ترتفع في كثير من المواقع الأثرية التونسية أقواس نصر قديمة، تحكي تاريخ المدن الرومانية المزدهرة في القرن الأول قبل الميلاد في تلك البلاد. وكل قوس نصر وراءه حكاية تروى، تستحقّ أن يتوقّف عندها الزائر والسائح والمواطن. فقد كان من عادات الرومان إنشاء أقواس النصر عند مداخل المدن، لتسجيل انتصاراتهم العسكرية الكبيرة. وكما يلفت المؤرخ محمد هادي الشريف، كان القوس يتحول إلى بوابة للدخول إلى المدينة، يمرّ عبره الرومان باعتداد وفخر، خصوصا لدى الذهاب إلى الحروب، أو خلال الاحتفالات الرسمية. ومن أشهر المدن التي مازالت تحتفظ بأقواس نصر قديمة مكثر التي كانت تسمى Mactaris في الشمال التونسي، وسبيطلة Sufeitula في وسط الجمهوريّة، ودوقة Thugga في الوسط أيضاً. وتقع كلها في منطقة كان الرومان يطلقون عليها اسم أفريكا Africa، وهي التي منحت للقارة السمراء اسمها الحالي. وتفنن المهندسون الرومان بتشييد أقواس النصر وثبتوا على بعضها مجسمات للنسر الروماني، أو رموز دينية أو كتابات تؤرخ لمعارك وأحداث كبيرة. وكان القوس يشتمل عادة على بوابة نصف دائرية ضخمة، وإلى جوارها بابان صغيران يستخدمان لعبور المشاة لدى إقفال البوابة الرئيسية. وأحكمت روما سيطرتها على تونس بعد هزيمة جيوش هنيبعل أمام الجيش الروماني العام 146 ق م، فباتت ممالك قرطاج مستباحة، ونشط إرسال المستوطنين للإستيلاء على الأراضي الخصبة... إلا أن الرومان لم يهتموا كثيرا بإدارة الشؤون الداخلية للسكان المحليين، بل كان يكفيهم المحافظة على الأمن الذي كان في عهدة واليهم المستقر في مدينة أوتيك الساحلية، وجمع الضرائب واستثمار المستوطنات الزراعية. تخليد المعارك واتخذ الرومان تدابير حربية جديدة، فجعلوا قيادة الفيلق الروماني الثالث في مدينة حيدرة القريبة من الحدود الحالية مع الجزائر. وفتحوا طرقات استراتيجية في عمق تونس، وشنوا حملات عنيفة على القبائل المتمردة، حتى كسروا شوكتها. وبسطوا نفوذهم على الجزائر والمغرب، وصولا إلى المحيط الأطلسي. ففي العام 40 بعد الميلاد، انضمت موريتانيا الحالية إلى الامبراطورية الرومانية. كما أحيطت الممالك الرومانية بسلسلة من الحصون المنيعة. وفي هذا السياق تم تشييد أقواس النصر لتخليد المعارك التي خاضها الجيش الروماني وكذلك لضمان أمن المدن. وما زال كثير من المعالم التاريخية التي تعود إلى تلك الحقبة ماثلة إلى اليوم، في مدن حضرموت Hadrumete وهي سوسة الحالية، وقفصة Capsa، وبولاريجيا Bulla Regia، وتبوربو ماجوس Thuburbo Majus، وصولا إلى ليبيا الحالية حيث توجد مدينة لبدة Lepsis Magna شرق طرابلس... وهي عبارة عن معابد ومسارح رومانية، وقليل من أقواس النصر والبيوت القديمة، مثل بيت أفريكا الذي تم تعميره وافتتاحه أخيرا في محيط المسرح الروماني في مدينة الجم وسط تونس.