Pierre Lorrain. L' Incroyable Alliance: Russie - Etats-Unis. التحالف المذهل: روسياوالولاياتالمتحدة. Editions du Rocher, Paris. 2002. 336 Pages. يثير هذا الكتاب اهتماماً اكيداً لدى من يقف حائراً امام السياسات الاخيرة للاتحاد الروسي التي تبدو متعارضة مع ما شاع من تحليلات حول التنافس الحاد بين القوتين العظميين. فالكاتب يفاجئ القارئ بأن التنازلات الروسية لم تقدم مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية او بسبب العجز عن مقاومة عدو اصبح اقوى واكثر جرأة وعدائية، وانما جاءت نتاج رغبة روسية في عقد تحالف "يصعب تصديقه" بين روسياوالولاياتالمتحدة. وبيار لورين صحافي متخصص بالشأن الروسي تابع عن كثب ما حدث من تطورات منذ بدايات انهيار الاتحاد السوفياتي وفرص التحولات البالغة التعقيد التي طرأت في عهد غورباتشوف عبر رحلته الاصلاحية وانفتاحه على الغرب وما اصابه من فشل. وعلى رغم اهتمامه الشديد بشخصية فلاديمير بوتين وصعود نجمه السياسي، وكان قد صدر له كتاب بعنوان "الصعود الغامض لفلاديمير بوتين" الا انه اهتم في هذا الكتاب بالعوامل التاريخية والسياسية والاستراتيجية التي تدفع روسيا الاتحادية الى التقرب من الغرب، بل السعي الى تحالف فعلي مع الولاياتالمتحدة الاميركية. وقد اعتبر مؤتمر الحلف الاطلسي في روما يوم 28 مايو ايار 2002 انعطافة حاسمة في هذا الاتجاه. وذلك بعد ان اصبحت روسيا شريكا للحلف الاطلسي تسهم في وضع السياسات المشتركة واتخاذ القرارات في عدد من المجالات المتنوعة. وهذا يفسر لماذا لم تعد روسيا تعتبر دخول دول اوروبا الشرقية في الناتو عملاً عدائياً وتحدياً لها. وبهذا استطاع الرئيس بوتين "الغارق في وحل الصراع في الشيشان... ان يفرض نفسه كلاعب رئيسي في السياسة العالمية، وجعل من بلاده محورا مركزيا في الاستراتيجية العالمية للغرب". ففي هذا اليوم التاريخي الذي لم يعره الكثيرون كبير اهتمام عرف العالم قفزة نوعية من نمط تلك التحولات التي تؤدي من حيث لا ندري الى تغييرات جذرية. وانطلاقاً من هذه "المسلمة"، حاول الكاتب الاجابة عن السؤال: كيف استطاع الرئيس الروسي التخلص من اشباح الحرب الباردة التي ظل غورباتشوف ويلتسن يصطدمان بها وهما يحاولان "الوقوف امام ابواب الحلف الاطلسي؟ وكيف استخدم احداث 11 ايلول سبتمبر ليظهر امام الاميركيين ليس باعتباره شريكاً مضموناً فحسب وانما ايضاً الجانب الذي لا يمكن الاستغناء عنه"؟. قد لا يوافق البعض على استنتاجات الكاتب وقراءته للاحداث، وربما رأوا ان الكثير من المساحات المهمة مغيّبة عنها. لكن ما يتميز به هو، أولاً، ذلك الكم الهائل من المعلومات التي جمعها حول تلك الفترة المعقدة والحاسمة من تاريخ الاتحاد السوفياتي والاتحاد الروسي. ومن الطبيعي ان تخضع كل هذه المعلومات لقراءة معينة تجعل أي كاتب مهما ادعى الموضوعية يختار بعض الوقائع ويبرزها بينما يتجاهلها غيره باعتبارها ليست بذات اهمية في تأثيراتها التاريخية. واللافت هنا ان الكاتب لا يخفي هذا النهج فيكرر في كل الفصول مقولته الاساسية بأن السمة الرئيسية للعلاقات بين روسيا الاتحادية والولاياتالمتحدة وبينها وبين الغرب عموماً لم تعد الصراع.والاهم انها لم تعد صراعاً بين شرق وغرب او على مناطق نفوذ. فالتقارب الحالي بين روسياوالولاياتالمتحدة اكثر من مجرد تقارب تكتيكي او نتاج تنازلات ومساومات آنية. انه تعبير عن ارادة وتصميم كان يلتسن بدأهما على خجل مكبلا بمخلفات الحرب الباردة وبالمجموعات السوفياتية التي ظلت تحلم بأمجاد القوة العظمى القديمة. اما بوتين فتمكن بحزم ومكر من ان يحقق حلم الفريق الذي رفعه الى السلطة، وبصورة خاصة، اناتولي سوبتشاك عمدة مدينة سان بيترسبورغ المعجب بالقيصر بطرس الكبير. ويرى سوبتشاك ان التحديين الرئيسيين اللذين سيواجهان روسيا في العقود القادمة هما التهديد الآتي من جمهوريات