أعلن العراق انه يقبل عودة المفتشين الدوليين من دون شروط، فحصل الرئىس جورج بوش على قرار من الكونغرس يعطيه حق استخدام جميع الوسائل، بما فيها العسكرية، ضد العراق. غير انني اريد ان اعود الى نيسان ابريل الماضي عندما ألقت مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس خطاباً في جامعة جونز هوبكنز قالت فيه "ان زلزالاً من حجم 11/9 قلب موازين السياسة الدولية، فالنظام العالمي كان في حال ميوعة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والارجح الآن ان الفترة الانتقالية انتهت. واذا كان هذا صحيحاً فهذه ليست مجرد فترة خطر عظيم، بل فترة فرصة عظيمة تشبه 1945-1947، عندما وسعت الولاياتالمتحدة عدد الدول الديموقراطية بزيادة اليابان وألمانيا عليها لايجاد توازن قوى لصالح الحرية...". طبعاً ما سبق نصف صحيح ان لم يكن خطأ كاملاً، ففي مقابل اليابان وألمانيا سيطر الاتحاد السوفياتي على دول اوروبا الشرقية، وشهدت الفترة المشار اليها قيام الأممالمتحدة ومشروع مارشال لتعمير اوروبا. غير ان الآنسة رايس تجاهلت هذه الحقائق لتقول ان الولاياتالمتحدة اليوم تستطيع ان تفعل ما فعلت مع اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فهي تهزم دولة وتحتلها ثم تنشئ فيها نظاماً ديموقراطياً. تذكرت كلام رايس، وهو من ضمن تفكير الادارة، وأنا اقرأ قرار "جميع الوسائل" ضد العراق. مرة اخرى، اسجل في هذه الزاوية انني اريد ان ينتهي النظام العراقي، بأيدٍ عراقية، وان يخلفه نظام ديموقراطي لجميع العراقيين. بل ازيد انه اذا سقط النظام فسيعم العراق والمنطقة فرح عظيم. مع ذلك فالموقف الاميركي يثير القلق جداً، لأنه مبني على الكذب او الرؤية بعين واحدة، ووجدت قرار الكونغرس يرتكز على اخطاء واضحة لا يمكن ان ترتكب جهلاً، فإذا كان كاتب القرار يكذب عمداً، فإن الهدف لا يمكن ان يكون لخير. وأختار للقراء فقرات وتعليقي عليها: حيث ان العراق لا يزال ينتهك التزاماته الدولية ويواصل اقتناء وتطوير اسلحة كيماوية وبيولوجية خطرة، ويسعى الى اقتناء اسلحة نووية... أقول: مقابل كل قرار انتهكه العراق انتهكت اسرائىل ثلاثة قرارات بحماية اميركية، وملكية صدام حسين اسلحة الدمار الشامل غير ثابتة، وهو لا يملك وسائل ايصالها الى اهدافها، كما هي الحال مع اسرائىل. حيث ان العراق يمارس قمعاً وحشياً ضد مواطنيه المدنيين، بمن فيهم الاكراد، ولا يفرج عن المعتقلين غير العراقيين ولا يرد ممتلكات استولى عليها من الكويت... أقول: اسرائىل تمارس قمعاً وحشياً ضد الفلسطينيين، بأسلحة اميركية ومال اميركي وفيتو اميركي، ثم هل وجود ممتلكات كويتية في العراق، وهذا صحيح، سبب كاف للحرب، ولماذا لا تحارب اسرائىل وهي سرقت الأرض بمن عليها؟ حيث ان اعضاء في القاعدة التي هاجمت مواطنين اميركيين ومصالح اميركية، بما في ذلك هجوم 11/9/2001 موجودون في العراق... أقول: هذا كذب صريح، وقد حاولت الولاياتالمتحدة مرة بعد مرة إلصاق هذه التهمة بالعراق، ثم تخلت عنها لعدم وجود أدلة، والآن تعود اليها. حيث ان العراق يساعد منظمات ارهابية دولية تهدد حياة وأمن مواطنين اميركيين... أقول: هذه كذبة اخرى، وربما كان الحديث عن منظمات المقاومة الفلسطينية التي هي حركات تحرر وطني في مقابل احتلال نازي تمارسه اسرائىل. حيث ان هجمات 11/9/2001 اظهرت خطر ان ينقل العراق اسلحة دمار شامل الى منظمات ارهابية دولية... أقول: طبعاً هذا لم يحدث، وما تقول الفقرة هو ان هناك فرضية، لا يمكن ان تقبل اساساً لحرب. حيث ان للولايات المتحدة حق الدفاع عن نفسها الذي يضمنه ميثاق الأممالمتحدة... هذا الحق للجميع، والعراق لا يهدد الولاياتالمتحدة لأنه لا يستطيع، ولكن هي تهدده وتهدد دول المنطقة كلها. أتوقف هنا لأقول ان ما سبق هو بعض ما اخترت من "حيثيات" كلها من النوع السابق، فهي، بكلمة واحدة، كاذبة. هل يحتاج انسان او بلد الى الكذب للحديث عن مساوئ النظام العراقي؟ هناك ألف علة وعلة، غير ان الحكومة الاميركية تفضل عللاً اخرى تبرر شن حرب، لا يريدها احد في المنطقة، حتى بعد ان قبل العراق عودة المفتشين من دون شروط. وكنت اقرأ قرار الكونغرس ثم اقرأ نص "استراتيجية الأمن القومي" لبوش الصادرة في الوقت نفسه، وأجد انها تتحدث عن خوض حروب اجهاضية، او استباقية، لمنع قيام ارهاب ضد الولاياتالمتحدة، اي ان هذه الاستراتيجية تكرر مبدأ اعلنه الرئىس بوش في اول حزيران يونيو الماضي. والعذر هو الامن، غير ان الهدف هو ما عبرت عنه كوندوليزا رايس، وهو احتلال الدول وفرض انظمة مناسبة عليها.