مقترحات أمريكية للحل قريباً.. وإسرائيل تتوسع في فيلادلفيا    الجزائريون ينتخبون رئيسًا للبلاد    بقرابة 12 مليون ريال أمانة القصيم توقّع عقد مشروع لصيانة الطرق والشوارع    برعاية ولي العهد.. «الثقافة» تُكرّم الفائزين بالجوائز الوطنية    «يذرف دماً بدلاً من الدموع».. طفل يحير الأطباء!    د. مصلح الحارثي يشكر القيادة على تجدد الثقة وتعيينه عضوا في الشورى    ليلة مختلفة ل " عاشور " في جدة    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يعقد لقاءً إعلاميًا لإعلان أسماء الفائزين    كشف تفاصيل إصابة متعب الحربي    بيان من «الداخلية»: ضبط 22021 مخالفاً وترحيل 11242    "الاستثمار الذكي وتنمية المال".. دورة تدريبية في جمعية الأمير محمد بن ناصر بجازان    علاقة غرامية تطيح بوزير الثقافة الإيطالي    العارضة.. تجذب الزوار بجمال الطبيعة وسحر المرتفعات    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة جازان تحبط تهريب (46,950) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    باكستان تعتزم إطلاق حملة تطعيم طارئة ضد شلل الأطفال الأسبوع المقبل    "الالتزام البيئي" يرصد "الملوثات على مدار الساعة وينشر قراءاتها للعامة    انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    غُروس الخيرية تحصد جائزة الشارقة للاتصال 2024م من بين (3815) جهة عربية وعالمية    6 يوليو يوما عالميا للتنمية الريفية    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم دورة تدريبية في مبادئ الإسعافات الأولية    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم جولة دعوية في محافظة ضمد    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة تطوعية للعناية بكتاب الله في المساجد والجوامع ابتداء من محافظة الداير    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم مبادرة اطمئنان لزيارة المرضى المنومين في مستشفى صبيا العام    عقوبات صارمة للحد من استغلال دعم التوظيف    أخضر الناشئين يواجه الأردن في"آسيوية اليد"    4000 ريال قيمة ترخيص تأجير اليخوت لأغراض سياحية    اتفاق عراقي أمريكي لانسحاب قوات التحالف بحلول 2026    2024.. سنة الاكتتابات الكبرى في بورصة الرياض    منتخب المملكة يتوج بميداليتين عالميتين في أولمبياد المعلوماتية الدولي    البيت الأبيض: بايدن سيستضيف ستارمر في 13 سبتمبر    "المسابقات" تقرّر إقامة دوري الدرجة الأولى للسيدات بمشاركة 9 أندية    «هيئة الاتصالات» تعقد النسخة الرابعة من منتدى التقنية الرقمية في أكتوبر المقبل    عبدالعزيز الفيصل يهنئ القيادة بتحقيق لاعب القوى القرشي ذهبية بارالمبياد باريس    المغرب يكتسح الغابون برباعية في مستهل مشواره بتصفيات أمم أفريقيا    الإسبانية "باتريسيا" تعزّز صفوف سيدات الشباب    مصر تستهل تصفيات كأس أفريقيا بفوز كبير على الرأس الأخضر    منتخب المملكة يتوج بميداليتين عالميتين في أولمبياد المعلوماتية الدولي    اكتشاف 3 مستعمرات تكاثر لنسور غريفون الأوراسية المهددة بالانقراض    القبض على (3) مواطنين بمنطقة الجوف لترويجهم مواد مخدرة    الديوان الملكي: وفاة الأمير عبد الله بن تركي بن عبد العزيز