لمسة وفاء من أبناء جازان.. عبدالعزيز بن علي الهويدي    لتمويل وحدات سكنية لمشروعها "ليفن ليوان"..البنك العربي يوقع اتفاقة مع « ليوان للتطوير العقاري»    الأمم المتحدة : 100 ألف شخص فروا من لبنان باتجاه سوريا    الاتحاد الأوروبي يقدم 10 ملايين يورو مساعدات إنسانية للمتضررين في لبنان    منسقة الأمم المتحدة : دعوات وقف إطلاق النار تظل دون استجابة في لبنان    الطلاب يتوافدون على معرض الرياض الدولي للكتاب    د عبدالله الفوزان: المدارس والجامعات هي المصانع للحياة العلمية الواقعية    استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    رابطة العالم الإسلامي تُشِيدُ بتقديم المملكة مُساعدات طبِّيَّة وإغاثيّة للشَّعب اللبناني    العنف المبني على النوع الاجتماعي كيف نواجهه؟    سراة عبيدة تحتفل وتتغنى باليوم الوطني    السعودية تؤكد ضرورة الحفاظ على لبنان وتدعو جميع الأطراف لضبط النفس    الأمم المتحدة تشيد بالجهود الإنسانية للمملكة في تخفيف معاناة المتضررين في العالم    «ناديا».. روبوت محترف في إنجاز المهام    آيفون ثلاثي الطي في الطريق قريباً    منتخب التايكوندو الشاب يخوض الصراع العالمي    الأخضر السعودي الشاب يتأهّل لنهائيات كأس آسيا 2025    في الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي في ضيافة الوصل.. والنصر يستقبل الريان    نفى أي نية لإلغاء البطولة.. الفيفا يعلن تفاصيل مونديال الأندية 2025    ضمن الجولة الخامسة من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والعدالة.. والجبلين يستقبل الزلفي    توطين الحلول الذكية للعمليات التعدينية    «الموارد»: اعتماد قواعد لائحتي المنشآت والبرامج الاجتماعية والمهنية لذوي الإعاقة    «تراضي»: إصدار 370 ألف وثيقة صلح.. وعقد أكثر من مليوني جلسة    «التعليم»: بدء استقبال طلبات نقل معلمي الظروف الخاصة.. غداً    توصيل الطلبات.. والمطلوب من مرور جدة    مركز إدارة الحي    الموارد البشرية تعتمد لائحتي المنشآت الاجتماعية لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة    إطلاق جائزة المحتوى المحلي    المملكة.. تحالف لنصرة فلسطين    الأوركسترا السعودية تختتم روائعها في لندن وتستعد للانطلاق إلى طوكيو    أحمد عطية الأثري.. قاضي الكويت.. الشاعر والخطاط والرسام    الغنام يدشن معرض «وطن يسكن القلوب» بمكة    يكفيك أن يصفق لك أحدهم بيديه    رحلة غامرة عبر الزمن.. «لحظات العُلا» تطرح تذاكر مهرجان الممالك القديمة    محافظ الطائف يطلع على برامج المدينة الصحية    الزهراني مستشاراً لجمعية الإعلام السياحي    أسبوع عمل من أربعة أيام    علِّموا الأبناء قيَّم الاحترام والامتنان    الصداقة    تشغيل غرفة للعمليات جراحية بمركز العويضة للقدم السكرية ببريدة    تغريم 3 شركات طيران خالفت نظام المراقبة الصحية في منافذ الدخول    «الصحة» ل«عكاظ»: الاستقرار الوظيفي وحماية الحقوق يشملان موظفي البنود    اكتشاف خلايا خفية تساعد في التئام الجروح    الامتيازات التنافسية لمياه الشرب المستوردة    برئاسة المملكة.. القاهرة تستضيف اجتماعات محافظي المصارف العربية    «نحلم ونحقق».. أيقونة وطن!    لجنة عاجلة لكشف ملابسات الازدحام في أحد مقرات «الشؤون الإسلامية» بالرياض    فبركة مقاطع الذكاء الاصطناعي !    اللبننة مجدداً.. أو الفوضى الخلاقة!    الشباب يتغلّب على الرائد بهدفين في دوري روشن للمحترفين    جندلة    حزين يا صديقي أكثر من اللازم !    الأمير سعود بن نهار يطلع على رزنامة احتفال تعليم الطائف باليوم الوطني ال94    أطفال ينثرون الفن والشعر احتفاء بيوم الوطن أمام محافظ القطيف    محافظ الأحساء يشدد على سرعة إنجاز الخدمات للمستفيدين    أمير الشرقية يتسلم تقرير اليوم الوطني    سمو نائب وزير الحرس الوطني يستقبل الكاتب والمستشار الاعلامي محمد ناصر الأسمري    الزواج التقليدي أو عن حب.. أيهما يدوم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة المواجهة مع الغرب
