هذا الكتاب محاولة لعرض الأحداث التي رافقت السقوط المأسوي لموردخاي فعنونو بسبب محاولته القاء الضوء على دور الحكومات التي ساندت عملاً من الأعمال المنافية للشرعية والانسانية وغضت النظر عنه على رغم ما يصيب به النفس من غثيان وهو مساعدة اسرائيل على تطوير قنبلة نووية. ويروي بيتر هونام، مؤلف كتاب "من قتل ديانا"، جوانب خفية من قصة فعنونو، في محاولة جديدة لفتح هذا الملف وممارسة الضغط داخل اسرائيل من أجل تحرير رجل أراد ببساطة أن يخبر شعبه كيف أن طغمة من السياسيين والجنرالات أنفقت سراً مبالغ هائلة من المال العام. "الحياة" تنشر حلقات من الكتاب، تناولت السابقة منها قصة اللقاء الاول بفعنونو في سيدني واحضاره الى لندن وخطة الاستخبارات الاسرائيلية بالايقاع به. وفي الحلقة الأخيرة يروي هونام تفاصيل الخطة التي دبرتها الاستخبارات الاسرائيلية لخطف فعنونو ونقله الى الدولة العبرية ويكشف قصة "امرأة الموساد" الغامضة التي أوقعت بالفني الاسرائيلي وأقنعته بمرافقتها في رحلة استجمام الى العاصمة الايطالية ما لبثت ان انتهت في زنزانة تابعة ل "موساد" في تل أبيب . ترجمة: ابراهيم محمد ابراهيم، ويصدر الكتاب قريباً في منشورات الجمل في المانيا مع تقدم معرفة مورد بسيندي كانت "صاندي ميرور" تكافح لتجد معنى معقولاً لقصة جيريرو وتفحص صوره. وبعدما وضعوه في عدد من الفنادق المتواضعة حجزوا له حجرة 317 في فندق "اكيلستون" تحت اسم خورخي بوينو. وأثناء ذلك الأسبوع مر بفترة اختبار حيث سحقته أسئلة المخبرين الصحافيين العاملين في الصحيفة الشعبية. دخل المخبرون الصحافيون حجرة جيريرو في الفندق لتفتيشها باحثين عن أدلة تثبت صدقيته غير أنه كان يحمل كل شيء في حقيبة أوراقه الضئيلة. ذهب صحافيان بطلب من رئيس تحرير "صاندي ميرور" مايك مولوي الى السفارة الاسرائيلية ليعرضا على الملحق الصحافي افيات مانور بعض الصور الفوتوغرافية سعياً للحصول على جواب رسمي. قال مانور: "لا يوجد ولم يوجد قط عالم بهذا الاسم يعمل في الأبحاث النووية في اسرائيل. يمكنني أن أؤكد أن شخصاً اسمه موردخاي فعنونو كان يعمل فنياً صغيراً في لجنة الطاقة الذرية". كان ذلك بالنسبة لرجال "صاندي ميرور" دليلاً آخر على أن جيريرو أفاق، خصوصاً انه طلب في البداية 200 ألف جنيه مقابلاً لقصته، وخلال ثلاثة أيام هبطت مطالبه في شكل درامي الى 25 ألف دولار قبل ان ينتهي الاتفاق على خمسة آلاف دولار فقط. لكن بعض محرري الصحيفة ساورهم الشك في أن جيريرو تمت رشوته أو تهديده ليأخذ القصة اليهم وأن صحيفتهم ضالعة في عملية افساد، للتقليل من قيمة أي شيء قد تنشره "صاندي تايمز" خصوصاً أن "صاندي ميرور" كانت مملوكة لروبيرت ماكسويل الذي أحيا من جديد عواطفه الصهيونية. الأحد في 28 أيلول ظهرت على صفحتين داخليتين في "صاندي ميرور" قصة مثيرة تحت عنوان "قصة اسرائيل الغريبة وأحد العاملين في الطاقة النووية". وكانت صورتان من الصور التي التقطها