بن عبد الله بن تركي آل سعود    المملكة توزع 2,916 سلة غذائية في درنة بليبيا    الرياض: 900 مخالفة في مشاريع البنية التحتية    خطيب المسجد النبوي: الناس يتفاوتون في تحمّل صدمة وفاجعة وفاة قريب على قدر إيمانهم    خطيب المسجد الحرام: مِنْ ظُلْمِ العبد لنفسه أن يجد لنفسه عذراً في كل شيء    من فضلك وشكرا لك أساليب للتحدث مع الذكاء الاصطناعي    التحيز الأمريكي ضد المسلمين هو الأعلى بين جميع المجموعات الدينية    طالبٌ منسيٌّ في حافلة!    القهوة والتسوق    التدخين.. آثار سيئة على النوم    فيتامينات لبناء العظام    بقايا «الماسكارا» خطرٌ على القرنية    المرأة السعودية.. نجاح دائم    الوطن أولاً    السعودية تستضيف المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد الدولي لصون الطبيعة لدول غرب آسيا    ولي العهد يؤدي صلاة الميت على الأميرة لطيفة بنت عبدالعزيز    رحيل عبدالله رضوان… الإنسان    رفعوا الشكر لخادم الحرمين وولي العهد ونوهوا بالنهضة الكبيرة.. قيادات الشورى: الثقة الكريمة وسام سامق وحافز لمسيرة التقدم لبلادنا العزيزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "أشجان فرتر" لغوته : ولادة الرواية الحديثة والنزعة الوجودية
نشر في الحياة يوم 04 - 07 - 2002

في القواميس الادبية نقرأ: "الفرترية: ظاهرة ادبية نتجت من الشهرة التي حققتها عبر اوروبا كلها رواية غوته المبكرة "اشجان الشاب فرتر". وهي رواية تحكي، الى حد ما، السيرة الذاتية لشاب كان ذا حساسية فنية، مكتئباً، غير قادر على الانسجام مع المجتمع، ويعيش حكاية حب من دون امل مع الفتاة شارلوت، المرتبطة بشخص آخر". ما يهمنا من هذا الكلام فكرة "الظاهرة الادبية"، لأن هذه الظاهرة بدت في حقيقتها اواخر القرن الثامن عشر، ظاهرة اجتماعية حقيقية يمكن النظر اليها كأساس من اسس الرومانسية والبوهيمية، وقد يرى البعض فيها اساساً من اسس وجودية عاطفية مبكرة.
والحال ان الباحثين وعلماء النفس استندوا الى عمل غوته المبكر هذا، ليتحدثوا عن مفاهيم صارت رائجة بعد ذلك مثل "توعك العلاقة بين الفرد والعالم المحيط به"، و"عدم الرضا عن النفس"... وهما امران يرى الباحثون انهما يقفان خلف انتحار فرتر في آخر الرواية.
صحيح ان غوته لم يكن مخترع ظواهر من هذا النوع. كل ما في الامر انه تمكن من ان يجمع في نصه مشاعر فردية متمردة ومستنكفة، ما كان للأدب ان يهتم بها من قبل. وعلى هذا قد يصح القول ان غوته كان، في الادب، مبتدع نوع من النزعة الفردية السلبية. والحقيقة ان الشبان في اوروبا ذلك الحين كانوا سريعي الاستجابة، فما عبر عنه غوته انطلاقاً من علاقته الذاتية بمجتمعه مستعيراً اياه من الحياة الواقعية ومحولاً اياه الى جنس ادبي، اصبح لدى الشبيبة "موضة" رائجة، مثلما ستكون الحال مع "موضات" اطلقها في القرن العشرين اشخاص مثل جيمس دين والفيس برسلي وما الى ذلك. وهكذا تروي قواميس الادب، وأيضاً قواميس علم الاجتماع كيف ان "الشبان في طول اوروبا وعرضها راحوا يرتدون، ما ان قرئت الرواية على نطاق واسع، معاطف زرقاء، مقلدين فرتر، وتم انتاج الكثير من البضائع حاملة اسم الشاب، ومنها عطر خاص سمي "عطر فرتر" صار يباع في الاسواق وشهد اقبالاً كثيراً".
