كان أول من أمس يوم "صقور" واشنطن للتشاور مع المعارضة العراقية ممثلة بأطرافها الستة. نائب الرئيس ديك تشيني افتتح اللقاءات وأنهاها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز. وكانت المحطات الابرز فيها: - رفع مستوى التعهدات والضمانات السياسية والعسكرية للمعارضة العراقية بما يقرب من اعتبارها ممثلاً للسلطة المستقبلية. - التنسيق الميداني والعملي على الأرض في حال بدء العمليات. - الحكيم يسلم رامسفيلد وثيقة سرية عراقية تتصل بالسلاح الكيماوي العراقي. ويطالب بحماية المواطنين العراقيين منها. - الأكراد يطلبون ضمانات أكثر الزاماً لواشنطن لحماية كردستان، كما في بقية الحالات المماثلة التي تتعهد فيها الإدارة بحماية "ملموسة". "الحياة" حاولت إعادة رسم محضر المحادثات كما أبلغته لها مصادر عراقية معارضة وديبلوماسية أميركية. ولكن قسما كبيراً من الجانب العملياتي لا يزال غير متاح للنشر. في ما يمكن وصفه ب"يوم الصقور" اجرى ممثلو أطراف المعارضة العراقية الستة في واشنطن أول من أمس سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين الاميركيين عبروا خلالها عن انشغالاتهم وتوجهاتهم بصدد عملية التغيير في العراق التي أقرها الرئيس جورج بوش في 28 شباط فبراير الماضي. والتنظيمات الستة المشاركة في الاجتماع هي: المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بقيادة آية الله محمد باقر الحكيم والمؤتمر الوطني العراقي والحركة الملكية الدستورية وحركة الوفاق الوطني والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني. وفي محصلة المعطيات التي حصلت عليها "الحياة" من مصادر المجتمعين في البيت الأبيض يستخلص أن فريق "الصقور" حرص على ابداء أقصى قدر من الدعم والاعتراف بالمعارضة العراقية التي مثلها الأطراف الستة، إلى حد اعتبارها شريكاً وحليفاً يرقى إلى مصاف المنزلة التي تتمتع بها الدول أو الحكومات الشرعية. وفي بداية اللقاء الذي استغرق ساعتين مع كل من ديك تشيني نائب الرئيس المسؤول عن ملف "معالجة المسألة العراقية"، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع وريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، حرص تشيني على القول إن اللقاء بالوفد العراقي المعارض عبر شبكة متلفزة "أمر لا يقل بأي مستوى عن اللقاء المباشر". وقال لهم في افتتاح كلمته: "إن هذا الاسلوب متبع على أعلى مستوى بما في ذلك الاتصال بينه وبين الرئيس". وأكد تشيني في كلمته على الجدية التي تنظر بها الإدارة إلى المعارضة العراقية، وأبلغهم أنهم "شركاء وحلفاء في عملية تغيير النظام وما بعد عملية التغيير". وأبلغ المعارضين إقرار الولاياتالمتحدة بضرورة المحافظة على سيادة العراق ووحدة أراضيه في أي عملية تنفذها الولاياتالمتحدة، وتأكيدها على رفض التدخل في الخيارات التي تقرها المعارضة العراقية والشعب العراقي بشأن شكل الحكم المقبل. وشدد على أن الولاياتالمتحدة تعارض فكرة استبدال النظام العراقي بنظام عسكري يتزعمه جنرال جديد. وقال بهذا الصدد: "إننا لن نرسل أبناءنا إلى الحرب من أجل تغيير ديكتاتور بآخر". وتطرق تشيني في لقائه إلى دور الدول الاقليمية المهم. وقال إنه أبلغ جميع محاوريه من مسؤولي الدول العربية الذين التقاهم أخيراً أنه "لن يكون هنالك أي مجال لتقسيم العراق أو المساس بوحدته. وان لا واشنطن ولا المعارضة العراقية تسمح بأي شكل بخدش وحدة العراق وسلامة أراضيه". ولكنه أقر بوجود مصاعب في ملف العلاقات العربية، ودعا المعارضة إلى لعب دور لتذليلها عبر اتصالات مع العواصم العربية