الجنوب بسكانها المسلمين، حيث يمكن لتركيا وايران ان تزعزعا استقرارها، ثم التهديد الرابض على الحدود الشرقية، أي الصين، التي كانت ولا تزال اهم مصدر قلق لروسيا. هذا الى جانب خطر ثالث تغذيه المخاوف التاريخية المتأصلة في روسيا وهو الخوف من قوة المانيا الموحدة التي لا يعلم احد إن كانت ستعود الى غرائز السيطرة القديمة. فأمام الخطرين الاولين الاكثر حدة في المرحلة الحاضرة، ليس هنالك غير الولاياتالمتحدة، هي التي تواجه نفس الاعداء، مَن يشكل قوة الاستقرار الخارجية. فروسيا بحاجة ماسة الى هذه القوة الخارجية ولا بد لها من التعاون والتحالف معها. ومن هنا كان لا بد للرئيس بوتين، وكان من ابرز مساعديه سوبتشاك، ان يسعى الى دفن آخر ارهاصات الحرب الباردة وحتى ما سمي ايام يلتسن بالسلام البارد وطي صفحة التنافس الاسترتيجي بين روسيا والغرب. وقد حاول يلتسن اتباع مثل هذه السياسة لكن فريقه المتورط في قضايا النهب والفساد اضعف حكومته وارغمه على مسايرة المجموعة المتشددة في موقفها من الغرب. وقد ساعد في ذلك ما ابداه المستشارون الاميركيون في عهد كلينتون من ريبة وعدائية استناداً الى نظريات بريجنسكي الداعية الى استمرار حال الصراع والتنافس بين القوتين العالميتين. ولا يخفي الكاتب اعجابه منذ الصفحات الاولى للكتاب بمواقف بوتين الذي صرح منذ وصوله الى سدة الحكم بان "روسيا جزء من الثقافة الاوروبية ولا أرى ان تُعزل بلادي عن اوروبا والعالم والمتحضر"، و"لا يمكن ان اتصور الحلف الاطلسي عدواً لبلادي"... وقد ابرز الكاتب بصورة خاصة جرأته في وجه منتقديه الذين ما زالوا مؤثرين. فمضى في بناء علاقات جديدة بالغرب والولاياتالمتحدة مستغلاً أحداث 11 ايلول لفرض خطوات حاسمة نحو تبني خيار التحالف "المذهل" مع اميركا. ويضرب على ذلك مثلاً قراره بالموافقة على تركيز قواعد عسكرية اميركية في جمهوريتي اوزبكستان وطاجيكستان، فلا يراه نتيجة ضغوط او مساومات بل قراراً روسيا فاجأ حتى الاميركيين انفسهم. اما العسكريون المعارضون لوجود "العدو القديم داخل مناطق نفوذهم فقد استخدم بوتين لاقناعهم حجة القضاء على طالبان، وهو هدف روسي اساسي، الى جانب احتمال غرق الاميركيين في المستنقع الافغاني. ولكن في الحقيقة كان همّه الافادة من هذه الفرصة التاريخية للتخلص الى الابد من الهواجس الروسية والدخول في تحالف "الامم المتحضرة" من الباب الواسع. بيد ان تساؤلاً يظل يلح طوال قراءة الكتاب: لماذا لا يتطرق الى دور الولاياتالمتحدة او اوروبا في القرارات الداخلية وصراعات الاجنحة الا في نطاق المفاوضات الرسمية وبأقل قدر ممكن؟ وكيف لا يأتي على ذكر شروط المساعدات المالية او على المستشارين الغربيين الذين كانوا عنصراً حاسماً في السياسات الاقتصادية التي تبناها، او اضطر الى تبنيها، قادة الكرملين ابتداء من غورباتشوف وحتى المرحلة الحالية. وماذا عن البنك وصندوق النقد الدوليين؟ قد يكون دافع الكاتب التركيز على الصراعات الداخلية وتنافس الاتجاهات المختلفة الى حين حسمها او بداية حسمها من جانب بوتين، لكن كيف يمكن لهذا الدافع ان يغيّب تماماً تأثيرات مواقف اميركا والغرب، سلباً او ايجاباً، في تلك الصراعات، والأهم كيفية تجاوبهما مع رغبة بوتين في ذلك التحالف. فحسابات العلاقة وحدودها لا تقررها الرغبة الروسية وحدها وانما الاطراف المدعوة كذلك، وهؤلاء لهم استراتيجياتهم ازاء روسيا التي تحدد ايضاً مستقبل العلاقات الاميركية - الروسية او الاوروبية - الروسية. ومع ذلك تبقى تحليلاته وما جمع من معلومات حول عهود غورباتشوف ويلتسن وبوتين مهمة جداً، وقد سردها بطريقة ممتعة تحول دون الملل الذي يصيب القارئ عند قراءته لكتاب من هذا النوع. وهي تلقي اضواء تساعد الكثيرين ممن اعتادوا النظرة المبسطة للصراع بين العملاقين على الاقتراب من فهم ما يقال عن "الدب الروسي" الغامض وعوالمه الخفية.