لو ان السياسة الاميركية تجاه البلدان العربية والاسلامية اتصفت في العقود الخمسة الماضية بدرجة معقولة من الموضوعية والتوازن لما احتاجت ادارة بوش الى تكليف فريق من الساسة السابقين والباحثين والاكاديميين عناء التجول في انحاء العالم العربي الاسلامي بحثاً عن اجابة للسؤال: "لماذا تكرهوننا؟". اما الآن بعد ان قدم هذا الفريق تقريره، فإن ما يبدو واضحاً من التوصيات ان الاميركيين مصممون على ان الخلل في سياستهم الخارجية ليس في جوهر تلك السياسة وانما في اسلوب وطريقة تقديمها! ولو ان الولاياتالمتحدة اتبعت سياسة خارجية "مستقلة" مرسومة لخدمة مصالحها القومية وغير "مخطوفة"، كما هي الحال منذ عقود، من جانب اللوبي الصهيوني، لكانت نظرة الشعوب العربية والاسلامية اليها خالية من الكراهية بالتأكيد وربما ممزوجة بقدر من الاعجاب والاحترام لأن في اميركا اموراً كثيرة تستحق التقدير، مثل دستورها الرائع الراقي ونظامها الفيديرالي اللامركزي الى حد كبير، وتقدمها في المعارف والعلوم والصناعات، علاوة على طبيعتها الجغرافية الجميلة المتنوعة. غير ان الولاياتالمتحدة، وهي الآن الدولة العظمى الوحيدة في العالم، اختارت ان تسلم الشق المتعلق بالعرب والمسلمين في سياستها الخارجية الى ساسة ومستشارين يمينيين صهاينة مرتبطين باللوبي الصهيوني "ايباك" وبعشرات المنظمات ومراكز الابحاث الاميركية اليهودية. وقد ادى هذا الى قيام ادارة بوش بتبني سياسات الحكومة الاسرائيلية برئاسة مجرم الحرب ارييل شارون بحذافيرها في معظم الاحيان، من دون ان تجرؤ على، او ترغب في، توجيه اي انتقاد للجرائم الاسرائيلية المتزايدة همجيةً وبشاعةً ضد الشعب الفلسطيني. من هنا، فإنه عندما دفعت غطرسة القوة شارون الى المناداة اولاً بتجاهل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ثم بإبعاده بعد محاصرته في مقره في رام الله، قررت ادارة بوش تلبية طلب صديقها "رجل السلام" شارون على رغم ان عرفات هو القائد المنتخب ديموقراطياً للشعب الفلسطيني وهو الرجل الاقدر على اقناع شعبه بصفقة سلام عادلة مع اسرائيل. لا توجد سياسة خارجية اميركية تجاه العرب والمسلمين مطهرة من التأثير الصهيوني. وليس ادل على ذلك، مثلاً، من موقف واشنطن المتهاون جدا، بل المذعن، لشهوة اسرائيل للتوسع على حساب الفلسطينيين من خلال بناء جدار الفصل العنصري، باموال اميركية في التحليل النهائي. ان صورة اميركا بشعة لأنها اختارت دائماً التعامل مع مظاهر العنف بالبطش والظلم وزيادة تسليح اسرائيل ومعاضدتها عسكرياً ومالياً وسياسياً وليس بإزالة اسباب العنف. ان العرب والمسلمين يشعرون بالكراهية تجاه ادارة بوش لأنها تساعد اسرائيل في توطيد احتلالها لفلسطين التاريخية والجولان السوري ولانها تعمل على توطيد احتلالها للعراق والبقاء فيه مدة طويلة وارساء عقود "اعادة بنائه"، وهي التي دمرته اصلاً بالحرب والعقوبات والحرب الجوية الاطول في التاريخ، على شركات يرتبط بها عتاة "المحافظين الجدد". ليست اميركا بحاجة الى صرف مئات ملايين الدولارات على محطات اذاعية وتلفزيونية جديدة لمخاطبة العرب والمسلمين. يكفي ان تقتطع مبالغ مساوية من منحها وضمانات قروضها لاسرائيل من اجل حملها على تنفيذ قرارات مجلس الامن والانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967.