"ان الفلسطينيين يخسرون الدعم على الساحة الدولية وعليهم ان يقوموا بشيء ما. لكن الإشكالية بالنسبة إليهم تكمن في كيفية القيام بشيء ما من دون التسبب بانشقاقات في صفوفهم وبحرب أهلية بينهم. ولذلك فهم يحاولون انشاء اجماع واسع على مبادئ هي مرفوضة كلياً من اسرائيل". هذا كان تعليق الناطق باسم رئيس الحكومة الاسرائيلية، رعنان غيسين، على محادثات الفصائل الفلسطينية المتعددة في غزة، للاتفاق على "وثيقة برنامج وطني" موحّد في مواجهة المرحلة المقبلة. وإذا كان غيسين يعيب على قادة المنظمات الفلسطينية الذين يسعون الى التوافق على وثيقة سياسية تحظى بالاجماع، انهم يتجنّبون الاتجاه نحو خلاف يؤدي الى صدام بينهم، فإنه حدد، من موقع العدو، ما يجب ان تنتهي إليه الفصائل الفلسطينية: الأخذ في الاعتبار موازين القوى الدولية من أجل موقف موحد يساعد في تمتين الوحدة الوطنية في مواجهة نتائج الاحتلال الاسرائيلي لأراضي السلطة. وما قاله غيسين مغلفاً بلغة عقلانية، عن محادثات توحيد الموقف الفلسطيني، هو الوجه الآخر للانزعاج الاسرائيلي من سعي منظمة التحرير الى صيغة تحمي ما تبقى من انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وتؤمن قاعدة سياسية للصمود في وجه استمرار خطوات شارون بالاغتيالات وتدمير المنازل والتهجير وتدمير بنى السلطة الوطنية ومؤسساتها، ومنعها من إعادة بنائها بعد ما هدمته منذ عملية "السور الواقي"... فالمحادثات بين الأطراف الفلسطينية المختلفة من شأنها ان تحقق جملة أهداف سياسية مغايرة لما تسعى إليه اسرائيل وأميركا، اذ أنها تكرّس زعامة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي ما زال آرييل شارون يصرّ على أن لا سلام بوجوده على رأس الهرم الفلسطيني. وهي محادثات تتوخى مساراً للإصلاح داخل المؤسسات الفلسطينية مغايراً للمسار الذي يطالب به الأميركيون والاسرائيليون والذي يقود الى تقويض سلطة عرفات، والتمهيد مع الوقت لقيادة مطواعة أكثر في التنازلات السياسية تبدي استعداداً للموافقة على ما يجب الموافقة عليه عندما يحين الوقت المناسب لذلك. وعندما يصبح الجانب الاسرائيلي مستعداً لأي اتفاق. فمسار المحادثات الفلسطينية الداخلية يفترض ان ينتهي الى قيادة موحدة، تؤجّل الفرز السياسي الداخلي، في انتظار ان تنشأ ظروف تؤدي الى تغيير الموقف الاسرائيلي غير القابل لأي تسوية يمكن الفلسطينيين ان يختلفوا عليها. وأخيراً، فإن أكثر ما يدركه غيسين وغيره من القادة الاسرائيليين، ان المحادثات الفلسطينية، تهدف الى التوصل الى برنامج مرحلي بين الفصائل المختلفة، عنوانه كسب الوقت، على الساحتين الدولية والاقليمية، في مقابل سياسة كسب الوقت التي تلعبها واشنطن في ما يخص الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي عبر اشتراط الاصلاحات السياسية وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية الفلسطينية في أول عملية سياسية من نوعها لبناء مؤسسات دولة لم تقم. وهو ما لم يحصل في التاريخ وسيفشل، لأن ما ترمي إليه واشنطن هو إخماد هذا الصراع من أجل التفرّغ لحربها ضد العراق. لكن الأهم ايضاً ان سياسة كسب الوقت الفلسطينية، قد تتم فيما يتهيأ الوضع الاسرائيلي الداخلي لسجال يفضي الى انتخابات مبكرة آخر هذا العام، ويسمح ببروز مشكلات اسرائيل، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الى السطح مجدداً. وهذا ما يعتبره شارون ومحيطه خسارة للوقت، في تنفيذ خطواته ضد الفلسطينيين، فيؤخرها بسبب استحقاقات داخلية تلهيه عن سفك المزيد من الدماء. ان نظرة الاسرائيليين الى جهود توحيد الموقف الفلسطيني، كافية كي يتوحدوا فعلاً. ومع ان خلاف المنظمات الفلسطينية هو على نقطة جوهرية: التسليم أو عدم التسليم بقيام دولة على الأراضي المحتلة عام 1967، ووقف العمليات خارج هذه الأراضي، فإن في أدبيات المنظمات التي ترفض الاعتراف بتلك الحدود، ما يسمح لها بالتوصل الى "حل وسط".