على رغم أن مسؤولين أميركيين كرروا الأسبوع الماضي أن الحرب على العراق ليست حتمية، وأعربوا عن أملهم في حل ديبلوماسي سلمي للأزمة، فإن القادة العسكريين واصلوا حشد القوات في منطقة الخليج. وقد أمر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بنشر 35 ألف جندي إضافي في المنطقة. أما المسؤولون البريطانيون فبدوا في الأيام الأخيرة كأنهم يحاولون إعادة صياغة خطابهم الخاص بالعراق، بترديدهم أنه يتعين ترك الوقت الكافي لمفتشي الاممالمتحدة للقيام بعملهم. حتى ان صحيفة ال"تايمز" قالت إن رئيس الوزراء توني بلير سيتوجه نهاية الشهر الجاري الى واشنطن ليؤكد ضرورة اعطاء الاممالمتحدة "الوقت والمجال" للتعامل مع الرئيس صدام حسين. لكن المفارقة في الموقف البريطاني أيضاً أن المؤسسة العسكرية بدأت تحريك آلتها العسكرية في اتجاه مسرح العمليات في الشرق الأوسط والخليج. وبينما واصلت بغداد استعداداتها للمواجهة بعروض وتدريبات، لم تلتقِ آراء خبراء على حتمية الحرب أو استبعادها نهائياً أو موقتاً. أعلن مسؤول اميركي فضل عدم كشف هويته ان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وقع الجمعة أوامر جديدة لنشر 35 ألف عسكري في منطقة الخليج بينهم عناصر من مشاة البحرية المارينز وقادة مقاتلات. وقال: "سننشر قوات ومعدات كي نكون مستعدين" لصراع محتمل. وصرح ناطق باسم وزارة الدفاع البنتاغون بأن قوة من سبعة آلاف عنصر من "المارينز" تلقت الأمر أول من أمس للابحار في ثلاث سفن برمائية، في مهمة لتعزيز القوات في حال نشوب حرب محتملة مع العراق. وأوضح السرجنت جاني كونولي ان السفن "سايبان" و"بونس" و"غونستون هول" أبحرت من مرفأ فيرجينيا الى موريهيد سيتي في كارولاينا الشمالية، قبل نقل الجنود الى جهة لن يعلن عنها. ورفضت الناطقة باسم وزارة الدفاع فيكتوريا كلارك التعليق على المعلومات المتعلقة بنشر 35 الف عسكري جديد في الخليج. وأشار مصدر في الوزارة إلى ان الاوامر التي وقّعت تتعلق ب"المارينز" ومقاتلات ووحدات دعم اخرى، "وسنواصل تعزيز مجمل قواتنا على نحو منتظم في الاسابيع المقبلة من أجل دعم الجهود الديبلوماسية والاعداد لعمليات محتملة في المستقبل". حاملة طائرات بريطانية وغادرت حاملة الطائرات "آرك رويال" أمس ميناء بورتسموث جنوب، أبرز ميناء عسكري في البلاد، وتلتحق بها قريباً نحو 15 سفينة حربية بغية تعزيز القوات البريطانية في الخليج. وستتجه الحاملة التي ستقود الاسطول في مرحلة أولى الى اسكوتلندا حيث تتزود ذخيرة قبل ان تلتحق ببقية السفن في البحر الابيض المتوسط. وسيتجه هذا الاسطول بعد ذلك الى منطقة الخليج حيث يتوقع وصوله بعد حوالى ثلاثة أسابيع. وأوضحت رئاسة الاركان ان الأمر يتعلق بأهم انتشار للقوات البحرية الملكية خلال العشرين السنة الاخيرة. وتحمل "آرك رويال" 800 رجل سيرتفع عددهم الى 1100 عندما تلتحق المروحيات بها في المتوسط. ويلاحظ خبراء ان هذا الاسطول يضم أيضا حاملة مروحيات هجومية صممت للقيام بعمليات انزال. كذلك سينشر نحو ثلاثة آلاف من مشاة البحرية الملكية رماة من مشاة البحرية وكوماندوس على ظهر سفن المجموعة. ويضم الاسطول أيضاً فرقاطات "ليفربول" و"ادنبره" و"يورك" و"مارلى بروغ" والسفن المساعدة "ارغوس" و"فورت فيكتوريا" و"فورت روزالي" و"فورت اوستن"، اضافة الى سفن الانزال "سير غالاهاد" و"سير تريستمان" و"سير بارسيفال". وستشارك في هذه الرحلة كاسحتا الألغام "لو غريسمبي" و"لادبوري"، اضافة الى غواصات حربية بدفع نووي تحمل صواريخ بعيدة المدى من نوع "توماهوك" بحر - ارض. تدريبات لمقاتلي البعث بالذخيرة الحية في بغداد في العراق واصل المسؤولون العسكريون الاستعدادات للحرب. وكان آلاف