"أنا الخليفة الحقيقي لاسحق رابين"، "إن أي مهتم بمستقبل إسرائيل لا يستطيع أن يقف مكتوف اليدين ازاء ما يحدث لها على يد آرييل شارون الذي يجرنا الى كارثة أو نكبة". بهاتين العبارتين لخص الجنرال عميرام متسناع رئيس بلدية حيفا الوضع الحقيقي الذي تمر به كل من إسرائيل وحزب العمل. فعلى رغم أن الدولة العبرية تمر بفترة حرجة للغاية بقيادة شارون ربما تؤدي الى كارثة كما يرى متسناع، لا يزال حزب العمل مستمراً في حكومة تجر البلاد الى كارثة. كما تشير العبارتان ايضاً الى معاناة حزب العمل من نقص او غياب القيادات التي يمكنها أن تعود به إلى السلطة كما حدث عام 1992 بقيادة رابين. ويأتي وصف متسناع نفسه بخليفة رابين في سياق محاولته اعادة تجربة رئيس وزراء الراحل عام 1992 عندما تمكن من انتزاع السلطة من الليكود. والسؤال المطروح حالياً هو هل يستطيع متسناع أن يكرر تجربة رابين، عندما انتزع رئاسة الوزراء من الليكود للمرة الأولى منذ عام 1977، في ظل الظروف الحالية بالنسبة الى حزب العمل والرأي العام الإسرائيلي الذي بات أسيراً للتوجهات اليمينية المتطرفة، وفي ضوء تضاؤل الفوارق الايديولوجية بين العمل والليكود؟ وما هو تأثير مشاركة الحزب في حكومة شارون على امكان فوز مرشحه في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟ ومما يزيد من أهمية هذا السؤال أن متسناع يقدم رؤية تبدو امتداداً لرؤية رابين في ما يتعلق بالتعامل مع القضية الفلسطينية. اذ يؤمن بأن الصراع العربي - الإسرائيلي هو المشكلة الاساسية التي تتفرع عنها كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه إسرائيل، وأنه لا بد من البدء الفوري بمفاوضات مع الفلسطينيين، من دون شروط مسبقة، واذا تعذر ذلك لأسباب على الجانب الفلسطيني فلتبادر إسرائيل بعمل من جانبها، حتى يعود الأمل الى الشعبين بما يعود في النهاية بالفائدة على الإسرائيليين. بدأت قصة الجنرال عميرام متسناع 57 عاماً في الظهور على اجندة حزب العمل في اعقاب استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة "يديعوت اخرونوت" في 9 آب اغسطس الماضي أظهر ان متسناع سيحصل في حال ترشحه لرئاسة حزب العمل على 47 في المئة من أصوات أعضاء حزب العمل، في مقابل تراجع واضح لحاييم رامون رئيس لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست، ولبنيامين بن اليعيزر، وهو ما دفع الاخير الى محاولة استقطاب رامون الى صفه وتكوين جبهة واحدة في مواجهة الصعود المفاجئ لمتسناع. الا ان رامون رفض، وأصر على خوض المنافسة ضد الاثنين. ويمكن القول إن موقف متسناع سيكون على الارجح الاقوى بين المرشحين لرئاسة الحزب بخاصة في مواجهة بن اليعيزر، اذ يقف حمائم الحزب المعترضون على استمرار مشاركة حزب العمل في حكومة شارون ضد بن اليعيزر مثل يوسي بيلين، الذي هدد بترك حزب العمل في حال اعادة انتخاب بن اليعيزر رئيساً له، وهو الامر الذي يشير في صورة او أخرى إلى الأيام الصعبة التي تنتظر بن اليعيزر في الحزب، وبالتالي في الحياة السياسية في إسرائيل. كما ان كثراً من أقطاب العمل ينظرون الى متسناع على أنه الأمل المتبقي لتخليص الحزب من وضعه السيئ والعودة به الى السلطة. والحقيقة ان القول بأن فرص متسناع في الفوز برئاسة حزب العمل ثم الفوز في انتخابات رئاسة الوزراء هي الاكبر بين بقية المرشحين تفترض حدوث / عدم حدوث تطورات معينة، يتمثل أهمها في ما يأتي: - ان يستمر حزب العمل في الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون، الامر