بعد أشهر من متابعة حملة الانتخابات الإسرائيلية، وحتى الاقتراع اليوم، لا أجد ما أصف به المرشحين ومواقفهم سوى المثل المعروف: الجنازة حامية... آرييل شارون مجرم حرب، وعمرام متسناع معقول، إلا ان الأول سيكسب والثاني سيخسر، وهذا ما كان الوضع عليه عند بدء الحملة، بحسب استطلاعات الرأي العام، وهذا ما انتهت إليه الاستطلاعات في اليوم الأخير. في إسرائيل الانتخابات نسبية وكذلك الفوز والخسارة، فالأرجح ان ليكود سيفوز بأكبر عدد من المقاعد، إلا ان هذا العدد لن يتجاوز نصف الغالبية المطلوبة للحكم في الكنيست الذي يتألف من 120 مقعداً. وفي حين كان ينتظر ان يفوز ليكود بحوالى 40 مقعداً في بدء الحملة، فإنها انتهت وقد هبط الرقم الى 30- 32 مقعداً. وطلع العمل وهبط من اسبوع الى آخر، وانتهى امس في حدود 20 مقعداً، ووراءه مباشرة حزب الوسط شينوي الذي يتوقع ان ينال 15 مقعداً، وبعده شاس 11 مقعداً، وميريتس ثمانية مقاعد. ليكود والعمل وشينوي تستطيع ان تشكل حكومة ائتلافية، إلا ان العمل اعلن انه لن يدخل حكومة وحدة وطنية مع ليكود، في حين ان شينوي يرفض دخول اي حكومة مع الأحزاب الدينية، مثل شاس. الواقع انه لولا شينوي، وتعني التغيير، ورئيسه تومي لابيد لما كان في الحملة الانتخابية ما يستحق المتابعة. لابيد، وهو مهاجر من يوغوسلافيا، كسب شهرته بالحرب التي يخوضها منذ سنوات ضد الأحزاب الدينية، وشعار حزبه "حرية دين، وحرية من الدين". فالحزب علماني جداً يعتبر الأحزاب الدينية مافيا تطلب فوائد اجتماعية من دون مسؤولية مقابلة، فهناك حوالى 100 ألف طالب دين يتلقى كل منهم مرتباً شهرياً لمساعدته بين 40 دولاراً و60 دولاراً، مع انهم لا يخدمون في الجيش كبقية الإسرائيليين. ويبدو ان هؤلاء الإسرائيليين غاضبون مثل لابيد، وهم يرون طلاب الدين يلتزمون سياسة متطرفة، ثم يتوقعون من بقية الإسرائيليين ان يموتوا دفاعاً عنها. لذلك اظهرت الاستطلاعات ان شينوي، سيزيد حصته في الكنيست من ستة مقاعد الى 15 مقعداً، ما يجعله صاحب التأثير الأكبر في تشكيل الحكومة المقبلة. وفي حين ان شينوي خاض حملته ضد الفساد وضد الأحزاب الدينية، فإن هناك معلومات عن موقف الحزب ورئيسه من النزاع مع الفلسطينيين ونوع الحل الذي يسعى إليه. لابيد كان يطالب بضم الضفة الغربية، إلا انه اصبح الآن يقول ان دولة فلسطينية ستقوم، ولكن ليس بسرعة، كما يؤيد تفكيك معظم المستوطنات. وهو لم يتبرع بموقف واضح او قوي من الفلسطينيين، إلا انه قال رداً على سؤال في مقابلة صحافية: "ستقوم دولة فلسطينية شرط التخلي عن حق العودة". وهو لا يقبل عودة مجرد مئة ألف لاجئ، لأنه يخشى ان تكون عودتهم مقدمة تفقد اسرائيل بعدها يهوديتها. ولابيد يعتقد ان القدس يجب ان تصبح "مرآة التعايش"، ويؤيد ان يترك الفلسطينيون فيها لإدارة شؤونهم بأنفسهم، إلا انه يرفض تقسيم المدينة. وقد اعلن لابيد غير مرة انه يرفض التفاوض مع ياسر عرفات، ويعتبر انه لا يريد السلام مع اسرائيل، كما انه لا يقاوم "الإرهاب". كسْب شينوي، هو خسارة للعمل، فالإسرائيلي الذي قرر التخلي عن ليكود لا ينتقل الى اليسار مرة واحدة، وإنما يتحول الى الوسط. وجاء وقت ترنَّح فيه ليكود تحت وطأة فضيحة اختيار لجنته المركزية المرشحين للانتخابات في الثامن من الشهر الماضي، ثم انفجار فضيحة شارون وولديه وقرض بمبلغ 5،1 مليون دولار في السابع من هذا الشهر، إلا ان الأسابيع اللاحقة جعلت الناخبين ينسون الفضيحتين، وهم يرون العمل يرتكب الخطأ بعد الخطأ، حتى ان بعض المعلقين كتب ان الحزب قرر الانتحار السياسي. العمل ترك الحكومة بسبب موازنة 2003، غير انه خلال حملة الانتخابات لم يجعل من الاقتصاد قضية رئيسية، مع ان بنك اسرائيل يقول ان سنة 2002 كانت أسوأ سنة للاقتصاد الإسرائيلي منذ سنة 1953، وقد ارتفعت البطالة الى 5،10 في المئة او 270 ألفاً من القوة العاملة. وفي حين ان الناخب الإسرائيلي يعارض الأداء الاقتصادي لحكومة شارون، فإنه يؤيد اجراءاتها الأمنية. وهنا فشل حزب العمل مرة اخرى، فالأمن على مدى سنتين تقريباً كان في يد وزير الدفاع بنيامين بن أليعيزر، الذي خطط عملية "الدرع الدفاعي"، غير ان شارون ادعى الأمن لنفسه، وتجنب الاقتصاد المتداعي، ولم يستطع حزب العمل ان يستفيد من احدى القضيتين. بل ان الخلاف المشهور بين شارون وبنيامين نتانياهو طوي، والمجرمان هذان يتعانقان امام الناخبين على رغم ما بينهما من خصومة وتنافس، في حين بدا حزب العمل منقسماً على نفسه بين متسناع وبن أليعيزر، ثم دخول شمعون بيريز الميدان طرفاً من دون قصد عندما اظهر استفتاء نشرته "معاريف" ان العمل سيفوز ب29 مقعداً لو ترأسه بيريز. الواقع ان بيريز فاشل مزمن، وفي كل انتخابات يقال انه كان سيحقق نتائج افضل، كما سمعنا عندما خسر ايهود باراك امام شارون في الانتخابات الأخيرة. اليوم يختار الإسرائيليون نوابهم، ولولا دور شينوي لما كان هناك عنصر مثير واحد في حملة سارت بحسب التوقعات حتى نهايتها. والعمل افضل من ليكود، إلا ان هذا لا يجعله "فاضلاً". فالموضوع نسبي والحكومة المقبلة، مهما كان شكلها، لن تكون قادرة على الوصول الى سلام مع الفلسطينيين.