فعنونو لديمونا منشورتين في مكان بارز وأربع من مجموعة جيريرو تصوره مع شخصيات عالمية واللقطة التي أخذتها للكولومبي مع فعنونو على أحد الشواطئ في أستراليا وأعطيتها لجيريرو قبل أن أتجه الى لندن. تم تجميع الفقرات الأولى القليلة في شكل ماكر اذ تشكك في جيريرو غير أنها تترك الباب موارباً في ما يتعلق بأن بعضاً من قصته ربما يكون في الواقع حقيقياً. وكان معنى صورة فعنونو التي وصفه فيها تعليق "صاندي ميرور" بأنه مصدر المعلومات، أنه معرض لخطر التعرف عليه في فندق "ماونتباتن". مساء الجمعة 26 أيلول ذهب براغنيل وروجر الى الفندق لتحذير مورد بالتزام المزيد من الحرص وأبلغاه وضعه تحت رقابة أوثق. كما كانا يحملان خبراً سيئاً آخر. اذ تقرر عدم نشر قصته في نهاية ذلك الأسبوع لأن رئيس التحرير عاد من زيارة الى الولاياتالمتحدة في اليوم السابق ويريد اجراء المزيد من التحقق. استشاط فعنونو غضباً وهو يشكو بمرارة من أنه لا فائدة تُرجى من اجراء المزيد من البحث، لكن ما أثاره أكثر كان وضعه تحت المراقبة على مدار الساعات الأربع والعشرين، وللمرة الاولى أفصح عن انه قد يغادر لندن لبعض الوقت. "ربما الى أوروبا أو الى الريف أو الى يورك". قال ويلشر انه لا بد أن يناقش هذه الفكرة مع مورغان معتبراً أنها سيئة من الناحية الأمنية. في الثامنة مساء ذهب براغنيل وويلشر وفعنونو الى "ثيسل تاور" لأخذ ملابس تركها مورد للتنظيف هناك. وأعاده براغنيل الى "ماونتباتن". صباح الأحد ذهب براغنيل الى الفندق في الحادية عشرة صباحاً، وحين اقترح عليه الانتقال الى فندق آخر استشاط غضباً، اذ أن بقاءه في فندق "ماونتباتن" كان الطريقة الوحيدة التي تمكن سيندي من العثور عليه. اصطحبه براغنيل الى مطعم "تتون" في شارع راسل في حي كوفنت غاردن، وتركه في فندق ماونتباتن في الخامسة مساء. بعد ذلك بساعتين رآه ديفيد كونيت أحد صحافيّي "صاندي تايمز" صدفة في ميدان ليسيستر بصحبة امرأة شقراء تتطابق أوصافها مع المرأة التي رآها براغنيل خارج قاعة تيت. كانا يتجولان خارج سينما "أي بي سي" فتبعهما لفترة قصيرة. صباح الاثنين بدأوا في الصحيفة ينظرون الى علاقة فعنونو بسيندي واستيائه من "صاندي تايمز" جدياً. أحضره براغنيل الى المكتب في الحادية عشرة صباحاً حيث تحدث مع مورغان. قال انه سئم من التركيز عليه، وكشف عن رغبته في الذهاب "الى أوروبا". ثم جاء الى مكتبي وأخبرني أنه التقى سيندي مرات عدة. قال انها أميركية و"لطيفة جداً". وأضاف انها يهودية لكنه أصر على انها لا تشكل أي خطر عليه "فهي مجرد سائحة ولديها انتقادات على اسرائيل". أغضبني أن فعنونو ظل لأيام يلتقي بهذه المرأة بعلم صحافيي فريق الاستقصاء والبحث من دون أن يداخلهم شك. كان الاستثناء الوحيد كونيت الذي دق جرس الانذار على الفور بعدما رآهما في الليلة السابقة. قلت له: "هذه المرأة ربما تكون من الموساد". امتقع وجهه وجزم بأنها لا تشكل أي خطر. لكنني لم أقتنع بكلامه. لم