أنهت أسواق المال الأميركية الفصول الثلاثة الأولى من السنة بتحقيق مكاسب قوية، أقله بالمقارنة مع خسائرها الثقيلة في الأعوام الثلاثة الماضية، الا أنها فشلت في اغراء الاستثمارات الدولية التي انحسرت تدفقاتها بشكل حاد على رغم الانخفاض الأكثر حدة الذي سجلته أسعار صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية، لا سيما العملة الأوروبية الموحدة اليورو في الفترة نفسها وكان يُفترض أن يجعل أسعار الأسهم الأميركية أقل كلفة. مع اقفاله عند مستوى 996 نقطة نهاية جلسة التداول اول من أمس، اليوم الأخير من الفصل الثالث أظهر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أن أسواق المال قدمت أفضل أداء لها منذ انفجار فقاعة التكنولوجيا بداية ربيع عام ألفين، إذ بلغ متوسط المكاسب التي حققتها أسهم الشركات الأميركية ال500 الكبرى منذ بداية السنة الجارية أكثر من 13 في المئة بقليل وهي مكاسب ضخمة تصل قيمتها السوقية الى 1.2 تريليون دولار. ويشكل هذا المؤشر 80 في المئة من اجمالي الأسهم الأميركية المتداولة في وول ستريت. واقفل مؤشر "داو جونز"، الذي يحمل على كتفيه العريضين أسهم 30 شركة أميركية عملاقة تشكل قيمتها السوقية نحو 30 في المئة من القيمة الاجمالية لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، عند مستوى 9275 نقطة محققاً بذلك مكاسب كبيرة ناهز معدلها 11 في المئة من متوسط أسعار أسهمه. وانفرد مؤشر التكنولوجيا "ناسداك المجمع"، الذي أقفل عند مستوى 1787 نقطة، برقم قياسي من المكاسب 33.7 في المئة وان كانت قيمته الراهنة لا تعكس سوى جزء يسير من مكانته الخرافية قبل انفجار فقاعته. وكان يمكن لمكاسب المؤشرات الثلاثة أن تكون أكبر بكثير مما تحقق فعلياً لولا التراجعات الحادة التي سجلتها في الأيام القليلة الماضية وعزاها قسم التحليلات الاقتصادية التابع لمؤسسة "ستاندرد آند بورز" الى البيانات الاقتصادية السلبية، خصوصاً انخفاض مؤشر ثقة المستهلك الى أدنى مستوى له منذ آذار مارس الماضي بسبب أزمة البطالة علاوة على ظهور متاعب مقلقة لدى عدد من شركات التكنولوجيا في مقدمها "صن مايكرو سيستمز". وفي تطور مثير تكبدت المؤشرات خسائر ضخمة في بداية جلسة تداول أول من أمس ثم استعادت بعض عافيتها مع تقدم النهار ولأسباب أرجعها المحللون في المؤسسة المذكورة الى انتعاش الدولار، وسط اشاعات تحدثت عن تدخل مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي لدعم سعر صرفه مقابل الين الياباني واستئناف اليابان مساعيها في هذا الاتجاه وان كان تعافي المؤشرات لم يستمر طويلا. واختلف أثر العملة كليا بالنسبة للاستثمارات الدولية اذ كشف أحدث تقرير لوزارة الخزانة الأميركية أن المستثمرين الدوليين الذين تخلصوا من كميات ضخمة من الأسهم الأميركية في الشهرين الأولين من السنة استعادوا لاحقاً بعض حماستهم بل تملكوا ما قيمته 10.3 بليون دولار من هذه الأسهم في حزيران يونيو الماضي وهو رقم قياسي من دون سابقة منذ منتصف العام الماضي. ولاحظ كثير من المراقبين أن المستثمر الدولي أراد الاستفادة من انخفاض أسعار صرف الدولار والمكاسب التي حققتها المؤشرات في حينها. وحتى بداية الشهر الماضي انخفض متوسط سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية السبع خصوصاً اليورو والدولار الكندي بنسبة 16.6 في المئة منذ الذروة في شباط فبراير عام 2002، وحدث الجزء الأعظم من هذا الانخفاض الحاد في الفصل الأول وفي درجة أكبر الفصل الثاني من السنة الجارية وهي الفترة التي حققت فيها مؤشرات الأسهم جل مكاسبها. يُشار الى أن سعر صرف الدولار انتعش بشكل موقت في الآونة الأخيرة. إلا أن الدولار ومكاسب المؤشرات فشلا في الاحتفاظ بحماسة المستثمر الدولي اذ بلغت القيمة الاجمالية لما تملكه من الأسهم الأميركية في الشهور السبعة الأولى من السنة 11.4 بليون دولار فقط بالمقارنة مع 39 بليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي و88 بليون دولار في الفترة نفسها من عام 2001 وزهاء 100 بليون دولار في الفترة نفسها من عام ألفين، علماً بأن أعوام المقارنة الثلاثة كانت كارثية في وول ستريت. ويعتقد كثير من المحللين أن مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية ستستمر في التذبذب في النصف الأول من الشهر الجاري ثم تستعيد قوتها لتنهي العام بمكاسب محترم،ة لكنهم لا يخفون قلقهم مما يمكن أن تثيره الآثار السلبية للعجز المتفاقم في الحساب الجاري والموازنة المالية الأميركيين من مخاوف لدى المستثمرين الدوليين.