قادت صدمة 11 أيلول سبتمبر أميركيين كثيرين إلى أن يعوا أن من الأفضل لهم أن يولوا اهتماماً أوثق بكثير لما تفعله حكومة الولاياتالمتحدة في العالم ولنظرة الآخرين إليها. وقد فُتحت قضايا كثيرة للنقاش لم تكن على الأجندة من قبل. وهذا كله مفيد، وعقلاني أيضاً، إذا كنا نأمل بتقليص احتمال وقوع فظائع في المستقبل. وقد يكون من المريح التظاهر بأن اعداءنا "يكرهون حرياتنا"، كما قال الرئيس بوش، ولكن ليس من الحكمة في شيء تجاهل العالم الحقيقي الذي ينقل دروساً مختلفة. والرئيس ليس أول من يسأل "لماذا يكرهوننا؟". وصف الرئيس ايزنهاور، في نقاش مع مرؤوسيه قبل 44 عاماً، "حملة الكراهية ضدنا في العالم العربي لا من جانب الحكومات وإنما من جانب الشعوب". وقد أجمل مجلس الأمن القومي له الأسباب الأساسية: الولاياتالمتحدة تدعم حكومات "تعارض التقدم السياسي أو الاقتصادي" بسبب مصلحتها في التحكم بموارد النفط في المنطقة. تكشف عمليات مسح بعد 11 أيلول في العالم العربي أن الأسباب نفسها مستمرة اليوم، ويفاقمها الاستياء من سياسات محددة. والملفت أن هذا يصدق أيضاً على قطاعات ذات امتيازات وتوجه غربي في المنطقة. ولنضرب مثالاً واحداً فقط: في عدد 1 آب اغسطس من مجلة "فار ايست ايكونوميك ريفيو"، كتب أحمد رشيد، المختص في شؤون المنطقة المشهود له على صعيد دولي، يقول: "ثمة غضب متزايد من أن دعم الولاياتالمتحدة يسمح لنظام الحكم العسكري برئاسة مشرّف بتأخير وعد الديموقراطية". واليوم لا نسدي أنفسنا أي صنع جميل باختيارنا الاعتقاد ب"انهم يكرهوننا" و"يكرهون حرياتنا". إذ بالعكس، هذه مواقف اناس يحبون الأميركيين ويعجبون بالكثير مما تتصف به الولاياتالمتحدة، بما في ذلك حرياتها. أما ما يكرهونه فهو السياسات الرسمية التي تحرم حريات يتوقون هم أيضاً إليها. لهذه الأسباب، فإن أحاديث أسامة بن لادن بعد 11 أيلول - مثلاً عن دعم الولاياتالمتحدة أنظم حكم فاسدة ووحشية، أو عن "غزو" الولاياتالمتحدة للسعودية - لها صدى معين، حتى في أوساط أولئك الذين يحتقرونه ويخشونه. فمن السخط والغضب والاحباط تأمل العصابات الإرهابية باستمداد الدعم والمجندين. ويجب أن نعي أيضاً أن قسماً كبيراً من العالم يعتبر واشنطن نظام حكم إرهابي. ففي السنوات الأخيرة قامت الولاياتالمتحدة بأعمال، أو دعمت أعمالاً، في كولومبيا ونيكاراغوا وبنما والسودان وتركيا، وهذه أمثلة قليلة فقط، تنطبق عليها التعريفات الأميركية ل"الإرهاب" - وذلك عندما يطبق الأميركيون المصطلح على أعداء. في أكثر نشرات المؤسسة الرسمية رزانة، "فورين افيرز"، كتب صامويل هنتنغتون في 1999 يقول: "بينما تندد الولاياتالمتحدة بانتظام ببلدان متنوعة ك"دول مارقة"، فإنها صارت تعتبر في أعين بلدان كثيرة الدولة العظمى المارقة... والتهديد الخارجي الأعظم لمجتمعاتها". ولا يغير في هذه المدركات حقيقة أن بلداً غربياً قد اُخضع في 11 أيلول للمرة الأولى على ترابه الوطني لهجوم إرهابي مريع من نوعه معهود تماماً لدى ضحايا القوة الغربية. ويذهب الهجوم إلى أبعد بكثير مما يسمى أحياناً "الإرهاب بالمفرق" لمنظمات مثل "الجيش الجمهوري الايرلندي" و"جبهة التحرير الوطني" أو "الألوية الحمراء". لقد أثار إرهاب 11 أيلول تنديداً قاسياً في كل أنحاء العالم وسيلاً من التعاطف مع الضحايا الأبرياء، ولكن مع تحفظات. ولم يجد استطلاع دولي للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في أواخر أيلول تأييداً كبيراً ل"هجوم عسكري" تشنه الولاياتالمتحدة