روعت مصر أمس حادثة ثأر راح ضحيتها 22 شخصاً جعلت كثيرين يتوجسون من أن "موسم الكوارث" جاء مبكراً بعدما اعتاده المصريون في منتصف الخريف من كل عام. لم تكن الطبيعة سبب الكارثة الجديدة كما في حال الزلزال الشهير، أو الفساد الذي خلف حوادث انهيار البنايات، أو الإهمال الذي بكوارث كان آخرها كارثة قطار الصعيد... جاءت الكارثة الجديدة عبر خطر ظل كامناً لسنوات لكنه عاد متوحشاً قاسياً، ورغم الجهود الحكومية والشعبية التي بذلت لوأد عادة "الثأر" فإنها ظلت راسخة في عقول وقلوب أهالي الصعيد. وحوّل "الثأر" امس إحدى قرى محافظة سوهاج إلى ساحة حرب تناثرت فيها الجثث وأشلاء الضحايا. ووفقاً لأهالي قرية بيت داود التابعة لمدينة جرجا في محافظة سوهاج في وسط الصعيد، تحدثت إليهم "الحياة" من القاهرة عبر الهاتف، فإن عشرات من أفراد اسرة "الحناشات" كانوا يستقلون باصاً صغيراً وسيارة ماركة "بيجو" تعرضوا لهجوم كثيف من مواطنين ينتمون إلى عائلة "عبد الرحيم" التي تسكن القرية نفسها، وتحول المكان إلى بركة دماء وغطت أصوات طلقات الرصاص على كل صوت آخر. وعندما وصلت قوات الأمن إلى المكان لتفصل بين الفريقين كان 22 شخصاً من الطرفين قد قتلوا وكانت اصوات الجرحى تنبعث من بين المزارع المحيطة بالمكان، أما القرية نفسها التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن ساحة المعركة فإن جنود الأمن المركزي الذين انتشروا فيها حولوها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية خشية تجدد القتال مجدداً بين أهاليها. ولم تكن الحادثة مفاجأة لأهالي القرية، فالنزاع بين العائلتين يعود إلى أكثر من عشر سنوات. وكان أمس يوماً مشهوداً لدى أفراد العائلتين أعاد إلى أذهانهم جميعاً ما حدث عام 1991 حين قتل شخص من "الحناشات" احد أفراد عائلة "عبد الحليم". ومنذ ذلك الوقت بذلت الهيئات الامنية والشعبية في المحافظة جهوداً لإقناع عائلة القتيل بتجاوز خطأ العائلة الأخرى والصفح عنها. لكن أوجاع الماضي وأحزانه ظلت تؤرق عائلة الضحية. وبالأمس كان موعد بدء محاكمة الفتى المتهم بالقتل وحين كان أهله من عائلة "الحناشات" في طريقهم لحضور جلسة المحاكمة تربص بهم أفراد عائلة "عبد الرحيم" ودارت المعركة. يذكر ان جرائم الثأر شائعة على نحو كبير في صعيد مصر، وهي تحولت الى تحدٍ كبير لأجهزة الدولة، خصوصاً مع تداخل قيم شعبية تعتبر مرتبط بالكرامة مع عوامل دينية واخرى اقتصادية ترتبط بالتجارة غير المشروعة للأسلحة والذخيرة وزراعة المخدرات لتغطية نفقات الثأر.