لم يخص صدام أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين هم اعلى سلطة تشريعية وتنفيذية في العراق، ولا اعضاء مجلس وزرائه، بحديث مهم في استقباله لهم لتهنئته بعيد الأضحى. بل خص صدام اعضاء المكتب العسكري لحزب البعث، الذي يتولى رئاسته نيابة عنه ابنه قصي، بحديث أراده صدام ان يكون احدى مناوراته الرئيسة، في الدفاع عن حكمه في الأزمة الحالية التي يواجهها. إن مفاد حديث صدام هو انه لا مانع لديه من تغيير نظام الحكم في العراق، لكن بشرط ان يغيِّر من طريق سماه بالطريق الحضاري، وليس الحرب والتدمير. إلا ان اهمية حديث صدام ليست في ما ذهبت إليه بعض وكالات الأنباء العالمية، وبعض التعليقات عليه، من ان صدام ربما قرر، تفادياً لحرب جديدة، التخلي عن الحكم. بل ان اهمية حديث صدام تتجلى في انه ما زال يتبع الأساليب ذاتها في الدفاع عن حكمه ضد اعدائه الداخليين والخارجيين، على رغم ان تلك الأساليب اصبحت معروفة، ولم يعد فيها عنصر المفاجأة، على رغم تغير الظروف، ما يؤكد حقيقة اساسية هي انه حكم غير قادر على تعلم شيء جديد. وهذا مؤشر اكيد على ضعف في القدرة الذهنية. في مثل هذه الأيام من عام 1991، وبينما كان هنالك اخذ ورد بين دول التحالف حول ضرورة الاندفاع نحو بغداد وإسقاط حكم صدام، ساد رأي مفاده انه من الأحسن ترك مسألة إسقاط حكم صدام للعراقيين انفسهم. فهم قادرون على إسقاطه بانقلاب عسكري، وإنه لن تمر إلا اسابيع، أو اشهر، حتى يتحقق ذلك. وتبين بعد ذلك ان اجهزة مخابرات صدام كانت ضالعة الى حد كبير في الترويج لنظرية الانقلاب العسكري تلك، ومنذ البداية دفعت مخابرات صدام بأسماء بعض الجنرالات العراقيين على انهم رجال الانقلاب العسكري المنتظر، وصوّرت ان طلب المفاوضين العسكريين العراقيين في خيمة صفوان من قيادة قوات التحالف بالسماح للقوات العراقية باستخدام الطائرات المروحية هو لضرورة استخدام الطائرات المروحية في حصد المشاركين في الانتفاضة العارمة التي عمت 15 محافظة من محافظاتالعراق البالغ عددها 18 محافظة. لقد ساعد بشكل او بآخر وبدرجة أو بأخرى ترويج مخابرات صدام لنظرية الانقلاب العسكري نظام حكمه على النجاة من عملية اجتياح عسكري كانت ستودي به لا محالة. وهو اليوم، وبعد 11 عاماً، يحاول استخدام الأسلوب نفسه، عسى ولعل ينفع ثانية. إن ما أراد صدام قوله لأميركا في حديثه مع ابنه ومكتبه العسكري، هو: لماذا حرب وتدمير من اجل اسقاط حكمي، أقترح طريقاً آخر غير طريق الحرب والتدمير، وهو ان يغيّر نظام الحكم في العراق سلمياً، على شرط ان يكون التغيير لصالح من يجلس الى جانبي، لصالح ابني قصي، تعالي، يا اميركا! إذاً لنتحاور، ولنتناقش ولنتفاوض في كيف ومتى يغيّر نظام الحكم في العراق، وما هي شروط ذلك. مردداً بذلك وبعد اكثر من 11 عاماً دعوته ذاتها لأميركا وحلفائها قبل اندلاع حرب الخليج: تعالوا حاوروني. يبدو ان صدام يعتقد انه أطبق على الزمن، وأنه قادر بذلك على منعه من الحركة، فهو يعتقد انه يستطيع اليوم استخدام الأساليب ذاتها التي استخدمها في القرن الماضي. بريطانيا - د. وليد عبدالخالق ابراهيم عراقي لاجئ