يذكر فعنونو لي شيئاً عن الذهاب الى الخارج غير أنه أشار الى أنه قد يذهب الى شمال انكلترا. غادر المكتب في الثالثة والنصف لشراء ملابس. وفي وقت مبكر من المساء اتصل مرة أخرى ليقول ان خططه للرحيل وضعت. اتصلوا بي في المنزل وطلبوا مني أن أقوم بمحاولة أخيرة لاقناعه بالبقاء. وللمرة الأولى كان لا بد من اخباري عن مقر اقامته في "ماونتباتن". لكنه كان في الخارج طيلة المساء ولم يعد الا في الحادية عشرة والنصف ليلاً. حين تحدث الي أخيراً كان منزعجاً وأخبرني أنه "ذاهب خارج المدينة". وأكد انه سيعود بعد ثلاثة أيام، فطلبت منه وعداً بالاتصال بي هاتفياً ثلاث مرات يومياً في المكتب أو في المنزل. في الصباح اتصل بمكتب الصحيفة في الحادية عشرة وطلب أندرو نيل أو روبين مورغان غير أن كليهما كان خارج الصحيفة فأخذت المكالمة ولم تكن سوى تكرار لمحادثة الليلة السابقة. قال انه سيعود الخميس. وكان هذا آخر اتصال منه اذ غادر الفندق في الصباح التالي واختفى. أثناء ذلك طرت الى الولاياتالمتحدة لأعرض الصور والمعلومات على الدكتور ثيودور تيلر وهو خبير شهير في الأسلحة النووية ومصمم للأسلحة الانشطارية المصغرة. كان تيلر يرى أن ما تم الكشف عنه على درجة عالية من الأهمية وان اسرائيل متقدمة في هذا الميدان أكثر مما كان متوقعاً. يوم الأربعاء أبلغت أن فعنونو لم يجر أي اتصال. عدت الى لندن الجمعة وكانت القصة جاهزة للنشر غير أن فريق الاستقصاء والبحث كان في حال من الهياج. اذ لا أثر لشاهدنا الرئيس. كان أندرو يواجه محنة حادة، وهي هل يفجر القصة الأحد المقبل أم يؤجلها مرة أخرى. وعلى رغم اختفاء فعنونو فان بعض الشكوك العالقة بالقصة وجدت جواباً عليها. ففيما اعتقدت "صاندي ميرور" أن اعلان السفارة الاسرائيلية بأن فعنونو ليس عالماً نووياً وانما هو فني دليلاً على الاحتيال، كان البيان نفسه مفيداً لنا. اذ أن وظيفة فني هي ما دأب فعنونو على ادعائه. والأهم من ذلك أن معلومات وصلت من اسرائيل بأن شيمون بيريز جمع لجنة المحررين التي تضم الصحف الكبرى وحذرهم بأن قصة كبرى ستتفجر، وأبلغهم بصرامة بضرورة التعاون من أجل المصلحة القومية. في أحد اجتماعات كبار المسؤولين في "صاندي تايمز" وأعضاء فريق الاستقصاء مساء الجمعة عرض نيل الأخطار المترتبة على الاستمرار من دون فعنونو. جادلت بأنه تم البحث والتحقق من كل ناحية وأن المعلومات الفنية فحصت مع الخبراء على جانبي الأطلسي. كما أن الصور الفوتوغرافية التي التقطها فعنونو ستكون مقنعة حتى من دون وجوده وان التأخير لن يضيف الى ما نحن عليه من يقين. لم تكن وجهة نظري راجحة فمن بين 20 من كبار الأعضاء المجتمعين في مكتب نيل لم ينصح بالاقدام على المجازفة سوى اثنين. في النهاية أنهى نيل واحداً من أشد مؤتمرات أسرة التحرير اثارة، وقال: "سننشرها. ابدأوا في اعداد الصفحات". واستدار اليّ مغمغماً: "ان قتل القصة هو الاختيار السهل. يستحسن أن تكون على صواب". الوقوع