في أفغانستان. وفي أميركا اللاتينية، المنطقة ذات الخبرة الأوسع في تدخل الولاياتالمتحدة، تراوح التأييد بين 3 في المئة في المكسيك و16 في المئة في بنما. و"حملة الكراهية" الحالية في العالم العربي تحركها، طبعاً، سياسات الولاياتالمتحدة نحو إسرائيل وفلسطين والعراق. وقد وفرت الولاياتالمتحدة الدعم الحاسم للاحتلال العسكري الإسرائيلي القاسي الذي هو الآن في عامه ال35. إن من بين طرق تخفيف التوترات الفلسطينية - الإسرائيلية الكف عن رفض الانضمام إلى الاجماع الدولي القائم منذ مدة طويلة الداعي إلى الاعتراف بحق كل دول المنطقة في العيش في سلام وأمن، بما في ذلك دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة حالياً ربما مع تعديلات طفيفة ومتبادلة في الحدود. وفي العراق، قوّت عشر سنوات من العقوبات القاسية تحت ضغط من الولاياتالمتحدة صدام حسين، بينما أدت إلى موت مئات الآلاف من العراقيين، وربما فاق عددهم "من قتلوا بما يسمى أسلحة الدمار الشامل عبر التاريخ"، حسب قول المحللين العسكريين جون وكارل مولر في مجلة "فورين افيرز" عام 1999. إن تبريرات واشنطن الحالية لمهاجمة العراق ذات صدقية أقل بكثير من الوقت الذي كان الرئيس بوش الرقم 1 يرحب فيه بصدام كحليف وشريك تجاري بعد أن ارتكب أسوأ أعماله الوحشية، كما حدث في حلبجة، حيث هاجم العراق الأكراد بغاز سام في 1988. وفي ذلك الوقت كان القاتل صدام أخطر مما هو اليوم. أما بالنسبة إلى هجوم أميركي على العراق فلا أحد، بمن في ذلك دونالد رامسفيلد، يستطيع أن يحزر بواقعية الأكلاف والعواقب المحتملة. ومن المؤكد أن المتطرفين الإسلاميين الراديكاليين يأملون بأن يسفر هجوم على العراق عن قتل أناس كثيرين وتدمير البلد، الأمر الذي سيوفر مجندين للأعمال الإرهابية. ويفترض انهم يرحبون أيضاً ب"نظرية بوش" التي تعلن الحق في شن هجوم ضد أي من التهديدات المحتملة، التي لا حدود لها عملياً. وقد أعلن الرئيس أن "ليس من المعروف كم من حرب تلزم لضمان الحرية في الوطن"، وهذا صحيح. التهديدات موجودة في كل مكان، حتى في الداخل. وتشكل وصفة الحرب بلا نهاية خطراً على الأميركيين أكبر بكثير من الأعداء المتصورين، لأسباب تعرفها المنظمات الإرهابية حق المعرفة. قبل عشرين سنة عبر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق يهوشافات هركابي، وهو أيضاً من كبار المستعربين، عن أمر ما زال صحيحاً. إذ قال: "ان نعرض حلاً مشرفاً على الفلسطينيين يخدم حقهم في تقرير المصير هو الحل لمشكلة الإرهاب". وأضاف: "عندما يختفي المستنقع، لن يعود هناك بعوض". وفي ذلك الوقت كانت إسرائيل متمتعة كلياً بحصانة ضد الانتقام ضمن الأراضي المحتلة استمرت إلى عهد قريب. لكن تحذير هركابي كان مناسباً، وينطبق الدرس بشكل أعم. قبل وقت طويل من 11 أيلول كان مفهوماً أنه مع وجود التكنولوجيا الحديثة، سيفقد الأثرياء والأقوياء احتكارهم شبه التام لوسائل العنف ويمكن أن يتوقعوا معاناة من فظائع على التراب الوطني. إذا أصررنا على خلق المزيد من المستنقعات، فسيكون هناك المزيد من البعوض، مع قدرة رهيبة على التدمير. أما إذا خصصنا مواردنا لتجفيف المستنقعات، وعالجنا جذور "حملات الكراهية"، فلن نستطيع تقليص التهديدات التي نواجهها فحسب، وإنما الارتقاء أيضاً إلى مستوى المثل العليا التي ننادي بها والتي ليست خارج متناول أيدينا إذا اخترنا أخذها على محمل الجد. ناشط سياسي، وأستاذ الألسنية في معهد مساتشوسيتس للتكنولوجيا ومؤلف كتاب "9/11".