انتهت اجتماعات اللجنة "الرباعية" التي تضم الولاياتالمتحدةوالاممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، و"الثلاثية" التي تضم المملكة العربية السعودية ومصر والاردن، بالاتفاق على السعي نحو "خطة عمل" ينفذ فيها الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي التزاماتهما "في ظل مراقبة من الرباعية" للتأكد من السير نحو تجسيد رؤية قيام "الدولتين في غضون ثلاث سنوات". وتجنبت الاطراف احراج الولاياتالمتحدة في صيغة المواجهة خصوصا في شأن اقصاء الرئيس ياسر عرفات، وانصب الجهد على احياء نهج "التوازي" في معالجة الملف الفلسطيني ليشمل المسارات السياسية والامنية والاقتصادية، بدلا من منطق الامن والاصلاح اولا الذي هو جوهر مواقف رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون والذي لاقى دعما من الادارة الاميركية وتبناه الرئيس جورج بوش في خطابه الاخير. وغداة الاجتماعات، اقر البيت الابيض بتقدم "متواضع ومهم" في المساعي الرامية الى اعادة تحريك عملية السلام. واعلن الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر ان بوش "متحمس" و"سعيد" لهذا التقدم. تمكنت اجتماعات "اللجنة الرباعية"، ثم "الرباعية" زائد "الثلاثية"، من استعادة بعض الأرضية التي ضيعها خطاب الرئيس جورج بوش باشتراطه ازاحة الرئيس ياسر عرفات وتبنيه منطق الامن والاصلاح اولا. وانتهت الاجتماعات في نيويورك ليل الثلثاء - الاربعاء بمؤتمر صحافي في منزل الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ضم وزراء الخارجية الاميركي كولن باول، والمصري احمد ماهر، والاردني مروان المعشر، ومندوب السعودية لدى الاممالمتحدة السفير فوزي شبكشي. وتحدث باول عن الخطة الامنية التي بحثها مع الشركاء في الرباعية، كما يتوقع بحثها "مع القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية في المستقبل القريب". وقال ان رئيس "وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية" سي آي ايه جورج تينيت "لا يخطط للسفر الى المنطقة" في هذا المنعطف انما "لدينا خطة مصممة الآن بصورة تسمح للآخرين بمساعدتنا على تنفيذها"، وهي "لا تتطلب وجود تينيت مباشرة هناك". وحسب باول، فان الادارة الاميركية على اتصال "بقادة فلسطينيين، ونحن نتوقع تعريف شريك فلسطيني يمكن لتينيت العمل معه". وتجنب باول عمداً ذكر اسماء القيادات الفلسطينية التي يعمل معها تينيت، قائلا: "لا أريد ذكر اسماء محددة في هذا الوقت". وأكد رداً على سؤال ل"الحياة" ان على "الطرفين التزامات"، في اشارة الى الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، و"فيما نتحرك الى أمام في خطط العمل، ستكون هناك اجراءات نتوقع من الطرفين اتخاذها، ونحن سنراقب ذلك بكل عناية لنتأكد من أن توقعاتنا نُفذت". وأكد باول انه يوافق مع الأطراف الثلاثة الأخرى في "الرباعية" على ضرورة "التوازي" في المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، مشيرا الى ان "الرباعية متحدة في المساعدة على المسارات الثلاثة بالتوازي"، لكنه استدرك قائلا: "قد لا يكون التوقيت في الدرجة ذاتها، لكن المسارات الثلاثة مهمة، ونحن ملتزمون العمل عليها لايجاد حل". وكان مسؤولون اوروبيون واميركيون اكدوا اول من امس ان اعضاء "الرباعية" ينوون ارسال فريق خبراء في مجال المخابرات من دول عدة من اجل مساعدة الفلسطينيين على اصلاح نظامهم الامني في اطار "خطة العمل". وسيتشكل هذا الفريق من خبراء اميركيين ومصريين واردنيين وسعوديين وسيكون بقيادة تينيت. