تشير القضايا الساخنة في المنطقة والمتصلة بفلسطين وسورية والعراقوإيران إلى أن القاسم المشترك فيها هو إسرائيل، وأن إسرائيل هى البادئة وهى التي تحرك الأحداث. وإذا كانت إسرائيل هى القاسم المشترك لكل هذه البؤر المتوترة في المنطقة، فإن العامل الآخر المكمل والمهم في تحليلنا هو الولاياتالمتحدة، إذ تشهد المنطقة بل والعالم كله لحظة نادرة تمكنت فيها الحركة الصهيونية، وجميع برامج اليمين المتطرف في المجتمعين الإسرائيلي والأميركي من التحالف، وبحيث أصبحت نتيجة هذا التحالف أن القوة الأميركية تعمل لتحقيق المشروع الصهيوني، بل أمسى من الصعب أن نتعرف على مصلحة أميركية حقيقية في هذا التحالف النادر. وهذه الحقيقة يجب أن تنقل إلى الناخب الأميركي، كما يجب أن تنقل إلى الشعب الإسرائيلي الذي تظهر الدراسات أن الفكر الشاروني جعله عرضة لكل المخاطر، وأهمها أنه محاط بزفرات الصدور الملتاعة من قسوة الظلم والقهر في العالمين العربي والإسلامي، وأن هذا القهر سيتحول في يوم قريب إلى مرجل يؤدي إلى إنفجار يساعد عليه إيريل شارون الذي أصبح يعتقد أنه يتحكم في مصير المنطقة مادام تمكن وضمن القرار الأميركي. وأظن أن التشتت بين القضايا السالف الإشارة إليها أو التركيز على إحداها من دون غيرها هو ترف لا يحتمله الظرف وخطورته، وإنما اعتقد أن التحليل يجب أن يتجه إلى عقلية شارون حتى يمكن أن نفهم مستقبل مغامراته وأثرها على المنطقة في ضوء الركائز الأساسية لفكره وخبرته التاريخية العسكرية والسياسية، ولا نظن أن ردود الأفعال في المنطقة العربية لتصرفات شارون يمكن أن تكون عاملاً حاسماً إلا بفهم دوافع الفعل حتى يمكن ترشيد رد الفعل، لأن التشخيص الدقيق للحالة، هو المدخل الصحيح لعلاجها أو التعامل معها. وفي ما يتعلق بسورية يختلف المحللون حول توقيت الغارة الإسرائيلية والرد السوري السياسي والديبلوماسي، وما تريده إسرائيل من سورية على وجه اليقين، وما إذا كانت الغارة ستتلوها عمليات أخرى أوسع، وتقدير إسرائيل للموقف الإقليمي، وكذلك التزامن والتنسيق بين الضغوط الأميركية التي شملت قانون محاسبة سورية وتأييد الموقف الإسرائيلي وإعاقة إدانة إسرائيل في مجلس الأمن في الوقت الذي استخدمت فيه واشنطن الفيتو يوم 14/10/2003 ضد مشروع القرار السوري الذي يطالب إسرائيل بوقف بناء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن تصاعد لهجة التهديد الإسرائيلية لسورية، وبل وللمنطقة كلها، وعلاقة ذلك على الجبهة السورية بالتسخين الإسرائيلي المتعمد لجبهة جنوبلبنان، رغم تقدم المفاوضات بين إسرائيل وحزب الله حول تبادل الأسرى من الجانبين، ثم علاقة ذلك أيضاً بالضغوط الأميركية المستمرة على إيران بسبب المسألة النووية سواء من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل مباشر، وما يرتبط بذلك من تهديد إسرائيل بضرب المفاعل الإيراني بصواريخ تحمل رؤوساً نووية لغواصات إشترتها الدولة العبرية من ألمانيا منذ سنوات، والتسريب المتعمد لقصة التسلح النووي الإسرائيلي الذي أصبح حقيقة واقعة. والحق أن كل هذه الأحداث تصدر عن فاعل واحد وهو إسرائيل في ظل الفكر الشاروني، وأهمية الكتابة في هذا الموضوع تقتصر على محاولة قراءة هذه الأحداث قراءة منطقية من خلال محاولة تقديم