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2003

العالم العربي يعيش هذه الأيام حال مواجهة مع الولايات المتحدة. وهي مواجهة تنبئ بأن تكون دامية للجانب العربي. السؤال الذي ينبغي مواجهته حقاً هو: هل هي مواجهة بين الغرب والحكومات العربية؟ أم بين الغرب والشعوب العربية؟ أم الغرب في مواجهة الثقافة العربية؟ أم أنها مواجهة بين الغرب من ناحية، والجميع من ناحية أخرى. الحكومات والشعوب والثقافة؟ عندما تمعن النظر تجد أن السؤال مربك. وأن هذا الإرتباك هو المصدر الأساسي للإشكال الذي ما فتئ العالم العربي يعيشه منذ أول مواجهة مع الغرب في القرن التاسع عشر. صيغة المواجهة الشاملة مع الغرب هي الصيغة المفضلة للحكومات. وكانت كذلك منذ البداية. هذه الصيغة تشكل مصدراً مزدوجاً لقوتها السياسية: تستخدم إمتعاض أو غضب الناس من عدوانية الغرب تجاه المسلمين ومصالحهم غطاء لقبولها وشعبيتها أمام الدول الغربية. وتحديداً الولايات المتحدة هذه الأيام. وهو الأمر نفسه الذي يحاول النظام العراقي هذه الأيام توظيفه في مواجهة التهديدات الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية له. من ناحية أخرى تستخدم الحكومات العربية الموقف الإمبريالي الغربي لإستنهاض شعوبها للإلتفاف حولها لمواجهة هذا الخطر المحدق. هذه لعبة سياسية واضحة. أو يفترض أنها كذلك. هل يعرف الغرب هذا؟ لا شك في أن الغرب يدرك طبيعة اللعبة. لكنه يدرك أن هناك حواجز تفصله عن الشعوب وتطلعاتها. من ذلك حواجز سياسية تتعلق بأطماعه ومصالحه في المنطقة. وحواجز ثقافية ودينية. وهي حواجز لا سبيل له إلى تذليلها إلا عن طريق الحكومات.
حدث هذه الأيام، وفي الحملات الإعلامية الأميركية ما يؤكد إدراك الغرب لطبيعة اللعبة. وذهب في ذلك إلى مدى أبعد مما كان عليه الأمر قبل ذلك. الكثير من كتاب الأعمدة والمقالات في أهم الصحف الأميركية مثلاً أصبحوا يقولون للشعوب العربية الآن وبشكل مباشر أن حكوماتهم تختفي وراء إمبريالية الغرب لتبرير ما هم عليه من أوضاع إقتصادية وسياسية مزرية. في حين أن السبب وراء ذلك يكمن في إستبداد هذه الحكومات وفشل برامجها التنموية.
من الواضح أن موقف الحكومات العربية وموقف الغرب من السؤال، وموقفهما داخل اللعبة التي إنبثقت منه، تستند إلى إعتبارات سياسية محضة، وأن مصالحهما تقتضي بالضرورة إختزال اللعبة في جانبها السياسي المتعلق بالمواجهة، الأمر الذي سمح لكل منهما التكيف مع ظروف المواجهة وما تفرضه مستجداتها في كل مرة تشتد فيها درجة هذه المواجهة. لكن هل تدرك الشعوب العربية طبيعة اللعبة, وماهية السؤال؟ خلال أكثر من قرن من المواجهة مع الغرب هناك ما يؤكد أن الشعوب تدرك طبيعة اللعبة الدائرة. لكنها تتنكر لطبيعة السؤال الذي نبعت منه اللعبة. كيف؟ لاحظ مثلاً أن الشعوب تعرف الطبيعة الإستبدادية لحكوماتها، وتعرف دعم الغرب لها. هي تقول بذلك, خصوصاً على لسان مثقفيها وفقهائها أحياناً. لكنها في كل مرة تشتد المواجهة مع الغرب تتغاضى عن ذلك وتصطف إلى جانب الحكومات ذاتها. هل يعبر هذا عن حس وطني؟ نعم بالتأكيد. لكن الغريب أنه متى تهدأ المواجهة، وعلى مدى أكثر من قرن، لا يتحول هذا الحس إلى قوة سياسية في الداخل تحد من الإستبداد وتخلق أساساً داخلياً ودائماً للإصطفاف إلى جانب الحكومات. هذا على رغم أن العرب كانوا الطرف الخاسر في كل مواجهة حدثت مع الغرب. وهذا في حد ذاته يشير بشكل واضح إلى أن الشعوب لا ترى في هذه المواجهات إلا بعدها السياسي الخارجي المتمثل بالإمبريالية وما ينطوي عليه من أطماع.