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا قوله ان مساعدا مقربا من تنييت سيتوجه الى الشرق الاوسط خلال اسبوعين، وان خبراء امنيين من مصر والاردن والسعودية سينضمون الى الفريق الامني لاحقا. لكن مسؤولا رفيعا في وزارة الخارجية الاميركية اوضح ان الجدول الزمني الذي تكلم عنه سولانا متفائل للغاية وان المحادثات مع اسرائيل والفلسطينيين هي امر ضروري قبل التمكن من ارسال هذا الفريق. واضاف: "نحن لا زلنا في مرحلة التعامل المكثف مع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني بهذا الخصوص. وفي هذه المرحلة ما زلنا على مسافة خطوات" من ارسال احد للشرق الاوسط. من جهة اخرى، قال المسؤول ان الولاياتالمتحدة بينما تتمسك بمقاطعة عرفات ستحاول "تفويض" بعض وزرائه لتشجيع خططها لاصلاح قوات الامن الفلسطينية. واضاف ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية يمكنها التعامل مع من يتلقون اوامرهم من عرفات مثل وزير الداخلية الفلسطيني الجديد عبد الرزاق اليحيى والرؤساء الحاليين لاجهزة الامن الفلسطينية المختلفة. من جهته، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على عنصر "المراقبة"، وقال في معرض رده على "الحياة": "سمعت وزير الخارجية باول يتحدث عن ضرورة قيامنا بالمراقبة. واعتقد أن الرباعية ستعمل مع الأطراف نحو تحقيق الأهداف المشتركة". وزاد: "سنعمل معهما ونحضهما، وسنراقب كي نتأكد من أنهما ينفذان". وشدد على ان الخيار العسكري وخيار استخدام القوة "افتقدا تماماً أي صدقية"، وقال ان جميع اطراف الرباعية "اتفق على الهدف وعلى الرؤية، رؤية قيام دولتين". وزاد: "لقد بحثنا الخطوات الضرورية لنا للوصول اليها في غضون ثلاث سنوات والعمل الضروري لنا للوصول الى نهاية المطاف في غضون ثلاث سنوات". وتحدث وزير الخارجية الاردني عن "خطة عمل" غير الخطة الامنية التي تحدث عنها باول، وقال ان "تقدما احرز" في الاجتماع نحو "خطة عمل تحركنا في اتجاه انهاء الاحتلال من دون التركيز على اشخاص اشارة الى عرفات، وانما بالتركيز على القضية". وتابع: "ان ما يشجعنا هو اننا لم نلمس فقط اليوم التزاماً بالخلاصة او بنهاية المطاف والتزاماً بالاطار الزمني لها في غضون ثلاث سنوات، وانما بما اطلعنا عليه من التزام نحو تطوير خطة عمل تأخذنا في سلسلة مراحل، تمر بالاصلاح الفلسطيني وبالامن بالتأكيد، انما تطلق ايضا عملية سياسية تعطي الامل للفلسطينيين بأنهم سيشاهدون نهاية للاحتلال، كما تطلق املا بخطة عمل ذات علامات واضحة والتزامات من الطرفين بما يجعلنا نتأكد من ان الطرفين على الطريق نحو نهاية المطاف في اطار زمني من ثلاث سنوات". وشدد على ان خطة العمل تنطوي على "التزامات من الطرفين، وليس احدهما، والا فانها لن تنجح"، مشيرا الى اهمية "مراقبة" التقدم والتنفيذ من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. واعتبر خطة العمل "الوسيلة الوحيدة لضمان عدم المضي بمجرد الكلام عن رؤية سياسية، وانما بالتزام ترجمة هذه الرؤى الى خطة عمل". وقال: "بعد اجتماعات اليوم، أشعر بالتشجيع باننا في طريقنا الى ذلك". وشدد وزير الخارجية المصري بدوره على "التزامات الطرفين"، وقال ان هذه "مهمة شاملة قررنا العمل عليها جميعا"، مضيفا ان الخلاف مع اميركا على مصير عرفات لن يجهض جهود السلام. وزاد: "اننا على استعداد لمساعدة الطرفين تنفيذ التزاماتهما من اجل تحقيق السلام. وهذا هو معنى هذا الاجتماع المهم الذي سمح لنا البحث بصراحة متناهية وبصدق في التعبير عن الآراء المختلفة. وتوصلنا الى اجماع ان علينا جميعاً مساعدة الطرفين"، من اجل "تحقيق الامن للفلسطينيين والاسرائيليين" ومن اجل تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني "بفلسطين آمنة للجميع". وكان وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف صرح عقب اجتماع "الرباعية" بان "الفلسطينيين وحدهم هم الذين يختارون من يريدون قادة له. فهذا حق سيادي للشعب الفلسطيني ... اما عرفات فانه الزعيم المنتخب انتخابا شرعيا للشعب الفلسطيني ومادام بهذه الصفة فسوف نحافظ على علاقاتنا معه". كذلك قال وزير الخارجية الدانمركي بير ستيغ مولر الذي تتولي بلاده حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي: "الآن فإنهم الفلسطينيون سيجرون انتخابات وسنرى من سيصبح زعيماً بعد الانتخابات، لكن أياً كان الزعيم فإنه الشخص الذي سيتحدث اليه الاتحاد الاوروبي". وفي المحصلة، فإن الولاياتالمتحدة فشلت في اجتماعات "الرباعية" في كسب تأييد الاوروبيين والعرب لاستراتيجيتها الجديدة القائمة على اقصاء عرفات وجعل الامن لاسرائيل شرطا مسبقا اساسيا للتحرك نحو السلام، ووجدت نفسها معزولة في قضايا حيوية.