Charles Enderlin. Le Reve Brise Hidtoire de L'echec du Processus de Paix au Proche-Orient 1995 - 2002. الحلم المحطم: قصة فشل العملية السلمية في الشرق الأدنى 1995 - 2002. Fayard, Paris. 2002. 368 Pages. "إن جميع الذين يرفضون ان يقطعوا حبل الأمل، وجميع الذين يصرون على الاعتقاد بأنه ما يزال في وسع الاسرائيليين والفلسطينيين أن يتعايشوا في سلم وأمان وجميع الذين يبغضون الشعارت ويكرهون مانوية الخير والشر، وجميع الذين يجدون في انفسهم حاجة الى المزيد من الفهم كيما يتابعوا العمل من اجل حل عادل وقابل للحياة في الشرق الادنى، ان هؤلاء جميعاً يتوجب عليهم ان يقرأوا هذه الوثيقة الفذة". هذا التثمين لكتاب شارل اندرلن، المراسل الدائم للقناة الفرنسية الثانية في القدس منذ عام 1981، يكتسي المزيد من الاهمية متى ما علمنا انه صادر عن شخصية ديبلوماسية فرنسية "فذة" هي الأخرى، ونعني هوبير فيدرين الذي شغل لخمسة اعوام على التوالي منصب وزير الخارجية في حكومة ليونيل جوسبان الاشتراكية السابقة، وعكست مواقفه وتصريحاته من تطورات الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، لا سيما منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، جرأة اخلاقية نادرة اكسبته عداوة الغلاة من انصار اسرائيل من بعض يهود فرنسا الى حد اتهامه ب"اللاسامية". "الحلم المحطم" هو عملياً الجزء الثاني من تاريخ المفاوضات السرية بين العرب والاسرائيليين من 1917 الى 1997 الذي كان اصدره المؤلف قبل خمس سنوات تحت عنوان: "السلم او الحروب". وهذا الجزء يغطي يوماً فيوماً واحياناً ساعة فساعة، المسار التفاوضي الفلسطيني - الاسرائيلي منذ اغتيال اسحق رابين عام 1995، الى حين الاعلان عن الدفن الرسمي للعملية السلمية مع انتخاب ارييل شارون رئيساً لحكومة اسرائيل في 6 شباط فبراير 2001 بغالبية غير مسبوق اليها في تاريخ المنافسة الانتخابية بين حزبي العمال وليكود 62.39 في المئة من الاصوات مقابل 37.61 لإيهود باراك. في هذا المسار التفاوضي، السري والعلني، الذي رعته واشنطن والذي جعل منه الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون فرس رهانه للفوز بجائزة نوبل للسلام، تبرز محطتان رئيسيتان: كامب ديفيد حيث انعقدت في 11 - 25 تموز يوليو 2000 قمة ثلاثية ضمت كلينتون وباراك وياسر عرفات، وطابا حيث دارت مفاوضات "الفرصة الاخيرة"، بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في 18 - 28 كانون الثاني يناير 2001. في هاتين المحطتين كاد قطار المفاوضات يصل الى ختام الرحلة السلمية لولا عطب طرأ عليه في اللحظة الأخيرة. من يتحمّل مسؤولية هذا العطب؟ أهو عرفات ام باراك؟ هذا السؤال الذي لا يفتأ يطرح نفسه بإلحاح على كل متتبع للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي منذ ان دخل الصراع في نفق العنف والعنف المضاد الذي فجرته "زيارة" ارييل شارون لساحة المسجد الاقصى في 28 ايلول سبتمبر 2000 والذي انسدت جميع مخارجه الممكنة منذ آلت مقاليد السلطة لمن هو، في سلسلة الجنرالات الذين تعاقبوا على حكمهم مؤخراً، اشدهم تطرفاً واكثر سفكاً لدماء الفلسطينيين. وبالرجوع الى الوثائق وأضابير المحادثات كما يوردها مؤلف "الحلم المحطم"، لا يعود ثمة مجال للشك: فالاسرائيليون والاميركيون حصراً هم الذين يتحملون مسؤولية فشل كامب ديفيد. الاسرائيليون لأنهم لم يقدموا للفلسطينيين ما يمكن ان يقبلوه، والاميركيون لأنهم لم يمارسوا ضغطاً على الاسرائيليين