تدرك الشعوب البعد السياسي الداخلي ودوره في ما إنتهت إليه المواجهة كل مرة. لكنها لا ترى بشكل خاص البعد الثقافي لسؤال المواجهة: هل هي مواجهة مع الحكومات؟ أم مع الشعوب؟ أم مع الثقافة؟ إذا كانت المواجهة هي كل ذلك، وإذا كانت تنتهي كل مرة بهزيمة عربية، فإن هذا يعني أن الخلل يتجاوز البعد السياسي الخارجي وما يرتبط به من أطماع وتوجهات إمبريالية ليمتد ويشمل الأبعاد الثقافية والدينية والسياسية في الداخل. المواجهة الحالية على أرضية الحال العراقية تكشف بجلاء هذا المأزق العربي المزمن. الوقوف مع الولايات المتحدة في هذه المواجهة ليس أخلاقياً. لكن الوقوف مع النظام العراقي ليس أخلاقياً أيضاً. هناك شبه إجماع على الأولى. لكن ليس هناك إجماع على الثانية. وهذا يعتبر تطوراً لأن درجة سؤ النظام العراقي تسمح بمناوئته حتى في حال المواجهة مع دولة غربية منحازة بشكل سافر مع إسرائيل. بشرط ألا يترجم ذلك إلى دعم للمخطط الأميركي. حتى من يريدون أن يكونوا إعتذاريين عن النظام العراقي وهم قلة يتخّفون وراء مأساة الشعب العراقي, وهي مأساة حقيقية.
مأزق النظام العراقي لا يقل سوءاً، بل إنه الأسوأ. وهو مأزق معبر جداً ليس فقط عن الحال العراقية، بل عما يمكن أن تؤول إليه الحال العربية. تخلى النظام عن لغة العنتريات والتحدي التي إعتاد عليها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. لم يعد في وسعه إلا أحد أمرين: تقديم التنازلات أمام الضغوط الأميركية، ومناشدة العالم شعوباً وحكومات الحد من التوجهات العدوانية للولايات المتحدة. هنا يبرز السؤال الذي يعنينا: لماذا لا يلتحم النظام مع الشعب لمواجهة الولايات المتحدة؟ كلاهما ضحية للعدوان والحصار الأميركيين. أو هكذا يصور الإعلام العراقي الموقف داخل العراق. هذا السؤال يكشف بشكل مؤلم وخطير مأساة العراق، ومأساة العالم العربي هذه الأيام. إنتهى الأمر بالقيادة العراقية أنها تبحث عن مخرج. لكنها في بحثها هذا تتجه إلى سراب الخارج. لماذا لا تتجه إلى الداخل وتلتحم مع الشعب؟ هي تدرك أن هذا ليس في وسعها. لأن فيه من الخطورة عليها ما لا يقل عن خطورة الهجوم الأميركي. وهذا يختصر مسيرة النظام مع الشعب. سؤال المواجهة مع الغرب لم يعد بالنسبة الى الشعب العراقي هو السؤال نفسه بصيغته العربية، كما عرضناه. الشعب يرفض الأمبريالية الأميركية. لكنه يرفض النظام أيضاً. فسياسات النظام هي التي جاءت بالإمبريالية الأميركية إلى حدود وأبواب العراق. هذا هو موقف الشعب منذ نهاية حرب الخليج الثانية.
