الصيف في الخليج أقسى المواسم... يفرق الرفاق والأهل ويعلن الضيق والفراغ، ويفرغ الجيوب وأرصدة الأفراد والأوطان من محتوياتها. * الصيف موسم الحقيقة التي لا نستطيع تجاهلها: حزيران يونيو يحمل الحروب والهزائم وتموز يوليو ينتزع الأحباب من أحضاننا... وآب أغسطس يحرق آخر ما تبقى من الأخضر واليابس قبل ان يترفق أيلول سبتمبر ليبدأ دورة الطبيعة مع نهاياته. والصيف موسم السراب الذي نلجأ اليه. كل من يستطيع منا الهروب يهرب في الصيف الى أراض أقل قسوة والتهاباً. بعضهم يبترد في جبال تتكلم العربية بلكنات أوروبية: لبنان أو تونس أو المغرب، وبعضهم يمتحن أعجمية لسانه في حداثة شوارع أوروبا أو تاريخية مدن آسيا وبريق أسواقها لاجتذابنا. ونحن في حيرة في ما سوى ذلك. أميركا التي صدقنا ما تعلنه من مثاليات خانت عشقنا لها وأضحت في إعلانها الالتزام بمواقف الصهيونية من دون حياء متعجرفة مزعجة تتحيز ضدنا وتسمينا كلنا إرهابيين محتملين. هل نتحمل ان تسجل بصماتنا ومهاتفاتنا باللغة العربية، وتسجل كل حركة من حركاتنا وتنقلاتنا وكأننا مجرمون مطاردون؟ وتلك القارات الجنوبية التي تحتفي بالشتاء في موسم صيفنا بعيدة جداً وخارج المعتاد الذي يغرينا بالسفر حيث سبقتنا تجارب من سبق، وما يشجعنا به ما سمعنا عنه من حكايات الجيران وذكريات سفراتهم. وتبقى مدننا الملتهبة الطقس تحاول إغراءنا بالبقاء في مهرجانات صيفية ثقافية وترفيهية وتسويقية. من يخاتل من؟ لا يبقى إلا المضطرون الى البقاء. *** الصيف يمتص الملايين من الريالات التي لم يعد من السهل على المواطن ان يحصل عليها أو يحتفظ بها، ولكن البقاء في الوطن في هجير الصيف وهجير المجتمع امتحان عسير... والحكومات تدرك ذلك في كل بلد خليجي. الهيئات المسؤولة عن تشجيع السياحة الداخلية تحاول ان تغير المعطيات وتحبب إلينا البقاء في أراضينا: دبي تعلن مهرجانات الصيف التسويقية والمدن السعودية تتبارى في مواسمها الترفيهية والتثقيفية وعمان تعلن عن جمال شواطئها وجبالها. وتظل الحقيقة: طقسنا قاتل في صيفنا بالذات. شتاء الخليج جميل ولكنه قصير جداً لا تكاد تحسّ به إذ يمر سريعاً وامضاً مثل أحلام الشباب. وربيع الخليج ساحر ولكنه سرابي العمر مثل اخضرار صحارينا فجأة بعد مطر غير متوقع. واقع حياتنا الحقيقي هو الصيف متطرفاً بين الرطوبة والجفاف، رطوبة الطقس حد الاختناق وجفاف الحياة حد الاختناق ايضاً. ولهيئات تشجيع السياحة الداخلية همسة نصيحة بأن نجاحها متوقف على تكامل ما تقدمه لكل افراد العائلة. وهمسة أكثر وضوحاً: لا بد من جرأة الريادة لتعويد مجتمعنا على ترطيب تفاعلاته الداخلية.