في الشرك ما حدث في روما ظل لغزاً لفترة طويلة، حتى تسربت نتف من المعلومات من قبل أولئك الذين كانوا على صلة وثيقة بالقضية أي عائلة فعنونو والأمن الاسرائيلي. اتضح ان سيندي أقنعت موردخاي بالذهاب الى ايطاليا، ولا بد أنها استفادت كثيراً من غضب مورد من "صاندي تايمز" وكذلك من المقالة الخطرة التي ظهرت كصدفة سعيدة جداً ل"موساد" في "صاندي ميرور". ابتاعت تذكرتين على درجة رجال الأعمال على طائرة الخطوط الجوية البريطانية من مكتب توماس كوك في بيركلي واستقلا سيارة أجرة الى مطار هيثرو وجلسا معاً في الصف السادس في درجة رجال الأعمال وطارا في ذلك المساء في الرحلة 504. هبطت الطائرة في السادسة وثمان وعشرين دقيقة متأخرة بضع دقائق عن موعدها وكانت في استقبالهما احدى صديقات شقيقة سيندي. انطلقوا الى أطراف روما وتوقفت السيارة عند كتلة من الشقق السكنية وصعد مع سيندي التي كانت تبدو عصبية. فتحت باب احدى الشقق امرأة ذات شعر داكن، فافترض أنها شقيقة سيندي. وأشارت اليه بالدخول. وفي جزء من الثانية أدرك حماقته. اذ اندفع اليه رجلان فجأة وضرباه بقوة فتهاوى على الأرض، وقيدا ذراعيه وساقيه بالسلاسل. جثت المرأة ذات الشعر الداكن وأمسكت بذراعه ودفعت بهدوء بسن حقنة تحت الجلد في احدى العضلات. وبعدما التهمه الذعر وجد نفسه في حال من الخدر وغاب عن الوعي. وحصل "موساد" على صيده الثمين. أفاق في عربة نقل تقطع الطريق على أحد الطرق السريعة. وأفاق مرة أخرى ليجد نفسه راقداً على سرير من تلك التي عادة ما توجد في السفن في حجرة بلا نوافذ. وعندما استيقظ في المرة التالية بدأ الرجلان اللذان هاجماه في روما بقصفه بسيل من الأسئلة. كان مخدر الذهن والحواس يملؤه الخوف والغضب غير أنه رفض الاجابة. بعد أيام اقتيد على نقالة الى عربة لنقل المساجين راسية خارج الميناء. وخلال ساعتين كان في زنزانة صغيرة مظلمة في مقر "موساد" في تل أبيب. وجلس ساعات في رعب وتساءل عما ستكون خطوتهم التالية. وأخيراً انفتح الباب ووقف رجل أمامه وألقى بصحيفة. كانت نسخة من "صاندي تايمز" تحمل قصته في الصفحة الأولى ومعها صورة لمفاعل ديمونا. وخاطبه: "انظر الى الضرر الذي تسببت فيه"، فأحس مورد بشعور جديد. اذ على رغم أنه كان خائفاً من أنهم قد يتخلصون منه سراً الا انه كان يشعر بالابتهاج. وأحس بالزهو لأن محنته لم تضع سدى، ولأن "موساد" لم تتمكن من وقف النشر. غرر بفعنونو للخروج من بريطانيا تجنباً لأي احراج سياسي لصديقة بيريز العزيزة مارغريت ثاتشر. ولا شك في أن الحظ كان له دور غير أن اقناعه بأن يذهب بمحض اختياره كان عملاً ذكياً. اذ أن المرحلة الثانية من العملية كانت أكثر سهولة. وفي غضون ذلك شنت اسرائيل حملة تضليل، فبعد ثلاثة أسابيع نشرت صحيفة "نيوزويك" الأميركية أنه عاد الى اسرائيل بعدما أغرته "صديقة" وتمكنت من "اقناعه" بركوب أحد اليخوت وما أن أصبح في المياه الدولية حتى قبض عليه طاقم من عملاء الموساد