كل هذا منطقي ومعروف الى حد ما، غير ان ما يقل عنه منطقية هو موقف غوته نفسه خلال المراحل اللاحقة من حياته، اذ انه بعد ربع قرن وأكثر من صدور "اشجان الشاب فرتر" وتحقيقها تلك "الهزة" الاجتماعية - لكيلا نتحدث عن نجاحها الساحق كنص ادبي - راح يبدي انزعاجه منها، معتبراً اياها "نزوة شباب" وعملاً ما كان عليه ان يكتبه، وعلى الاقل، ما كان على احد ان يربطه بسيرته الذاتية. وما هذا الا لأن غوته، من بعد "فرتر" بزمن طويل، كان قد صار مفكراً مرموقاً، وعلماً من اعلام التربية والسياسة والفلسفة ايضاً، ما جعله يقلل من شأن تلك البدايات التي كان يرى انها "تعريه" اكثر مما ينبغي. وهو امر التقطه الكاتب الانكليزي ثاكري، يومذاك، لكي يكتب عن غوته وحبيبته شارلوت قصيدة شديدة اللؤم والسخرية.
اصدر غوته رواية "اشجان الشاب فرتر" في شكلها الاول في العام 1774، وكان في الخامسة والعشرين من عمره، ثم عدل الرواية بعض الشيء لتصدر في طبعة ثانية في العام 1782، وهذا الشكل الثاني للرواية هو الذي وصلنا وترسخ وترجم وقرئ، وحول الى افلام وأوبرات وقصائد، وأيضاً، وخصوصاً، الى ظاهرة اجتماعية.
ورواية "فرتر" هي رواية رسائل، وهو نوع ادبي كان جان - جاك روسو قد ابتدعه في "ايلويز الجديدة" وسيوصله دوستويفسكي لاحقاً الى ذورة. غير ان الرسائل التي تتألف منها رواية غوته هي رسائل لم ترسل ابداً، ولم تتلق صاحبة العلاقة اياً منها. وصاحبة العلاقة هنا هي شارلوت، حبيبة فرتر في الرواية، وحبيبة غوته في الحياة. اما الموضوع نفسه فموضوع بسيط سنجده لاحقاً يملأ مئات الحكايات والروايات: موضوع الحب الذي لا يصل الى مبتغاه. وتبدأ الحكاية حين يصل الشاب فرتر الى مدينة صغيرة يلتقي فيها الحسناء شارلوت التي يهيم بها من دون ان يعرف اول الامر انها مخطوبة الى ألبيرت، الشاب الهادئ النزيه و... الممل، والذي لا يتمتع بصفات خاصة تجعل من حقه، في رأي فرتر، ان يحصل على حب شارلوت. وسرعان ما يصبح فرتر وألبيرت صديقين، ولا يعترض هذا الاخير على ان يواصل فرتر لقاء شارلوت حتى من بعد زواجه - اي ألبيرت - منها... وهكذا يزداد حب فرتر لشارلوت ويتسلل الى فؤاده وروحه اكثر فأكثر... وكله اعتقاد بأنها هي الاخرى تبادله حبه. اما نحن القراء فنعرف، او نتصور، ان شارلوت لا تأبه كثيراً بهذا الحب، او انها تعيشه لكنها تحاول طرده من اعماقها. انه حب سري في داخلها، لا تريد له ان يتحقق، لكنها في الوقت نفسه لا تريد له ان يموت كلياً، في قلب فرتر على الاقل، ولهذا يكون على هذا الاخير، وحده، ان يتحمل تبعة هذا الحب ومساره. وهكذا، حين ينتهز فرتر فرصة اخيرة ويغمر شارلوت بقبلاته على اعتبار انه مسافر، سرعان ما يجد نفسه وفي يده مسدس ألبيرت الذي وضعته شارلوت في تصرفه، مواربة، من طريق خادمه. وفرتر بدلاً من ان يسافر كما وعد، يطلق رصاصة من المسدس على نفسه منتحراً.
