لا يختلف اثنان على ان الحرب المقبلة على العراق وفي العراق هي حرب بلا شعبية، اولاً لانها ليست مضمونة النتائج، فلا تنحي الرئيس صدام حسين يبدو وارداً ولا اطاحته كافية لابعاد شبح تشرذم البلد… الا اذا تسلم الاميركيون السلطة الفعلية وعينوا زعماء المعارضة مخاتير في المحافظات، مرحلياً. ثانياً، هي حرب بلا شعبية لانها تشن بالمقياس الاميركي ل"النيات الشريرة" لدى الذين يعتبرهم الرئيس جورج بوش اسوأ قادة العالم، كونهم يسعون الى امتلاك اسلحة الدمار الشامل او تطويرها. ولو كان المكيال واحداً، هل تعلن واشنطن الحرب على بيونغ يانغ او طهران، بل حتى القاهرة التي روّجت دوائر معروفة في الولاياتالمتحدة ل"صفقات" حصولها على صواريخ بالستية من كوريا الشمالية...؟ واذا كان صعباً ان يجد "صقور" ادارة بوش حماسة لدى بعض العرب لضرب العراق، فالحال ذاتها تنطبق على الغرب الذي تعاطف مع اميركا الجريحة بعد 11 ايلول سبتمبر، لكنه لا يرى مقياس النيات كافياً لتبرير حرب لا يمكن التكهن بتداعياتها على المعادلة الاقليمية. وإذا كان مجرد الشبهة باخفاء أسلحة محظورة يثير الشهية لتجييش الجيوش، كم حملة تكتسب "شرعيتها" بذريعة حماية العالم من الشرور، وتفادي تحول الحرب على الارهاب حرباً نووية؟ كل ذلك لا يعني الغاء المعضلة العراقية، فحتى اصدقاء بغداد بمن فيهم الروس، لا يستطيعون ايضاً تقديم الدليل المعاكس، على براءتها من الشبهات الاميركية، وهذا هو الوجه الآخر للأزمة الذي لم يتغير منذ وقع العراق صك الاستسلام عام 1991. وما لم يتغير في بغداد ما زال ثابتاً في واشنطن: فلا الاولى قادرة على اقناع احد ببراءتها، ولا الثانية استطاعت اثبات اتهاماتها ولو لأقرب الحلفاء. لذلك، ما على العالم الا ان يتفرج، لا سيما ان الاميركيين جاهزون ولو بمفردهم لخوض الحرب، حتى اذا حانت ساعتها احرِج الاوروبيون وتخلوا عن خجلهم، ولكن باتجاه دعم العمليات الحربية تحت مظلة الحلف الاطلسي. والأكيد في كل الأحوال، ان لا الولاياتالمتحدة ولا الحلفاء في الغرب يمكنهم رسم خريطة لما بعد الحملة. بهذا المعنى، يتسنى فهم مصدر "القلق" في الكونغرس من ان تتحول القوات الاميركية التي ستغزو بغداد الى قوات احتلال قد يستمر سنوات… خصوصاً لأن الود بين فصائل المعارضة العراقية التي تراهن على "عودة الفاتحين"، برموزها وقياداتها، قلما كان صالحاً لرهان، حتى في ظل ضعف نظام الرئيس صدام حسين. ولا احد يمكنه الآن اجتراح صيغة شراكة قوية بين تلك الفصائل و"المجلس العسكري" والضباط في بغداد الذين ينام بعض المعارضين على حرير استسلامهم السريع، ما ان يروا العلم الاميركي فوق المدرعات الاميركية على دجلة. هل يجد صدام المخرج في ربع الساعة الاخير؟ ما يصدر عن بغداد لا يوحي إلا باستخفاف ازاء قضية مصيرية، وأبسط دليل انها ما زالت تستنجد بالأمم المتحدة رغم تشدد الامين العام كوفي انان واصراره على "عودة المفتشين اولاً" من دون صفقة، كأن القيادة العراقية في كوكب آخر... حتى حين تهدي واشنطن المعارضة اجتماعاً مطولاً مع وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس الاركان ريتشارد مايرز، لا تجد بغداد ما ترد به سوى كيل الشتائم لأولئك "الخفافيش العملاء". كل ذلك لا يعطي بوش شرعية لحربه المقبلة، هو الباحث عن انتصار، اما توهم صدام ب"النصر الاكيد" فلن ينقذ العراق ولا نظامه، بصرف النظر عن احلام انهياره السريع. فالكلمة الآن لواشنطن، والبندقية اميركية، مهما فعل الاكراد والشيعة، فيما ذروة الوهم في بغداد ان تدير الأزمة الفاصلة على وقع ما تعتبره "مأزقاً" لصاحب "محور الشر".