المنطق الشاروني الذي يحكم الفعل الإسرائيلي. فقد أوضح شارون في مذكراته التي نشرت باللغة العربية في بيروت العام 1992 وأكد خطوطها وملامح نظريته فيها بمواقفه وتصريحاته حتى الآن، والتي قمنا بتحليلها ومطابقة ما ورد بها وما لحقها من تصرفات شارونية، أن شارون يؤمن بأنه لا سلام مع العرب سوى سلام المقابر، وأن الأمن الإسرائيلي يعني القضاء على القدرات العسكرية والمواقف السياسية والثقافات المؤيدة للحق الفلسطيني أو المنتقدة لتصرفات إسرائيل ولمشروعها التوسعي الاستيطاني الاستعماري، وأن السبيل إلى تأمين إسرائيل هو القوة الإسرائيلية الضاربة، واستخدام هذه القوة من دون تردد، إذا كان التهديد بها لا يحقق الهدف تحقيقاً كاملاً. ويعتبر شارون أن قوة إسرائيل وحدها واستقلال قرارها، مهما كانت أهمية القوة الأميركية والدعم الأميركي، هى الأساس الذي لا يجوز التفريط فيه. ويحدد شارون موقع السلام من الأمن الإسرائيلي، فيؤكد أن السلام التعاقدي لا يحول دون وقوف إسرائيل في وجه برامج التسلح العربية، واعتبار السعي إلى حيازة الاسلحة جريمة يجب وقفها واعلان التوبة عنها، وأن هذا السلام التعاقدي لا يحقق أمن إسرائيل، إلا إذا وقفت قوتها الضاربة ضماناً لهذا السلام. وقد قلنا في مناسبات متعددة أن السلام العربي الإسرائيلي لن يتحقق بالمفهوم العربي الساذج لأن كلاً من الطرفين ينظر إلى وظيفة القوة وإلى مفهوم الأمن والسلام نظرة مختلفة إختلافاً لا نرى فيه إلتقاءً أو قاسماً مشتركاً بينهما، وحتى لو اعتقد العالم العربي جدلاً أن القوة العربية هى التي تحمي السلام العادل، فإن إسرائيل ستتصدى لهذه القوة حتى يظل السلام بين طرف قوي وأطراف ضعيفة. وتطبيقاً لهذه النظرية، فإن شارون سيلح بالتهديد على سورية في الوقت نفسه الذي تستمر فيه الضغوط الأميركية، وقد تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية، لأن إسرائيل تفترض أن أي رد سوري سيواجه بعمل إسرائيلي عسكري واسع في وقت تضمن فيه الدولة العبرية صمت الجبهة العربية ومساندة القوة الأميركية. ويبني شارون تصوره على أنه نجح في العام 1982 في غزو بيروت وربط إنسحاب إسرائيل من بيروت بإخراج المقاومة المسلحة الفلسطينية، فغيّر معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، والفلسطيني - الإسرائيلي، ولكن هذه التجربة لا تصلح في حالة سورية لأسباب متعددة، منها أن بيروت كانت قد وصلت الحرب الأهلية فيها إلى درجة معقدة، بحيث كان التحالف الإسرائيلي المسيحي ضد الفلسطينيين ممكناً، فمكن ذلك لشارون بسهولة وهذا لا ينطبق على سورية. يضاف إلى ذلك أن القوات الفلسطينية كانت تنزل بإسرائيل انطلاقاً من لبنان أفدح الخسائر، بينما سورية لم تحدث أي ضرر بإسرائيل، وظلت حتى الآن تحترم اتفاقيتي فض الاشتباك العام 1974، وحتى مساندتها السياسية والاعلامية للكفاح الفلسطيني لم يتبعها مساندة مادية، وأن مكاتب هذه الفصائل في الأراضي السورية تطوعت بالرحيل. وفي هذا الصدد فإن العالم العربي مطالب بأن يؤكد شرعية المقاومة الفلسطينية، حتى لا يجعل إيواء مكاتبها عملاً غير مشروع يبرر العدوان الإسرائيلي، وأن سكوت العالم العربي عن هذه القضية وميوعة موقفه يعد أساساً سلبياً خطيراً للموقف السوري. وقد لا يختلف الدعم الأميركي كثيراً عندما قامت إسرائيل بغزو بيروت 1982، إذا قررت مهاجمة سوريا الآن، ولكن الجديد والحاسم، هو أن العالم العربي كله يغلي ضد الولاياتالمتحدة بسبب مواقفها في العراق وفي فلسطين، وأن الحركات الشعبية العربية تفجر الموقف ضد السياسات الرسمية المتهاونة واللينة إزاء افتراض الغزو سواء كان أمريكياً أو إسرائيلياً. وإذا كان غزو إسرائيل لبيروت قد انتج بعد ذلك حزب الله والمقاومة اللبنانية التي أذلت إسرائيل في جنوبلبنان، فإن مقامرة غزو سورية قد تفجر المنطقة العربية وتنتج مقاومةً ضد النظم العربية المتهاونة من ناحية، وضد إسرائيل والولاياتالمتحدة من ناحية أخرى. ومن الخطأ الفادح أن تعتمد واشنطن على تحليل إسرائيل للوضع في المنطقة، فتصور لها غزو سوريا مخرجاً من ورطة العراق، لأن الولاياتالمتحدة لن تخرج سليمة من العراق، فإذا أضافت إليه سورية، فإن الضرر الأميركي، ستدفع ثمنه إسرائيل واليهود الأميركيون والشعب الأميركي الذي بدء يدرك المؤامرة. ولا شك لدينا في أن شارون يريد ايضاً ضرب المفاعل النووي الإيراني، وربما يستحضر في هذا المقام نظريته التي تؤكد أن التسلح النووي من جانب نظام إسلامي يتوجه اعلامياً بشكل مضاد لإسرائيل حتى لو لم يكن ذلك جدياً، واستحضاراً لخبرة ضرب المفاعل النووي العراقي العام 1981، فإننا نريد أن ننبه شارون إلى الفارق الهائل بين الحالتين العراقيةوالإيرانية، ويتحصل هذا الفارق في أن العراق العام 1981، رغم أنه كان يحارب معركة الولاياتالمتحدة ضد النظام الإسلامي في إيران، إلا أنه لم يتمكن من الرد على إسرائيل في ذلك الوقت، لأن إسرائيل تدرك تماماً مدى تبعية هذا النظام للولايات المتحدة وانشغاله بحرب طاحنة مع إيران، وخوفه من فتح الجبهة مع إسرائيل بما لها من تداعيات على تبديد حلم صدام حسين في ان ينصب أميراً للمنطقة العربية في طهران. أما ضرب المفاعل الإيراني، فإنه قد يؤدي إلى رد إيراني لا نعلم خطورته وحجمه ضد إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك فإن حجم إيران ومكانتها وتسليحها ومساندة العالم الإسلامي كله لها، واقتناعه بعدالة قضيتها، وما يشعر به من حنق على السياسات الأميركية والإسرائيلية، يجب أن يجعل حسابات شارون الإيرانية أكثر جدية. ولكنني في هذا المقام أريد أن أنصح الإيرانيين بان يبتعدوا عن الإثارة الإعلامية غير الضرورية، وأن يعلموا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هى مجرد أداة أميركية. وخلاصة القول، إن نظرية شارون في إستخدام القوة لترتيب أوضاع سياسية أو تسويات انتقالية والتي نجحت في الماضي، خاصة في العراقوبيروت عامي 1981، 1982 ستجر نتائج بالغة الخطر على إسرائيل والولاياتالمتحدة إذا قام شارون بتكرارها في سورية وإيران بالنظر إلى العوامل المرتبطة بهذين النموذجين وعدم قابلية النظرية الشارونية لأن تطبق بشكل أعمى دون مراعاة لظروف الحالتين. وهو في كل الأحوال يضر ضرراً بليغاً بالمصالح الأميركية، كما يضر بفرص الرئيس بوش أمام الناخب الأميركي الذي لا يزال يتوعد الرئيس بسبب مغامراته غير المحسوبة في أفغانستانوالعراقوفلسطين والتي جعلت إسرائيل عبئاً كاملاً ليس فقط على دافع الضرائب الأميركي وإنما على مكانة الولاياتالمتحدة وقيمها في العالم. * كاتب مصري.