أعادوه الى اسرائيل. وينطوي هذا الكلام على أنه لم ترتكب مخالفة ضد قوانين أي دولة أوروبية في عملية الخطف، مع ان فعنونو في الواقع اعتقل بعد ساعتين من هبوطه على التراب الايطالي خرقاً للقانون الايطالي وللقانون الدولي. واذا كان القبض على مورد انجازاً مهماً غير أن جانباً من العملية المخططة للإقلال من الضرر الناتج مما أدلى به أصابه قدر أقل من النجاح. اذ مضت "صاندي تايمز" في نشر قصة المجمع. ولا بد من الاشارة الى نقاط كثيرة سبقت خطف موردخاي. اذ أقر رئيس تحرير "صاندي ميرور" مايك مولوي ان مالك الصحيفة اليهودي روبرت ماكسويل الذي كان على علاقة طيبة بالاسرائيليين طلب بحث الموضوع مع السفارة الاسرائيلية. كما هناك تساؤلات حول تصرفات جيريرو، اذ ان العديد من المهتمين بالقصة في تلك الصحيفة الشعبية يشعر بأن الكولومبي ربما تعرض للرشوة أو للتهديد ليخون فعنونو. اذ لا بد أن جيريرو أدرك أنه بذهابه الى "صاندي ميرور" كان يجازف بصفقته معي بدفع 25 ألف دولار في مقابل خمسة آلاف دولار فقط. والأمر الأكثر غرابة أن الصفقة تبخرت ولم يطالب أياً من الصحيفتين بنقوده حتى اليوم. لذا هناك احتمال وجود شخص آخر قام بالدفع. في الأسابيع التي تلت عملية الخطف كابدنا الكثير لحل لغز المكان الذي ذهب اليه فعنونو بعدما غادر الفندق في لندن. ولكن مع مرور الوقت كشف فعنونو نفسه هذا السر بأسلوب مثير. ففي 22 كانون الاول ديسمبر كان مقرراً له أن يدلي بأقواله مرة أخرى فيما كان الصحافيون والمصورون ينتظرون أمام مدخل مجمع محاكم منطقة القدس. وفيما كانت سيارة الشرطة تتوقف في انتظار فتح البوابات رفع فعنونو يده الى النافذة، وعلى كفه كانت رسالة مكتوبة على عجل فيما التقطت آلات التصوير حارساً يحاول جذب ذراعه بعيداً. كانت الرسالة مكتوبة بحبر أسود وتقول "خطف فعنونو م. في روما. اطا.30/9/86. 2100 حضر الى ايطاليا في رحلة 504". كان اسمه مكتوباً كتوقيع ما جعل الرسالة بياناً موقعاً بأنه خطف بطريقة غير قانونية في ايطاليا. بعدما حصلنا على هذه المعلومات بما في ذلك رحلة الخطوط البريطانية التي أخذها من هيثرو بدأنا مباشرة في استكشاف الاسم الذي استخدمته سيندي حين كانت تشتري تذكرتها. كان فعنونو يجلس في المقعد السادس في الصف السادس بجوار النافذة فيما كانت الآنسة ش. هانين في المقعد المجاور له. اذا أخذنا ميل الموساد لاعطاء عملائها هويات مستعارة فانه يعد من قبيل الرهان المعقول أنه كانت هناك امرأة اسمها سيندي هانين في مكان ما استخدمت هويتها من جانب خاطفة فعنونو. فهل من الممكن لها أن تلقي بعض الضوء على المرأة التي تنكرت في شخصيتها؟ بعد أبحاث موسعة في بريطانيا واسرائيل والولاياتالمتحدة تم اكتشاف امرأة اسمها سينثيا سينديهانين تبلغ من العمر 22 سنة تسكن في سبيغلاس كوف لونغوود خارج أورلاندو في فلوريدا. ومن قبيل المصادفة انها كانت طالبة في المدرسة بعدما عملت في وقت ما مساعدة اخصائية تجميل. لكن كان واضحاً أن سينديهانين هذه من غير المحتمل أن تكون متورطة في عملية الخطف. اذ في الوقت الذي خطف فيه فعنونو كانت تعرف باسم سيندي موريس. ولم تتزوج زميلاً لها في المدرسة الثانوية هو راندي هانين حتى الثاني من تشرين الثاني نوفمبر 1986 بعد اختفاء فعنونو بشهر. ولم تكن أسرة هانين تبدو من بين اللاعبين في حكاية التآمر الدولي. الا ان المفاجأة ظهرت أخيراً مع شيريل شقيقة راندي الكبرى البالغة من العمر 26 سنة. في ذلك الحين كانت شيريل التي تشبه بنيتها سيندي التي شوهدت مع فعنونو تعيش في اسرائيل، وكانت متزوجة من عوفار بينتوف وهو رائد سابق في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية. غادرت شيريل الولاياتالمتحدة الى اسرائيل عام 1978 بعد رحلة دراسية عشقت خلالها هذا البلد. وبعدما التحقت بالجيش الاسرائيلي قررت الانضمام الى كيبوتز في حيفيزيباح في اقليم الجليل. حصلنا على صور فوتوغرافية لشيريل من أيام الكلية وأخرى وهي تحضر عرساً عائلياً مع زوجها بينتوف. وعندما تفحص ماكس براغنيل وديفيد كونيت الصور بعناية، أكدا ان شيريل هي سيندي التي أوقعت بفعنونو. وعندها حان الوقت لزيارتها. كانت التحريات التي قمنا بها في أورلاندو أسفرت عن عنوان لشيريل بنتوف وزوجها في شارع ستروما في ناتانيا وهي منتجع على بعد 32 كيلومتراً شمال تل أبيب. طرت أنا وديفيد كونيت الى اسرائيل وحجزنا في أحد الفنادق في ناتانيا كسائحين. في البداية لم يكن هناك أحد في منزل أسرة بنتوف وهو منزل متواضع من طابق واحد قرب الطريق السريع بين حيفا وتل أبيب. حين اتجهنا الى الباب الأمامي استطعنا أن نرى شيريل ومعها امرأة أكبر سناً في الحديقة الخلفية. دققت جرس الباب فدخلت شيريل فاتحة الباب الأمامي بعد ذلك بلحظات. بادرتها بالقول: "نحن من صاندي تايمز في لندن. كنا نقوم بتحقيق في أحد الموضوعات. هل يمكننا الدخول لنتحدث قليلاً؟". لبرهة بدا في عينيها بريق ينم عن صدمة. "آآآ. أجل. تفضلا". أجابت وهي تتقدمنا داخل المنزل. ثم تركتنا في حجرة الجلوس وخرجت الى الحديقة كي تتشاور مع المرأة الأكبر سناً. بعد ذلك بلحظات دخلت المرأتان المنزل وقدمت شيريل المرأة الأكبر قائلة انها أمها. قلت: "أنا أحد الذين أحضروا موردخاي فعنونو الى بريطانيا من أستراليا. لا بد أنك تعرفين كل ما يتعلق بهذا الموضوع. نحن مهتمون للغاية باكتشاف من تكون المرأة التي تسمى سيندي والتي أحضرت موردخاي. أنت هي تلك المرأة. تحققنا من هذا بما لا يدع مجالاً لأي شك. اذ من الواضح أنك كنت تعملين لجهاز الاستخبارات السري الاسرائيلي وكانت لزوجك صلة بهذا. كما أني مهتم ب...". فقاطعتني: "هل تقول أن زوجي على صلة بالاستخبارات الاسرائيلية؟ من أين عرفت هذا كله؟". فأجبت: "من الواضح أن أحد الأشياء الوثيقة الصلة بهذا هو اسم سيندي وهوية الشخصية التي اتخذتها"، فأجابت: "أنا لا أدعى سيندي". "لكن هذا هو اسم شقيقة زوجك". "انك تعرف كل شيء عن عائلتي". أشرت الى أنها لم تنكر ولو مرة واحدة أنها سيندي. فصاحت وهي تنهض "اني أنكر هذا. وأنكر كل شيء"، فأدركت أن المقابلة انتهت والتقطت آلة تصوير معلقة حول رقبتي وأخذت لقطات عدة. فجرت الى حجرة نوم وهي تحاول تغطية وجهها وأغلقت الباب. في اليوم نفسه اتصلت بزوجها تليفونياً على رقم منزله في ناتانيا: "حضرت أنا وأحد الزملاء لمقابلة زوجتك". فأجاب: "نعم. قالت انكما حضرتما تسألان أسئلة حمقاء متسببين في ضيق لها هي وأمها". أعربت عن أسفي لذلك وطلبت ان نحضر ثانية لنسأل بعض الأسئلة فرفض وهدد بالاتصال بالشرطة. في المساء كان المنزل مهجوراً. وبعد المقابلة ببضعة أيام ردت امرأة على تليفون أسرة بنتوف وقالت ان شيريل "تقوم برحلة في السفاري الأفريقية". وبعد ذلك بثلاثة أشهر قال عمال البناء الذين كانوا يعملون في المنزل ان أسرة بنتوف تسكن في تل أبيب. وبعد ستة أشهر حين كان ارتفاع العشب بلغ قدماً في الحديقة والبرتقال يثمر فوق أشجار الفاكهة قالت احدى الجارات ان أسرة بنتوف تسكن في احد الكيبوتسات. هل عثرنا على سيندي؟ يبدو أننا وجدناها. اذ أن شيريل استعارت هوية شقيقة زوجها. رآها صحافيان كما أن كونيت الذي كان معي حين واجهنا شيريل كان مقتنعاً بأنها هي المرأة التي رآها مع فعنونو في ميدان ليسيستر. لكنها في اسرائيل لم تعد شقراء أو تستعمل الكثير من مساحيق التجميل. اذن من ناحية مثالية كنا في حاجة الى المزيد من الأدلة. وجاء الدليل من اكتشافي أن امرأة اسمها شيريل هانين أقامت في فندق "اكلستون" في لندن قبيل وصول أوسكار جيريرو الى الفندق نفسه للاقامة. وكانت جنسيتها الموضحة أميركية. انتهى التعقب ولكن هل كان هذا هو كل شيء؟ وهل كانت بنتوف تعمل من أجل اسرائيل فقط أم هل كانت تساعد الولاياتالمتحدة أيضاً؟ ما يثير الشهية أن قصة ظهرت في الولاياتالمتحدة توحي بهذا بالضبط. كانت مجلة "سبوتليت" ورقة اخبارية يمينية معادية للسامية يديرها المليونير الغريب الأطوار ليندون لاروش وتعرف بصلاتها الجيدة بأوساط الاستخبارات الأميركية، نشرت تقريراً كشف أن فعنونو خطف في عملية مستترة قام بترتيبها عملاء من الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية. واستطرد التقرير "مع أنها لم يتم التعرف على شخصيتها باسمها الكامل أو الحقيقي الا أنه يعتقد أن سيندي مطلقة أميركية انتقلت من ميامي في فلوريدا الى اسرائيل وعملت لوكالة الاستخبارات المركزية كما أنها قامت ببعض التكليفات من أجل الموساد". وأضافت المجلة ان بيريز نفسه هو الذي جر أميركا الى المؤامرة "في مكالمة هاتفية مع البيت الأبيض شكا فيها من أن فعنونو عنصر مثير للاضطراب وخطر على الأمن يحاول بيع أسرار ذرية لمن يدفع أكثر بما في ذلك الاستخبارات السوفياتية". لذا لا غرابة ان يعتقد الكثيرون في اسرائيل ممن لهم صلة وثيقة بقضية فعنونو أن أحد أسباب الستار الأمني الكثيف كان ناتجاً من الخوف من افتضاح التورط الأميركي في العملية.