للامم المتحدة، بعدما درس المشروع الاميركي البريطاني الاخير، قرر "في خطوة تحدٍ نادرة، ان يوفد مسؤولاً كبيراً لاطلاع مراسلين على اقتراحه البديل - المطابق تقريباً للاقتراح الذي تحبذه المانياوفرنسا - بعدما تسربت مؤشرات الى معارضته للمشروع الاميركي البريطاني إثر مأدبة غداء مع السفراء في مجلس الامن. وادى رفض أنان للموقف الاميركي البريطاني الى تعطيل المساعي لتمرير مشروع القرار الذي طرحه طرفا التحالف". وتميزت السنوات التي امضاها أنان في منصبه كأمين عام بتصميمه على السعي لكسب تأييد الاميركيين إن امكن ذلك اطلاقاً. وتعرض بالفعل لانتقادات من بعض اعضاء الأممالمتحدة لأنه لم يواجه الاميركيين بجرأة. ولا شك انه سيرد بان الاممالمتحدة لن تتمكن من إحراز التقدم المطلوب على نحو ملح اذا بقيت الولاياتالمتحدة دوماً في تعارض معها. وهو ما يضفي بعداً مثيراً أكثر على خطوة التحدي الاخيرة بشأن القضية الأبرز في الوقت الحاضر. واضاف أنان مُلحاً على الجرح عندما عبّر عن رغبته في إعادة السيادة الى العراقيين خلال وقت لا يتجاوز ثلاثة أشهر. واعلن ناطق باسم الاممالمتحدة ان "هناك شكوكاً بشأن ما اذا يمكن إدامة الاحتلال لمدة سنتين". وانني اشاطره هذه الشكوك. ولا تعتقد فرنساوالمانياوروسيا - ومعهم كبار زملاء أنان داخل الأممالمتحدة، كما يمكن ان نفترض - انه ينبغي ل"سلطة التحالف" ان تتولى زمام الحكم بينما يقرر العراقيون بشأن دستورهم المستقبلي ويجرون انتخاباتهم. وقد أكدت الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة على "الطبيعة الموقتة" للاحتلال الذي يواجه مشاكل، وهما تدعيان انه يمكن صوغ دستور جديد في غضون ستة أشهر. كما وافقتا على ضرورة تحريك العملية السياسية بوتيرة أسرع. لا تبدو هذه الخلافات مستعصية على الحل اذا توفر حسن النية، ولا يمكن الاّ ان نأمل في ان لا تتخلى الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة عن مساعيهما للحصول على قرار جديد. والعنصر المفقود هو، كما يبدو، قليل من التواضع من قبل كلا البلدين. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين.