التساؤل ازاء ما نراه من ممارسات الجيش الإسرائيلي على الارض العربية الفلسطينية، هو: ما جدوى الرهان العربي على "التدخل" الأميركي، لوقف محاولات آرييل شارون "تهجير" الفلسطينيين، بل، محاولاته تكرار سيناريو العام 1948، من أجل تنفيذ فكرته في "الوطن البديل" للفلسطينيين ؟!. مثل هذا التساؤل، تزداد حدته في اطار التصريحات الاخيرة التي صدرت عن أقطاب الإدارة الأميركية: جورج بوش، ومن قبله كولن باول وزير خارجيته، ومن بعده دونالد رامسفيلد وزير دفاعه، تلك التصريحات التي تتمحور كلها حول نقطة مفادها: "التفهم الأميركي لإجراءات إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ؟!. الاشكالية، هنا، هي: صرف النظر العربي عن سيكولوجية اتخاذ القرار الأميركي، راهناً، بعد أحداث أيلول سبتمبر، أو قل: صرف النظر العربي عن "العقدة" التي سببتها هذه الاحداث، في صناع القرار الأميركيين، خصوصاً اذا تعلق القرار بالعرب ومنطقتهم. ما هي، اذاً، جدوى الرهان العربي على "التدخل" الأميركي، في ظل وجود صناع قرار أصابتهم، من دون مبالغة أو مواربة، "عقدة الخوف"، وما ولدته من "عقدة الانتقام" من كل ما هو عربي أو إسلامي. بل، ما هي جدوى الرهان العربي، إياه، على "تدخل" ادارة: لن ينسى رئيسها، ما بقي حياً لحظات الذعر التي عاشها مختبئاً لا يعرف العالم مكانه طوال اكثر من يومين. قطعاً، لا نقول هذا لالتماس العذر لهذه الادارة الأميركية في تحولها: من الحياد الظاهري، الى الانحياز الظاهر لإسرائيل .. فالإدارات الأميركية المتعاقبة، ومن بينها هذه الادارة، لم تقف يوماً الى جانب الحق، ولكن، نقوله لتبيان الفارق بين: اللعب الإسرائيلي على وتر "التغيير الحاصل في سيكولوجية اتخاذ القرار الأميركي"، لمصلحة مخططات شارون في فرض "المكانة الاستراتيجية" لإسرائيل على العرب ومنطقتهم العربية، وبين: ديبلوماسية "التودد" التي يبدو أن العرب ما يزالون مصرين على انتهاجها مع الولاياتالمتحدة. أياً يكن الأمر، فالدليل الذي نقدمه، هنا، على عدم المبالغة في قولنا هي حال "التردد" التي تلازم الادارة الأميركية، منذ رئاسة جورج بوش الابن، تجاه مشكلات الشرق الاوسط، وبالتحديد: مشكلات تسوية الصراع بين "العرب .. وإسرائيل". لكن الادارة الأميركية - على عكس ما يرى البعض، ويروج، حسمت امرها لمصلحة رؤية محددة. والرؤية مفادها: عدم الانغماس في تفاصيل التفاوض بين "الفلسطينيين وإسرائيل"، بالصورة التي انتهت اليها ادارة الرئيس السابق كلينتون، وهي رؤية تبدو متوافقة مع الدراية المحددة للرئيس بوش بتعقيدات القضية الفلسطينية، وعدم رغبته في الاقتراب من هذه التعقيدات" اضافة الى الانكفاء على "الذات" الأميركية، بما يتضمنه من "ايمان" بأن ميزان القوى هو العامل المحدد لعلاقات الاطراف الدولية وبعضها البعض. والادارة الأميركية الحالية، لا تريد، كما يبدو، ان تكرر ما تعتبره اخطاء الرئيس كلينتون: حماسته المفرطة في السعي لتحقيق فوز كبير، وثقته الزائدة بأن مشاركته الشخصية وقدراته الاقناعية يمكن أن تلعب الدور الحاسم. ليس لبوش مثل تلك "الطموحات" الشخصية للرئيس كلينتون. لذا، فإن مشاركة الاول لن تكون على مستوى مشاركة الاخير، والدليل تفويضه وزير الخارجية، باول، المسؤولية الاساسية في هذا الشأن. ولأن باول، ذو عقلية عملية عسكرية بالأساس، فإن مواقف الولاياتالمتحدة في ما يتعلق بمشكلات المنطقة، تتحدد على نحو "محافظ" أكثر، انطلاقاً من ما يبدو قابلاً للتحقيق في ضوء أوضاع المنطقة ذاتها. يعني هذا أن المطالبة العربية المستمرة ب"دور" أميركي اكبر في ما يخص مشكلات المنطقة، هو نوع من الخطاب "الإعلامي" اكثر منه تحركاً واقعياً يعي آليات الادارة الأميركية الجديدة، وأسلوب اتخاذها القرار الذي يبدو، من وجهة النظر الأميركية "واقعياً" وإن كان "محافظاً"، في حين يتراءى للعرب "تردداً". أياً يكن الأمر، فإن هذا السلوك الأميركي ساهم، إلى جانب "ضعف المواجهة العربية، في تمادي رئيس الوزراء الإسرائيلي، شارون، وتصعيده لمسلسل "العنف" الإجرامي ضد الانتفاضة الفلسطينية. بل إن كلاً من، الضعف العربي والسلوك الأميركي، ساهم، وسيساهم في ما يفعل شارون وفي ما سيفعل. * كاتب مصري.