الذي سيضعف كثيراً من موقف بن اليعيزر، سواء في انتخابات حزب العمل، أو حتى في انتخابات رئاسة الوزراء في حال فوزه في انتخابات الحزب. ومن ثم فإن قراراً يتخذه بن اليعيزر بالانسحاب من الحكومة قد يربك متسناع وأنصاره الى حد بعيد، الا انه لن يعني تقدماً كبيراً له في مواجهة متسناع. - وترتبط بالتطور السابق قضية الضربة الاميركية المتوقعة ضد العراق، فإذا أقدمت الولاياتالمتحدة على ضرب العراق سيعني ذلك تزايد فرص بقاء حزب العمل في الحكومة، على أساس أن الفترة تشكل أزمة لا بد من أن يتكاتف فيها الجميع. الا ان البعض يتوقع ان تلك الضربة في حال حدوثها ستمثل "طوق نجاة" لبن اليعيرز للخروج من موقفه الحرج، إذ سيصبح في حال نجاح الحكومة في التعامل مع الازمة، بطلاً في شكل أو آخر في عيون الإسرائيليين، الا ان ذلك سيعني ايضاً تزايداً في شعبية شارون بما يعني في النهاية تراجع فرصه في الفوز في انتخابات رئاسة الوزراء. وباختصار فإن ضربة اميركية للعراق ربما تحمل بن اليعيزر لرئاسة حزب العمل ولكنها لن تساعده في انتزاع رئاسة الوزراء لحزب العمل. - أن يدعو شارون الى انتخابات مبكرة، وعلى رغم أن ذلك لن يمنح الفرصة الكافية للفائز في انتخابات حزب العمل، لا سيما اذا كان متسناع، ان يستعد جيداً لها، الا ان التجربة التاريخية في ما يتعلق بالانتخابات المبكرة في إسرائيل تقول إنه باستثناء مناحيم بيغن لم يفز رئيس وزراء دعا الى انتخابات مبكرة بمقعد رئيس الوزراء مرة أخرى، كما أنه استقر في الفترة الأخيرة أن نمط التصويت في إسرائيل صار عقابياً بالأساس لمن هو في السلطة بصرف النظر عمن هو المقبل، وهو النمط الذي أتى بشارون إلى سدة الحكم على حساب باراك. ويبدو - من وجهة نظر الكاتب - أن معظم السيناريوات المتوقعة تنحاز الى مصلحة متسناع، وإن كان السيناريو الأفضل له، وبالتالي لحزب العمل، هو أن يصر بن اليعيزر على استمرار بقاء حزب العمل في الحكومة وأن يقوم شارون بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، فهذا السيناريو، وإن كان لا يمنح الوقت الكافي لمتسناع للإعداد الجيد للانتخابات، إلا أنه يضعف كلاً من بن اليعيزر وشارون. ولكن حتى لو اتخذ بن اليعيزر قراراً بانسحاب حزب العمل من الحكومة ودعا شارون الى انتخابات مبكرة، فإن الموقف يظل في مصلحة متسناع الى حد بعيد، بالنظر الى الدعم الكبير الذي يحوزه داخل حزب العمل حالياً وخصوصاً من جانب الحمائم في الحزب، الذين يسعون الى إخراج الحزب من عثرته التي يرون أنها ستتفاقم مع بن اليعيزر. أما اذا فاز متسناع برئاسة حزب العمل ثم انسحب الحزب من الحكومة ولم يغامر شارون بالدعوة الى انتخابات مبكرة، فمعنى ذلك أن حكومته ستضعف كثيراً وستكون عرضة للانهيار عند أول ازمة تواجهها، وعلى الارجح لن تستطيع إكمال مدتها حتى بداية سنة 3003، وهو ما يعني ان شارون سيضطر في النهاية الى الدعوة الى انتخابات مبكرة. ومن ثم يمكن القول إن عودة حزب العمل الى السلطة، على رغم الأزمة الداخلية التي يعانيها حالياً، تبدأ من فوز متسناع برئاسة الحزب، وبالتالي استقالة الحزب من الحكومة الحالية، بما يدعم من شعبية الحزب ومتسناع في الانتخابات المقبلة، مبكرة كانت أو عادية. ويعني ذلك في النهاية أن الكرة في ملعب حزب العمل إن كان يريد بحق العودة الى السلطة، وذلك بإفساح المجال لمتسناع لإعادة انتاج تجربة سلفه رابين عام 1992. باحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في صحيفة "الأهرام" القاهرية.