والاقليمية، وأكد للمعارضين "ان واشنطن مستعدة لتقديم الدعم والمساندة لتأمين هذه الزيارات". وانتقل تشيني بعدها إلى الاجابة عن اسئلة الاطراف المعارضة التي تصدرتها مطالب الاحزاب الكردية بضمانات اكثر وضوحاً بشأن حماية منطقة كردستان. وتقدم ممثلو الاكراد بطلب للولايات المتحدة بأن تلتزم "ترتيبات عملية" لا لبس فيها بهذا الصدد كما في حالات مماثلة اخرى في مناطق العالم "حيث الالتزام الاميركي يصل الى مرتبة السياسة الرسمية". وعبر السيد عبدالعزيز الحكيم عن مخاوف مماثلة بالنسبة الى سكان المنطقة الجنوبية من العراق "ولا سيما مخاطر لجوء النظام الى استخدام اسلحة دمار شامل ضد السكان في حال بدء العمليات العسكرية الاميركية". ورد تشيني بتجديد التعهدات الاميركية بحماية المنطقة الكردية وابلغ محاوريه ان الولاياتالمتحدة لديها ما يكفي من القوات والوسائل لردع اي محاولة لاختراق المنطقة الكردية او الاعتداء على السكان في الجنوب. لقاءات رامسفيلد ومايرز وحال انتهاء مداخلة نائب الرئيس حضر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز بدأ اجتماع مطول اتسم بطابع عملياتي بحت كما قال مصدر حضر اللقاء ل"الحياة". ومع ان قسطاً اساسياً في المشاورات سيبقى محصوراً في دائرة المعارضين بناء على طلب محدد من رامسفيلد الا ان مصادر مختلفة معارضة واميركية اعطت اشارات دقيقة عن هذه الوجهة العملية. وتخلل اللقاء مداخلة قدمها الحكيم رئيس وفد المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق. اعقبها تسليم الحكيم "وثيقة عراقية عسكرية" سرية الى وزير الدفاع تتضمن تعليمات اصدرتها بغداد للقيادات العسكرية حول استخدام الاسلحة الكيماوية. واتيح ل"الحياة" الاطلاع على الوثيقة العراقية التي تضم 24 صفحة من الاوامر المفصلة حول شروط التعامل مع السلاح الكيماوي جرى اصدارها اواخر شهر آذار مارس من العام الجاري. ويفهم من الوثيقة التي وقعها احد قادة الاسلحة الاساسية في الجيش العراقي انها توجيه متكامل الابعاد للقوات المختصة بالحرب الكيماوية حول السلوك والرد والوقاية اثناء حصول ضربات كيماوية وتحديد مواقع لما اطلقت عليه الوثيقة ب"اماكن الضربات الكتلوية". وتحدد الوثيقة العدو المفترض بالولاياتالمتحدة وايران. وتشير في اكثر من مكان الى احتمال توجيهها ضربات بالاسلحة الكيماوية الى الجيش العراقي. وتعتبر مصادر المجلس الاعلى التي حللت الوثيقة انها تشير الى وجود استعدادات "ملموسة" لضربات كيماوية والى المواقع التقريبية لوجود معدات الحرب الكيماوية في اربعة من مناطق مختلفة في العراق. وطلب احد قادة الاطراف الستة التي حضرت الاجتماع من الولاياتالمتحدة اصدار "تحذير رسمي" للنظام العراقي من استخدام الاسلحة الكيماوية لردعه عن اللجوء اليها. كما طلب بتوجيه نداء اميركي الى ابناء القوات المسلحة العراقية توضح فيه استهدافها رئيس النظام والحلقة المباشرة المحيطة به وتدعوهم الى رفض اوامر السلطة. وطالبت اطراف كردية بدعم عسكري نوعي لقوات الادارة الكردية لتمكينها من الدفاع عن المدن الكبرى وتحديداً بأسلحة حديثة مضادة للدروع. ووجه رامسفيلد سؤالاً مباشراً الى الحكيم عن تقديره لما سيكون عليه موقف المواطنين الشيعة في بغداد وبقية المدن في حال حصول هجوم اميركي واسع. وركز حول احتمالات حصول تمردات كبيرة كما حصل في عام 1991. وتوجه رئيس الاركان مايرز بعدد من الاستفسارات الميدانية علمت "الحياة" ان احتمالات الموقف الايراني من هجوم اميركي كان احدها. لكن القسط الجوهري من المشاورات العملية والميدانية لم يكشف النقاب عنه.