قبل شروعه أمس في جولة تشمل سورية ومصر والأردن والسعودية، أطلق رئيس الوزراء التركي عبدالله غل رسالة تحذير صارخة. قال: "العراق مثل صندوق باندورا الذي إذا فتحته فتحت أبواب الجحيم… هذا الصندوق يجب ألاّ يفتح. والعراق يجب ألا تقطع أوصاله لأنه لن يكون من الممكن إعادة كل شيء إلى ما كان عليه داخل الصندوق مرة أخرى". وبدا واضحاً من كلامه أن بلاده تشارك عدداً من دول المنطقة تخوفها من أن تكون الحرب على نظام الرئيس صدام حسين الطلقة الأولى في سلسلة من الحروب داخل العراق بين القوميات والمذاهب، يمكن أن تختلط بحروب اقليمية مباشرة أو بالواسطة على العراق نفسه، فضلاً عن الصدى المتوقع لهذه الحروب خارج الخريطة العراقية. وضع غل جولته تحت عنوان السعي إلى منع الحرب. وهي حرب لا تريدها دول المنطقة، خصوصاً تلك التي تشملها جولته. لكن كل هذه الدول تقر منفردة بعجزها عن وقف قطار الحرب الذي بدأت عجلاته بالدوران. إنها غير مستعدة أو راغبة في المشاركة في الحرب، وغير مستعدة أو راغبة في معارضة الحرب إلى حد تهديد علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. من هنا تبدو جولة غل وكأنها محاولة لتوفير غطاء اقليمي لتحرك يمنع الحرب ولكن عن طريق ضمان تحقيق أول أهدافها وهو قيام "عراق بلا صدام". وهي محاولة بالغة الصعوبة قد تنتهي بغسل الأيدي من المصير العراقي وربما بحجز مقعد في القطار. عشية جولة غل تسارعت الاشارات. واحدة من تركيا ذاتها، اعتبرت أن الحل قد يأتي من سلوك صدام طريق المنفى. وتزامنت مع اشارة من واشنطن تنصح صدام بسلوك هذا الطريق. وجاءت الثالثة من الرئيس جورج بوش نفسه حين اعتبر الحرب خياراً أخيراً، مؤكداً أن الولاياتالمتحدة ستقاتل وتنتصر، إذا تعذر حل الأزمة سلماً. يعرف غل ما يعرفه معظم قادة المنطقة، وهو أن أميركا تملك القدرة الكافية على إطاحة نظام صدام، ولكن لا أحد يستطيع ضمان عدم انفجار التركيبة العراقية نفسها. ويعرف أن أكراد العراق لن يضيعوا فرصة تاريخية لاستعادة كركوك، وان المؤسسة العسكرية التركية لن تقبل بأقل من اسقاط الدويلة الكردية، أي دخول مسرح الحرب. ومثل هذا السقوط للتوازنات في المثلث التركي - العراقي - الإيراني ينذر بقيام دويلة أمر واقع في جنوبالعراق، برعاية إيرانية. وفي مثل هذه الحال سيكون صعباً ضبط الشظايا داخل مسرح الحرب الأولى. يصطدم سيناريو منع فتح "أبواب الجحيم" بحقيقة مفادها تعذر انقاذ العراق ورئيسه معاً، خصوصاً بعدما اعتبر بوش أن النظام العراقي الحالي يشكل تهديداً لبلاده. ويصعب الاعتقاد بأن إدارة بوش قادرة على التعايش مجدداً مع نظام صدام، بعدما جعلت اسقاطه هدفاً كبيراً لتأكيد نجاح الحرب على الإرهاب التي باتت تتضمن أيضاً الحرب على ترسانات أسلحة الدمار الشامل الموجودة في عهدة "النظام الأكثر شراً" في "محور الشر". يصعب منع الحرب وانقاذ العراق مع بقاء رئيسه، لذلك تبدو جولة غل أمام عقدة بالغة الصعوبة، هي من يملك القدرة على اقناع صدام بأن انقاذ العراق من تقطيع الأوصال يستحق تجرع سم المنفى، ولا شيء يدعو إلى الاعتقاد بأن الرئيس العراقي سيكون راغباً في تقريب هذه الكأس من شفتيه، وربما يفضل الذهاب إلى التاريخ حاملاً ركام نظامه وبلده، تاركاً المنطقة في عهدة "أبواب الجحيم" المفتوحة. لكن جولة غل ستطلق بالتأكيد محاولة لمنع الحرب عن طريق تحقيق هدفها، وهو قيام عراق بلا صدام. ومرة جديدة يعود القرار الكبير والخطير إلى يد رجل راهن دائماً على قدرته على النجاة من الأخطار. وفشل محاولة غل سيعطي دول المنطقة فرصة القول إنها حاولت انقاذ العراق، ولكن ما كتب قد كتب.