من مقاتلي حزب البعث أجروا في الأيام الأخيرة تدريبات بالذخيرة الحية في بغداد. ونشرت صحيفة "الجمهورية" ان التمارين التي جرت في جانب الكرخ من بغداد شارك فيها مقاتلون من الرجال والنساء من فروع خالد بن الوليد وموسى الكاظم وابي جعفر المنصور وحمزة بن عبدالمطلب، وان هذه التدريبات تأتي "في سياق الاستعدادات العسكرية والقتالية المتواصلة التي تجرى حالياً على قدم وساق لتحصين سبل ووسائل المقاومة الوطنية في مختلف المواقع لمقاتلة الاميركان". وقالت الصحف العراقية ان المشرف على تنظيمات جانب الكرخ عزيز صالح النومان "أشاد بالاندفاع العالي والحماسة لأبناء شعبنا المجاهد في تنفيذ المهمات والواجبات التي تساهم في احباط المخططات العدوانية التي تتزعمها ادارة الشر الاميركية بهدف النيل من سيادة العراق ووحدته الوطنية". كذلك جرت تدريبات بالذخيرة الحية في مناطق عدة. وتحدثت الصحف عن عرض عسكري في مدينة النجف جنوب شارك فيه آلاف المقاتلين من حزب البعث. وكانت ميليشيات الحزب التي تمثل جزءاً من "جيش القدس" المكون من متطوعين من الرجال والنساء المسلحين ببنادق "كلاشنيكوف"، شاركت في عرض يوم الثلثاء في شوارع مدينة بعقوبة 50 كلم شمال بغداد، في حضورعدد من المسؤولين يتقدمهم الرجل الثاني في النظام عزة ابراهيم الدوري. خبراء دوليون منقسمون بات كثيرون من الخبراء في العلاقات الدولية يشككون في احتمالات وقوع حرب في العراق، مع ان الحرب كانت حتى أسابيع خلت تعتبر واقعة لا محالة. ومع ان هذا التغيير في المواقف لا يزال بسيطاً، فقد ظهر لدى كثير من القادة الاوروبيين، وحتى لدى الرئيس جورج بوش الذي أكد علناً انه يفضل الحل السلمي لتسوية الأزمة. وقال وزير خارجيته كولن باول يوم الخميس ان موعد السابع والعشرين من كانون الثاني يناير الجاري لتسلم تقرير المفتشين "ليس في الضرورة يوم اتخاذ قرار" الحرب. وقال نظيره البريطاني جاك سترو ان احتمالات اندلاع الحرب تراجعت وان الحرب لم تعد "حتمية". إلا أن هذا التعديل في اللهجة لم يمنع الرئيس الأميركي من مواصلة ارسال التعزيزات العسكرية الى منطقة الخليج، خصوصاً اتخاذ قرار بإرسال 35 ألف جندي إضافي ليرتفع بذلك عدد الجنود الاميركيين في المنطقة الى 120 ألفاً. وقال الخبير جوزف سيرينتشيوني العامل في "مؤسسة كارنجي للعلاقات الدولية" في واشنطن: "أنا مقتنع بأن الحرب لن تقع". وهو يعتبر، مثله مثل آخرين من الخبراء وإن كانوا أقلية، ان التحركات الأخيرة للقوات الاميركية ليست في الضرورة دليلاً إلى الرغبة الاميركية في الوصول الى المواجهة العسكرية، "خصوصا أن من الصعب جداً تبرير هذه الحرب في الوقت الذي يؤكد الرئيس بوش انه يبحث عن حل سلمي". ورأى البروفسور جان فرنسوا سيزنك المتخصص في شؤون الخليج والذي عاش في المملكة العربية السعودية طوال عشر سنوات، أن هناك "بالفعل بعض التردد الذي لم يكن موجوداً قبل أسابيع عدة". لكنه اضاف: "ان كلام الرئيس بوش وباول هو لكسب الوقت. اعتقد بأنهما ليسا مستعدين بعد لشن الحرب، وعدد الجنود في المنطقة ليس كافياً، والتعبئة لم تكتمل بعد. كما أن من الصعب على الادارة الاميركية ان تقول إن المفتشين لم يجدوا شيئاً وانها في الوقت نفسه تريد شن حرب". لكن للبروفسور سيمون سرفاتي من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن رأياً آخر. يقول: "إن السيناريوهات التي تستبعد الحرب قد نفدت، وكذلك الأمر بالنسبة الى الخيارات البديلة من استخدام القوة. إن الفرق الكبير بين الاميركيين والاوروبيين يكمن هنا، فالادارة الاميركية مقتنعة تماماً بأن الخطر داهم، وعلى هذا الاساس لا تريد خوض أي مجازفات عبر تأخير الاستحقاق أكثر مما تأخر منذ العام 1991".