وفاة ديوجو جوتا مهاجم ليفربول    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    لجنة الصداقة السعودية التركية في مجلس الشورى تعقد اجتماعًا مع نظيرتها التركية    تدخل عاجل في طوارئ مستشفى الملك خالد يُنقذ حياة سبعيني بالخرج    استقرار أسعار الذهب مع ترقب المستثمرين توجهات خفض أسعار الفائدة    مدير شرطة عسير يقلد عايض القحطاني رتبة «رائد»    ارتفاع إشغال الفنادق وتراجع الشقق المخدومة مع نمو في التوظيف السياحي    ولي العهد يهنئ رئيس جمهورية بيلاروس بذكرى استقلال بلاده    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    توقيع اتفاقيات بنحو 27 مليار دولار بين القطاع الخاص في السعودية وإندونيسيا    5 مصابين في هجوم روسي على أوديسا    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    "بيئة الطائف" تطلق فعاليات لتشجيع الممارسات الزراعية السليمة والمستدامة    أبانمي ترعى برنامج عطاء الصيفي بمشاركة ٢٥٠ يتيم    الأهلي يكشف شعاره الجديد ويدشّن تطبيقه ومنتجاته    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    التعليم: 500 مليون ريال مبادرات وشراكات لدعم التدريب    في أولى مواجهات دور ال 8 لكأس العالم للأندية.. الهلال يواجه فلومينينسي بآمال التأهل نصف النهائي    صراع قوي في ربع نهائي مونديال الأندية.. نهائي مبكر بين بايرن وباريس.. وريال مدريد يواجه دورتموند    أطلقت مشروع (تحسين الأداء المالي للأندية).. "الرياضة" تنقل أعمال لجنة الاستدامة المالية إلى رابطة المحترفين    القبول في الكليات العسكرية للجامعيين.. الأحد المقبل    الإطاحة بمشعل النار في محمية طويق الطبيعية    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    أمطار على جنوب وغرب المملكة الأسبوع المقبل    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    شدد على أهمية الانخراط في تسوية سياسية عادلة.. المبعوث الأممي يدعو اليمنيين لإنهاء الحرب    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    روسيا: فرصة لتسريع نهاية الحرب.. أوكرانيا تحذر من تبعات تأخير الأسلحة الأمريكية    "الغذاء والدواء": جميع المنتجات تخضع للرقابة    حرس الحدود ينقذ مواطنًا من الغرق    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    تكريم عائلة المشجع المكمل ل«المليونين» في المونديال    منتخب الصالات يقيم معسكراً في البوسنة    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    المخدرات الموت البطيء    الوهيبي ل«الرياض»: أتمنى استضافة المملكة للمخيم الكشفي العالمي    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«معركة الكتب» لسويفت: نحو هدنة بين القدامى والجدد
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2011

كانت رواية جوناثان سويفت «رحلات غيليفر» في الحضور في الحياة الأدبية العالمية والشهرة لدى الجمهور العريض في بلاد العالم، الى درجة خيّل معها الى كثر أن هذا الكاتب المبتكر الساخر لم يكتب طوال حياته سوى ذلك العمل التأسيسي. والحقيقة هي عكس ذلك تماماً: كان سويفت كاتباً غزير الإنتاج لم يتوقف في حياته عن الكتابة، وإن كان عرف دائماً بأنه، في كتابته كما في حياته، كان غريب الأطوار، محاطاً بالتكتم. وحسبنا أن نذكر هنا الطريقة التي أوصل بها، سويفت، مخطوط روايته «رحلات غيليغر» الى الناشر، حتى ندرك غرابته: إذ تروي الحكاية أن حوذيّاً مر، بعربة بالقرب من باب يفضي الى مكتب الناشر، ثم رمى حزمة من الأوراق واختفى. وهكذا وصل المخطوط من دون أن يعرف الناشر من أوصله ومن كتبه. وبهذا نشرت الرواية والناس يتساءلون عمّن يكون كاتبها. ونعرف، بالطبع، أن هذه الرواية، أكثر مما هي عمل خيال وكانت رائدة في أدب الخيال/العلمي، إنما هي نصّ همه السخرية من أهل ذلك الزمان وانتقادهم. والحال أن سويفت كرّس القسم الأعظم من كتاباته للسخرية من مواطنيه وغيرهم، هو الذي مكنته ثقافة كلاسيكية رفيعة المستوى باكراً، من أن يعيش الأدب ولا سيما الأدب الأخلاقي اليوناني القديم بكل جوارحه، ويرى أن اطلاع الناس على ذلك الأدب وفهمهم له كفيل بتهذيب أخلاقهم وجعل عصرهم كله عصراً ذهبياً.