هذا الموضوع البسيط هو الذي صنع لهذه الرواية قوتها وحقق لها نجاحها السريع وانتشارها. ولقد رُوي دائماً ان قائداً عسكرياً مثل نابوليون، حين توجه في حملته الى مصر، حرص على ان يصطحب معه نسخته من الرواية ليقرأها مراراً وتكراراً. فما الذي وفر لهذه الرواية كل هذه المكانة؟
يقول الدارسون والمحللون ان السبب الاول يعود الى كونها تبدت، باكراً، مرآة لبورجوازية ألمانية ناشئة كانت اصلاً في منأى عن السياسة. وهكذا لئن اتت رواية غوته مشابهة لأعمال رومانسية حملت تواقيع روسو وريتشاردسون وغيرهما من الذين عبروا عن البورجوازيتين الفرنسية والانكليزية، اللتين كانتا على تماس كبير مع السياسة، فإن رواية غوته اتت بعيدة جداً من الاهتمامات العامة، في معنى ان واقعيتها الشاعرية اتت خالصة لا تشوبها شائبة ولا يقف خلفها اي بعد ايديولوجي او رسالة: لاحقاً هي التي خلقت رسالتها وأبعادها، اذ تحولت كما اشرنا الى ظاهرة. ولعل الاهم من هذا كله تمكن غوته من ان يحلل عواطف ودوافع شخصياته الثلاث الرئىسية، في شكل كان نادر الوجود في الآداب الاوروبية في ذلك الحين. فإذا اضفنا الى هذا، احتفاء الرواية نفسها بالطبيعة، يمكننا ان ندرك بعض اسباب تسلل الرواية الى اعماق الشبيبة. وفي هذا الاطار نفسه تبدو شديدة الفصاحة تلك اللحظات التي ينصرف فيها فرتر الى تأمل الطبيعة والعيش في احضانها كجزء من هيامه بشارلوت. وهذا كله جعل كثراً من الباحثين يقولون دائماً ان اهم ما فعله غوته في هذه الرواية هو انه افتتح العصور الحديثة وانتاجاتها الروائية، في معنى ان "اشجان الشاب فرتر" يمكن اعتبارها في شكل ما، اول رواية حديثة. وأول رواية تنطلق حقاً من اشخاص عاشوا، وبالكاد تقدمهم مقنعين. ذلك ان شارلوت الرواية هي نفسها شارلوت باف، الحسناء التي هام بها غوته في ربيع العام 1772، وهو الفصل الذي امضاه في فتزيار. اما ألبيرت فهو في الحقيقة. ج.ج. كريستيان - كستنر، خطيبها. اما الرواية نفسها ففي وسعنا ان نجد جذور اعترافاتها ورسائلها في ما كتبه غوته حقاً الى شارلوت وكستنر وغيرهما.
يوهان وولفغانغ غوته، مؤلف "اشجان الشاب فرتر" والذي ظل حتى رحيله يبدي ندمه على كتابتها، مع انها تظل الى جانب "فاوست" اهم اعماله وأشهرها، هو الكاتب والمفكر الألماني الكبير الذي ولد العام 1749 ورحل العام 1832، وخلف عشرات النصوص والكتب في الكثير من المجالات، منها "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" و"محمد"، ناهيك عن المسرحيات وكتب النقد الادبي والكتب التاريخية والنصوص السياسية. فهو، كان "مؤسسة" قائمة في ذاتها، من هنا ليس بمستغرب ان تقول الاستفتاءات والاحصاءات التي أجريت في القرن العشرين، انه يظل اهم كاتب ألماني على الاطلاق، والموازي اوروبياً لفيكتور هوغو الفرنسي، وشكسبير الانكليزي وسرفانتس الاسباني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.