لتقديم تنازلات جدية ولأنهم، فضلاً عن ذلك، حمّلوا - وتعمّدوا عن سبق تخطيط ان يحمّلوا - الفلسطينيين مسؤولية فشل كامب ديفيد. فقمة كامب ديفيد الثلاثية كانت في حقيقتها - لا مبادرة اميركية كما قيل في حينه - بل مبادرة باركية. فإيهود باراك الذي كانت شعبيته الداخلية قيد التآكل السريع، هو من اقترح على الرئيس كلينتون ان يدعو الى عقد القمة من دون اعداد مسبق ومن دون مفاوضات سرية تمهيدية. وكان معقد رهانه عليها مزدوجاً: ففي حال النجاح، اي في حال قبول الفلسطينيين بما لا يمكنهم قبوله التنازل عن السيادة على القدسالشرقية وعن 20 في المئة من اراضي الضفة الغربية، فانه سيخرج من القمة منتصراً وبصورة البطل القومي الذي حقق للاسرائيليين السلام واحتفظ لهم في الوقت نفسه ب"عاصمتهم الأبدية" ومستوطناتهم في الاراضي المحتلة بعد 1967 وبقسم غير قليل من هذه الاراضي نفسها. وفي حال الفشل، اي في حال رفض الفلسطينيين ما لا يمكنهم الا ان يرفضوه، فانه سيخرج ايضاً رابحاً من خلال تحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل ورفض عرض السلام الاسرائيلي، بما سيسد الطريق على مزايدات خصمه الليكودي. والعجيب ان الاميركيين - وعلى رأسهم كلينتون نفسه ووزيرة خارجيته مادلين اولبرايت - دخلوا في لعبة شطرنج باراك هذه وكأنهم مجرد بيادق بين يديه. فهم مارسوا ضغطاً شديداً على عرفات ليقبل بكل مقترحات باراك، ولم يمارسوا اي ضغط على بارك لتقديم تنازلات جدية، بحجة ان باراك يواجه وضعاً داخلياً صعباً، وبحجة ان التنازلات التي قدمها هي السقف الاعلى لما يمكن ان يقدمه من هو في مثل وضعه، وبحجة ان عدم قبول الفلسطينيين بهذه التنازلات لن يؤدي الا الى فوز شارون في الانتخابات القادمة، مما سيعني ان الفلسطينيين - على مجرى عادتهم وعادة العرب معهم - لن يحصلوا في الغد على ما رفضوا قبوله اليوم. والواقع ان كلينتون ذهب الى ابعد من هذا الضغط "الشطرنجي" على عرفات: فقد لجأ معه الى لغة التهديد المباشر، قائلاً له بالحرف الواحد: "انك تجازف بأن تخسر صداقتي، وصداقة الولاياتالمتحدة، وان ابواب واشنطن ستسد بعد اليوم في وجهك…". وكان جواب عرفات: "انني اعرف، يا سيدي الرئيس، اننا في موقف ضعف. وانا اقدر صداقتك، واقدرك جهودك، لكني لا استطيع ان اخون قضيتي". اذاً، وبخلاف ما اذاعته في حينه المصادر الاميركية والاسرائيلية مجتمعة، فان عرفات لا يتحمل اي مسؤولية عن فشل قمة كامب ديفيد، فهي لم تكن قمة للتفاوض، بل فرض الامر الواقع الاسرائيلي برعاية اميركية. وباستثناء الخيانة، لم يكن امام الرئيس الفلسطيني من خيار آخر سوى الرفض، مع علمه المسبق بأن مثل هذا الرفض سيكون خاسراً. لكن ما يصدق على كامب ديفيد لا يصدق على طابا. ففشل اجتماع طابا تتحمل مسؤوليته، على ما يبدو، الاطراف كافة. ذلك ان هذا الاجتماع انعقد في شروط مغايرة جذرياً لتلك التي انعقدت فيها قمة كامب ديفيد. ففي الشهور الستة الفاصلة بين الاجتماعين كان انقلاب حقيقي قد طرأ على الموقف الاميركي. فلأسباب لا يوضحها مؤلف "الحلم المحطم"، وهي تتعلق في تقديرنا بطموح كلينتون في الدخول في ذاكرة التاريخ بوصفه صانعاً كبيراً للسلام، بادر الرئيس الاميركي في 23 كانون الاول ديسمبر 2000، الى تقديم "ورقة عمل" تتجاوز بكثير ورود "التنازلات" التي قدمها الاسرائيليون في كامب ديفيد، وتقترب الى حد غير قليل من عتبة المطالب الفلسطينية. ففي تلك الورقة اقترح كلينتون تسوية نهائية للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي على اساس المبادئ الخمسة التالية. 