لم يحدث أن ثار شعب عربي على نظامه بعد هزيمة هذا النظام هزيمة قاسية. وعلى يد من؟ الجيش الأميركي. إنتفاضة في تلك الظروف كانت معبرة بشكل سافر. لكن النظام تعامى عن ذلك، وركن إلى طبيعته الأولى. وها هو الزمن يضعه الآن أمام خيار هو الأسوأ في كل الأحوال. بقاء النظام هو المستهدف هذه المرة. والشعب العراقي يلوذ بصمت مخيف. الكل يتحدث. يتظاهر. يحتج أو يؤيد. إلا الشعب العراقي لا يعبر عن موقف واضح. والنظام لا يريد كما يبدو، وكما هي عادة الأنظمة العربية، أن يعرف هذا الموقف. وهو الخيار الأسوأ لأن سياسات النظام هي التي أضعفته وأضعفت الشعب معه حتى لا يبدو وارداً إلتقاؤهما لمواجهة العدوان.
هكذا إستقرت إشكالية المواجهة مع الغرب في الحال العراقية. إستقرت، إلا أنها بقيت من دون حل واضح. حتى موقف المعارضة العراقية لا ينطوي كما يبدو على شيئ من هذا الحل. إذا كان هناك شيئ تقوله هذه الحال فهو أن الهزائم العربية المتكررة مع كل مواجهة دليل على ضعف خطير في الداخل. ومن ثم فإن الإجابة على سؤال المواجهة يجب بالضرورة أن تبدأ من الداخل أولاً. وثانياً أن العلاقة مع الغرب أوسع من مجرد مواجهة. هي: حوار وتثاقف. وتعاون وتبادل. وصراع. هي كل ذلك. إختزال الأمر في المواجهة. وإختزال المواجهة في بعدها السياسي الخارجي سمح للحكومات العربية بتجيير علاقتنا مع الغرب لمصالحها السياسية الضيقة. وفي الوقت نفسه أبقى على الضعف العربي، بما في ذلك ضعف الحكومات، على جبهة المواجهة.
توظيف الحكومات العربية للموقف الشعبي في المواجهة مع الغرب يدل الى أنها تدرك أهمية الدعم الشعبي كركيزة لموقفها السياسي. إلا أنها في الوقت نفسه ترفض أن يكون هذا الدعم مرتكزاً أساسياً لحكمها في الداخل. في هذا تناقض واضح. يقابله تناقض الموقف الشعبي في رفضه لإستبداد الحكومات، ووقوفه إلى جانبها لحظة تحتد المواجهة مع الغرب. لماذا لا يكون الوقوف مرتبطاً بثمن سياسي في الداخل؟ ربما أن هذه رغبة لدى الجميع. لكن أين هو الإطار؟ وأين هي الآلية لتحويله إلى واقع سياسي ملموس؟ الإطار والهدف هو الإصلاح السياسي. لكن كيف؟ يقول الكاتب المغربي عبدالله العروي: في الظاهر تبدو الحكومات والشعوب متفقة على مطلب الإصلاح في مواجهة الغرب، لكن الإصلاح بالنسبة الى الحكومات يعني المزيد من سلطاتها. أما بالنسبة الى الشعوب فيعني عكس ذلك. بقي الأمر كذلك من دون حل. لماذا؟ يعود السبب، حسب العروي، إلى أن سر الدولة بقي في الثقافة العربية محجوباً. الجميع متعلق حيناً بطوبى "الخلافة" وحيناً بطوبى الإمارة الشرعية. وفي كلاهما بقيت الثقافة تتحدث عن الدولة كما يجب أن تكون، وليس كما هي على أرض الواقع. ما علاقة هذا بحقيقة المواجهة مع الغرب؟ عندما ينشغل العرب ببناء الدولة, وليس "الإمارة" أو "الخلافة". ستكون المواجهة مع الغرب نقطة من نقاط الإنطلاق وليست إشكالية تستهلك من الجميع ما إستهلكته من عقود وقرون من الزمن.
في المواجهة الحالية مع الغرب أخذ هذا الأخير يعمل على فرض الإصلاحات بالقوة. كانت البداية مع الفلسطينيين. ثم ها هي الولايات المتحدة تقول عنوة أنها تريد تغيير النظام في العراق بالقوة. وتبع ذلك إعلان المبادرة الديموقراطية من جانب وزير الخارجية الأميركي كولن باول. هل هذه بداية لمرحلة جديدة من المواجهة مع الغرب؟ والسؤال الأهم هنا هو: لماذا تتلكأ الحكومات العربية في موضوع الإصلاح؟ هل من مصلحتها أن يفرض هذا الإصلاح من الخارج؟ السؤال ليس جديداً، بل قديم قدم المواجهة نفسها. أو لحقيقة الأخرى أن السؤال ظل بعيداً عن المواجهة في الداخل العربي حتى الآن.
* كاتب سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.