"أم نبيل" تشعر بالقلق على ابنتها ميساء التي شارفت على منتصف العقد الثالث من عمرها ولا تزال عزباء. اذ تخشى أم نبيل ان تصبح ابنتها "عانساً" كما يسمي المجتمع الفتيات اللواتي يقتربن من سن الثلاثين، فينتهي بهن المطاف عند احدى اخواتها المتزوجات، كما هي حال عمتها. ومن شدة قلقها، اعطت ام نبيل رقم الهاتف الخلوي الذي تحمله ميساء لإحدى صديقاتها كي تدل عليها "العرسان"، الامر الذي اثار غضب ميساء - الفتاة المعاصرة - التي تعمل في مؤسسة اجنبية مذ تخرجت في الجامعة الاردنية قبل 13 عاماً. وسواء كانت راغبة في ارتقاء سلم العمل او البحث عن شريك حياتها المناسب بنفسها، فإن المجتمع سيعتبرها "عانساً"، اي فتاة فاتها قطار الزواج، فيما هي تقترب من سن الثلاثين. وبحسب ما يرى مفيد سرحان، مدير عام جمعية العفاف الخيرية - المعروفة بتنظيم حفلات الزفاف الجماعية - فإن "ناقوس الخطر يقرع عند الفتيات بعد سن الثامنة والعشرين". ويقول: "على رغم ان كلمة عنوسة تخص الجنسين، فهي لا تستخدم لوصف الرجال، بل الفتيات الاكثر تضرراً في المجتمع، الذي لا يقبل ان تبقى الفتاة من غير زواج، لأنها ستتعرض لمخاطر نفسية واجتماعية". وعلى رغم ارتفاع متوسط سن الزواج عند الذكور من 26 سنة في العام 1979 الى ما يقارب 30 عاماً سنة 2000، وعند الفتيات من 21 سنة الى 26 سنة خلال الفترة ذاتها بحسب بيانات دائرة الاحصاءات العامة، الا ان نسبة العزوبية ازدادت في شكل كبير لدى الجنسين. وبالنسبة الى الاناث غير المتزوجات، ارتفع عددهن في فئة الاعمار 25-29 من 8،12 في المئة في العام 1979 الى 33 في المئة قبل عامين، فيما ارتفعت في فئة 30-49 من 7،3 في المئة الى 11 في المئة خلال الفترة نفسها. ويرى الاخصائيون ان تدني مستوى الدخل وارتفاع نسبة البطالة اديا الى تفاقم هذه الظاهرة عند الشباب الاردنيين. فمعدل دخل الفرد تراجع الى نحو 1500 دولار في السنة، بينما وصلت نسبة البطالة بين السكان الذين يقدر عددهم بنحو 2،5 مليون نسمة الى 14 في المئة بحسب الارقام الرسمية و27 في المئة وفق التقديرات المستقلة. وبسبب أزمة حرب الخليج الثانية، عاد الى الاردن ما لا يقل عن 300 ألف مغترب، ما ادى الى ارتفاع نسبة البطالة وخفض حجم تحويلات الاردنيين العاملين في الخارج. ويرى سرحان ان متطلبات أو تكاليف الزواج المرتفعة باضطراد، فضلاً عن المغالاة في طلب المهور أحياناً، ساهمت في زيادة عدد العازبين في مجتمع يحتل الزواج مكانة مهمة بالنسبة الى الرجل والمرأة على حد سواء. ويعبر سرحان عن مخاوفه من أثر التأخر في الزواج وارتباط ذلك الوثيق بالانجاب بالنسبة الى المرأة، واحتمال حدوث ما سماه "انحرافات اخلاقية عند الشبان والفتيات" اضافة الى آثار صحية مثل انتشار مرض "الايدز" وهي عوامل تضعف بدورها القدرة الانتاجية في سوق العمل"، بحسب قوله. ولكن هناك تضارباً في الآراء حول اهمية مسألة التأخر في الزواج. اذ يقول العالم الاجتماعي في الجامعة الاردنية موسى شتيوي انه على رغم ارتفاع نسبة العزوبية عند الفتيات والشبان، فإن ذلك ليس مؤشراً بالضرورة الى معدل العنوسة، لأن "هناك فتيات لا يرغبن في الزواج المبكر، لرغبتهن في اكمال دراستهن الجامعية والعمل بعد التخرج". ويضيف شتيوي ان "المفاهيم المرتبطة بالعنوسة تغيرت، وهناك مشكلة في الخلط بين العنوسة والتأخر في سن الزواج، وعدم الرغبة في الزواج". ويرى ان التأخر اصبح مرتبطاً بمتطلبات الحياة الاقتصادية وجزءاً من تطور المجتمع. لذلك "تغيرت المفاهيم الاسرية ولم تعد كلمة سترة البنت هي الاهم في المجتمع. أنا شخصياً لا اعتقد أن العنوسة مشكلة، وأنا ارفض هذه التسمية. ولكن المجتمع محافظ ولا يتيح للفتاة ان تعيش رغباتها الجنسية او العاطفية". ويضيف: "هناك نسبة من الشبان والفتيات تعزف عن الزواج لأنها لم تجد شريك الحياة المناسب، بسبب ميولهم الخاصة. اي ان غير المتزوجين ليسوا بالضرورة عوانس او انهم لن يتزوجوا ابداً". اما على المستوى الاجتماعي، فيعترف شتيوي بأن هناك نظرة سلبية لغير المتزوجين في مجتمع يعتبر الزواج مكملاً للرجولة والأنوثة عند كلا الجنسين. ويقول اخصائي الامراض العصبية والنفسية وتخطيط الدماغ خليل ابو زناد ان الزواج في شكل عام يوفر "استقراراً نفسياً" في المجتمع. فالفتيات العازبات يجدن انفسهن "في وضع حساس، بسبب النظرة غير السوية للمجتمع، ما يسبب لهن الاكتئاب". ويضيف ان نظرة المجتمع ستحتاج الى اجيال عدة حتى تتغير. اما الشيخ عز الدين التميمي، مستشار الشؤون الاسلامية للعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، الذي كان يتحدث في احدى الندوات التي عقدت اخيراً، فيرى ان الفتاة "التي تمر عليها السنون من دون حصولها على الزواج... تسودّ الدنيا في عينيها وعيون اهلها، فيندفعون الى اوكار الكهنة والعرافين والفتاحات والفتاحين، ويلجأون الى كتابة الأحجية علهم يفكون عقدتها". أما فاطمة، التي بلغت من العمر 38 عاماً وتعمل مديرة مالية في مؤسسة نسائية خيرية في عمان، فتقول: "قطار الزواج لم يفتني بعد. فأنا ما زلت آمل في ان اجد شريك حياتي".