1- استعادة الفلسطينيين لما بين 94 و96 في المئة من مساحة الضفة الغربية، ومقايضة القسم الذي ستضمه اسرائيل اليها منها بتنازل هذه الاخيرة عن 1 الى 3 في المئة من الارض الاسرائيلية للفلسطينيين. 2- اعادة توطين 80 في المئة من المستوطنين الاسرائيليين في داخل الأراضي التي تعود السيادة فيها الى اسرائيل بموجب حدود 1967. 3- حل مشكلة القدس عن طريق تقاسم السيادة: للفلسطينيين على القطاع العربي، وللاسرائيليين على القطاع اليهودي، على ان يشمل هذا التقاسم الاماكن المقدسة اليهودية والاسلامية والمسيحية، بما يضمن حرية العبادة فيها من دون مساس بالمعتقدات المقدسة لكلا الشعبين. 4- حل مشكلة اللاجئين في اطار دولتين اسرائيلية وفلسطينية، ومن خلال تشكيل لجنة دولية لاعادة توطين اللاجئين، لا سيما منهم لاجئي لبنان، ودفع التعويضات لمن لا يعاد توطينهم منهم بشرط ان تقبل اسرائيل بتوطين بضعة عشرات الآلاف منهم في داخل حدودها قبل عام 1967 في اطار اعادة تجميع العائلات. 5- ضمان امن اسرائيل من خلال قوات دولية للفصل والمراقبة، وجدولة الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة على مدى 36 شهراً، والابقاء عل ثلاث محطات اسرائيلية للانذار المبكر داخل الضفة الغربية واعلان الدولة الفلسطينية الجديدة المزمع اقامتها "دولة غير مسلحة" بدلاً من ان تكون "دولة منزوعة السلاح"، كا يطالب الاسرائيليون، او "دولة محدودة التسلح" كما يطالب الفلسطينيين. هذه المقترحات التي وصفت في حينه بأنها "مقبولة فلسطينياً من دون ان تكون مرفوضة اسرائيلياً" كان يمكن ان تغير المسار التاريخي للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي لولا انها جاءت في الايام الاخيرة من ولاية بيل كلينتون، وقبل اسابيع قليلة من الاستحقاق الانتخابي في اسرائيل نفسها. ويبدو ان الحسابات الانتخابية والسياسية الخاطئة هي التي تحكمت بالموقف النهائي لكل من الاسرائيليين والفلسطينين من مقترحات كلينتون الجديدة. فباراك تخوف من انعكاس سلبي للتنازلات المطلوبة منه على نتائج صراعه الانتخابي مع شارون الذي كان سيستحق موعده في 6 شباط فبراير 2001، وعرفات بقي متردداً في القبول والتوقيع أملاً منه في الحصول على مزيد من التنازلات الاسرائيلية بعد ان تبدأ ولاية جورج بوش الذي وجد من يهمس في اذنه بانه سيكون اكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين بحكم ضعف ارتباطه باللوبي اليهودي الاميركي وبحكم قوة ارتباطه، هو والفريق العامل معه، بالمصالح النفطية في المنطقة العربية. واذا صحت هذه المعلومة، فان فرصة تاريخية كبرى لتسوية الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ولوضع حد لتضحيات الفلسطينيين وآلامهم تكون قد ضاعت. ففشل طابا لم يؤد في محصلة الحسابات الا الى نتيجة واحدة هي اغداق الاسرائيليين بأصواتهم على شارون، من دون ان يأخذوا بعين الاعتبار، خلافاً لتقديرات القياديين الفلسطينيين، كونه سفاح مجزرة صبرا وشاتيلا. اما في واشنطن نفسها فانه بعد ان تربع بوش الثاني في سدة البيت الابيض، تعمّد في الشهور الاولى من ولايته الا يعير الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي سوى اذن صماء. ثم لم يلبث في الشهور التالية، وعلى اثر اعتداءات 11 ايلول سبتمبر 2001 ان صنّف النضال الوطني الفلسطيني في عداد الارهاب الدولي، مما ادخل هذا النضال في واحدة من اخطر ازماته في تاريخه.