لكن سويفت كان، على هذا الصعيد، يائساً... وكان يدرك حقيقة الأهواء والنزعات البشرية. لذلك كان يرى، كما يبدو، في الكتابة خلاصاً ذاتياً له. ولقد كانت هناك فترة من حياته، «طوّر» فيها موقفه بعض الشيء من الأدب، ليضعه في خدمة الأحزاب السياسية، ذات اليمين مرة وذات اليسار مرة أخرى... وكان من الواضح انه إنما كان يتوخى بذلك أن يصل بشكل أو بآخر الى أن يخوض العمل السياسي... لكنه أخفق، أذ تبين له أن الحزبين المتناحرين («حزب الأحرار» و «حزب المحافظين») في بريطانيا ذلك الزمن، وهما الحزبان الرئيسيان اللذان ساند سويفت كلاً منهما بكتابته في شكل متعاقب- إنما كانا يستغلانه ويستغلان مواهبه الأدبية لمآربهما الخاصة والأنانية لا أكثر ولا اقلّ. المهم أن هذا دفع سويفت الى الابتعاد عن العمل السياسي المباشر، كما انه كان ابتعد قبل ذلك عن الخدمة الدينية بعدما كان يريد أن يكون قسيساً. ولم يبق له سوى الأدب. ومن هنا عزز كتابته التي ارتفعت فيها حدة سخريته المعبرة، بخاصة، عن المرارة. وعلى عكس ما يعتقد كثر، لم تكن «رحلات غيليغر» أول أعمال سويفت الكبرى... بل كانت عملاً متأخراً في مساره. أما العمل الأول الذي كتبه واشتهر له، فكان «معركة الكتب».
كتب جوناثان سويفت نصّه «معركة الكتب» حين كان في الثلاثين. وهو كتب هذا النص الساخر، لكي يؤيد فيه قريبه السير ويليام تمبل، الذي كان مؤلفاً معروفاً وأحد أعيان القوم، وكان آوى سويفت في بيته وحضنه منذ شبابه اليافع. وكان تمبل يخوض، في ذلك الحين، معركة أدبية عنيفة مع أنصار الجديد، بصفته أحد المدافعين عن الأدب القديم. ومن هنا فإن كتاب «معركة الكتب» هو صورة أدبية لتلك المعركة التي كانت تقوم في ذلك الحين بين القدماء والجدد. ولئن كان سويفت كتب النص من أجل قريبه تمبل، فإن هذا الأخير لم يتمتع به كثيراً، إذ إنه ما لبث أن مات في عام 1699، أي قبل نشر الكتاب بخمسة أعوام.
