هل تقدر مصر والمملكة العربية السعودية مدى الخطر الذي تواجهانه من حليفتهما اللدودة الولاياتالمتحدة؟ ادارة بوش تريد انهاء شعور العداء للولايات المتحدة بنشر الديموقراطية من طريق بناء صحافة أكثر حرية وحكومات محلية فاعلة ومنظمات أهلية مؤثرة، وهناك مشاريع لتدريب النشطين في العمل الديموقراطي في المغرب والبحرين ولبنان، وسيُعلَّم المواطنون وسائل مراقبة الانتخابات وبناء الأحزاب السياسية والمواصلات، مع ندوات لصحافيين من 11 بلداً وتدريب القادة النقابيين على العمل للحرية السياسية والانفتاح والمحاسبة. تستطيع الولاياتالمتحدة أن تخفف حدة العداء لها من دون ان تفعل شيئاً مما سبق، وفوراً، إذا خففت من التزامها الكامل بإسرائيل، ومن تشجيعها الجرائم الشارونية ضد الفلسطينيين. غير ان المشكلة ليست هنا أو هناك، بل هي ان ما تزعم الولاياتالمتحدة انها ستسعى الى تحقيقه في بلداننا مفقود فعلاً، فغياب الديموقراطية عن البلدان العربية يجعل ادارة بوش قادرة على ان تطالب بالحكم في البلدان العربية، وهي قررت ما نحتاج اليه، وقررت كذلك وسائل تحقيقه. ادارة بوش أعلنت عدم منح مصر مساعدات اضافية رداً على الحكم بالسجن على الدكتور سعد الدين ابراهيم. و"نيويورك تايمز" قالت ان الادارة وجهت "الرسالة المناسبة" الى مصر، أما "لوس انجليس تايمز" فدعت الى الاستمرار في الضغط على مصر، وقررت ان التهم ضد الدكتور ابراهيم ملفقة. كيف عرفت الجريدة ان التهم ملفقة؟ المشكلة ليست ان التهم ملفقة أو صحيحة، وانما ان يحاكم داعية الديموقراطية المصري هذا أصلاً، فقد كان يجب أن تتوقع الحكومة المصرية ردود الفعل على المحاكمة، وان تحسب الخسائر المتوقعة ثم تقرر ان كانت التهم ضد الدكتور ابراهيم توازيها أهمية. أقول ان القضية ما كان يجب ان تصل الى المحاكم، لأنها أعطت أعداء مصر ذخيرة حيّة، ضدها. كان توماس فريدمان أول من حرّض على مصر بعد صدور الحكم، وهو في مقال لاحق تحدث عن "أوتوقراطية" النظام في مصر والمملكة العربية السعودية، واستشهد ب"خبير" مثله في الشرق الأوسط هو ستيفن كوهن. وب"خبير" آخر في الديموقراطية هو لاري دياموند. ولا يجوز ان نقول ان يهودياً أميركياً يستشهد بيهوديين أميركيين، لأن فريدمان جيد، وأفضل كثيراً من أمثال وليام سافاير، وإذا كان هذا رأي معلق معتدل، فماذا ابقينا لليكوديين الشارونيين في الصحافة الأميركية. جيم هوغلاند، وهو أيضاً صحافي قديم وخبير حقيقي في الشرق الأوسط. كتب في "واشنطن بوست" مقالاً بعنوان "يجب ان ينقذ السعوديون أنفسهم". وهو على الأقل لم يطالب باحتلال عسكري أميركي لانقاذ البلاد والعباد، ثم انه لا يقصد أن ينقذ السعوديون أنفسهم من حليفتهم المزعومة. الصحف الأميركية الثلاث التي وردت اسماؤها في السطور السابقة نافذة جداً ومعتدلة ومتزنة، وإذا كان هذا موقفها من مصر والمملكة العربية السعودية وكل بلد عربي آخر، فهناك مشكلة لن تذهب بتحميل اسرائيل المسؤولية عنها، فأنصار اسرائيل قطعاً وراء الحملة، إلا انهم ما كانوا نجحوا لولا وجود مشكلة حقيقية في البلدان العربية تتمثل في انعدام الممارسة الديموقراطية في أكثر هذه البلدان ومحدوديتها في أقلية منها. أسوأ من كل ما سبق ان الحملة تجاوزت حدود المعقول والمقبول، لتطاول الإسلام كدين سماوي توحيدي. وعندما قررت جامعة نورث كارولينا تعليم الإسلام لطلابها قامت عليها حملة لم تقعد بعد، وقال المذيع التلفزيوني بيل أورايلي ان تعليم القرآن اليوم هو مثل تعليم "كفاحي"، أي كتاب هتلر، في الحرب العالمية الثانية. "واشنطن بوست" ردت في مقال افتتاحي رداً ممتازاً على الحملة، ودافعت عن النص القرآني العظيم، كما وصفته، غير ان الهجوم والدفاع يظهران بوضوح ان الإسلام أصبح مطروحاً كعدو منذ ارهاب 11 أيلول سبتمبر الماضي. وعندي بعد ما سبق ملاحظات سريعة: - ادارة بوش قالت كلمة حق أرادت بها باطلاً، فليست هناك ديموقراطية في البلدان العربية، غير ان الهدف الأميركي هو "تطويع" العرب لا نشر الديموقراطية. - هناك خطر داهم على جميع البلدان العربية، ولكن التركيز هو على مصر، كأكبر دولة عربية كثافة سكانية، وعلى المملكة العربية السعودية، كأكبر قوة اقتصادية. - الحكومات العربية أكثر اعتدالاً من الشعوب العربية، وانتشار الديموقراطية سيزيد وضوح العداء للولايات المتحدة واسرائيل. - الاصلاحات الأميركية المقترحة، كما فهمتها، ستحول دون المسلم وممارسة شعائر دينه لأنها ستمنعه من مساعدة اخوانه المسلمين، بحجة الخوف من الارهاب، أي انها تحرّم أداء الزكاة. وأخيراً، البلدان العربية تعاني من كل العلل التي تحدث عنها الأميركيون ولا يجوز إنكار ذلك، ولكن لو ان مصر والمملكة العربية السعودية وغيرهما توقفت عن دعم الفلسطينيين وقبلت مساعدة الولاياتالمتحدة في حربها المقبلة على العراق، هل كان حديث الديموقراطية واصلاح الأنظمة تردد؟ ما تريد ادارة بوش هو اخراج العربي والمسلم من انتمائه القومي والديني ليلبس ثوباً فصّلته اسرائيل على قياسها، وهذا لن يكون.