منطلق الكتاب يبدأ، إذاً، مع السير ويليام تمبل، الذي كان يرى أن الرسائل الأسطورية المنسوبة الى فالاريس، صحيحة. ويكتب تمبل نصاً يشيد فيه بالرسائل، ضمن إطار إثباته فضل القدامى وعظمتهم في الفكر والأدب... ثم يعقد مقارنة دقيقة بين القدامى والجدد متحدثاً عن فضائل هؤلاء، وأولئك (وكانت معركة من هذا النوع نفسه اندلعت في فرنسا أيضاً). وإذ يرجّح تمبل القدامى على الجدد، يتعرض الى هجوم عنيف من زميله المفكر ويليام ووتون، الذي يسانده عالم الإغريقيات الذي كان شهيراً ومرجعاً في ذلك الحين، ريتشارد بنتلي. وهكذا يتمسك سويفت بالقضية، عن قناعة ربما وربما أيضاً عن رغبة في مسايرة قريبه المنعم عليه، ويخوض المعركة دفاعاً عن تمبل ضد مهاجميه. ويختار سويفت، كعادته في حياته وفي كل ما يكتب، أسلوباً ساخراً... حيث يتخيل معركة حامية الوطيس - معركة حربية حقيقية - تدور حين يطلب الجدد من القدامى أن يرحلوا عن واحدة من قمتي جبل البارناس، كانوا يحتلونها حتى ذلك الحين. وتقوم الكتب المدافعة عن موقف الجدد بمهمة دفع القدامى بعيداً من القمة، لحساب الجدد. ولكن قبل أن يبدأ الصراع الحقيقي، يقوم، تحت قلم سويفت، سجال عنيف بين عنكبوت يعيش في زاوية من مكتبة، ونحلة كانت علقت في شبكة العنكبوت. ومن ذلك السجال يستخلص ايزوب صاحب الأمثال الشهيرة، العبرة: أن العنكبوت هو مثل الجدد الذين يمارسون علمهم بمواد يستخلصونها من داخل ذواتهم، أما النحلة فإنها مثل القدامى تأتي بالعسل من الطبيعة. ومن الواضح هنا أن تعليق ايزوب هو الذي يعلن بداية المعركة. وهكذا تصطف الكتب في جانبين: ثاسيوس وميلتون وغيرهما يقودون خيالة أهل الحداثة الجدد، وديكارت وغاسندي وهوبس يتولون سلاح النبال، فيما يقود المشاة كل من غيشاردان، دا فيلا، وفرجيل. أما خيالة القدامى فيقودها هوميروس، ويقود بندار الخيالة الخفيفة ويتولى اقليدس سلاح الهندسة وأفلاطون وأرسطو فرقة النبال، فيما يقود هيرودوتس وتيت-ليف سلاح المشاة. أما الجدد فإنهم يستخدمون في معركتهم رنة النقد العنيفة وذات الحيل. ويقدم لنا سويفت هنا وصفاً ظريفاً للمعركة. منه مشهد قوي حين يرمي أرسطو سهماً ناحية بيكون، لكنه يخطئه ويصيب السهم ديكارت. ومشهد آخر يخوض فيه فرجيل معركة عنيفة ضد مترجمه الى الإنكليزية درايدن حيث فيما يتقدم حصان فرجيل بهدوء وثقة، يصخب حصان درايدن تحت ثقل المعادن التي غطي بها وهمها إثارة ضجة من دون طحن، خصوصاً أن درايدن حمل على رأسه غطاء يزيد وزنه تسعة أضعاف عن وزن درايدن نفسه.
في نتيجة المعركة، يكون الانتصار، كما هو متوقع، من نصيب القدامى، الذين يردّون الهجوم. غير أن ذلك يؤدي الى هدنة يقررها الطرفان... ما يجعل نتيجة الحرب معلقة، حتى وإن بدت نتيجة المعركة نفسها واضحة وذات دلالة.
ولد جوناثان سويفت في دبلن في إرلندا في عام 1667، في أسرة فقيرة، ما اضطره الى أن يتعلم على حساب عمين كريمين له. وهو عيّن في عام 1690 سكرتيراً لقريب آخر له هو السير ويليام تمبل. وهناك في دارة هذا الأخير تفتحت مواهبه وراح يطلع على أهم كتب الأدب القديم والحديث. كما انه تزوج من صبية تعمل في البيت نفسه. ولدى وفاة تمبل، بدأ سويفت يخوض الصراعات الأدبية والفكرية وكانت محاولاته في العمل السياسي، لكن هذا كله لم يجده نفعاً... فانصرف الى الكتابة والى حياة عابثة بين امرأتين، واحدة سرية والأخرى معلنة. وحين اكتشفت كل منهما وجود الأخرى، ماتتا واحدة بعد الأخرى، ما أحزنه وجعله يعيش بقية حياته حتى 1745 في حزن ومرض.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.