في أواخر السبعينات، وربما في سنة 1980، قرأت كتاباً عنوانه "أمي العزيزة" كتبته كريستينا كروفورد عن امها الممثلة المشهورة جون كروفورد، ولم تترك صفة شنيعة إلا وألصقتها بالأم، حتى اصبح عنوان الكتاب عبارة تستخدم لتعني عكس الكلام الظاهر. الكتاب تحول الى فيلم لعبت دور البطولة فيه فاي دونواي، واستغربت في حينه ان تفضح بنت امها، إلا أنني وجدت بعد ذلك ان هذه ظاهرة، او خصوصية، غربية، تتكرر سنة بعد سنة، وربما شهراً بعد شهر. السنة الماضية صدر في انكلترا كتاب لقي رواجاً فورياً عن المحامي المشهور جورج كارمان بعنوان "رجل غير عادي" كتبه ابنه دومينيك كارمان. وكان الأب في حينه اشهر محامي قضايا القدح والذم على الاطلاق، وارتبط اسمه بمشاهير من نوع السياسي الليبرالي الشاذ جيريمي ثورب، والمغني إلتون جون، والممثل توم كروز، ومحمد الفايد وجوناثان ايتكن. وأعترف بأنني خفت عندما تلقيت رسالة بتوقيعه في قضية رفعت عليّ، إلا انه مات في مطلع السنة الماضية بعد ان اصيب بسرطان البروستات، وربحت القضية في وقت لاحق. الابن البار دومينيك اعترف بعبقرية ابيه في المحاكم، إلا ان الكتاب ما كان باع نسختين لو ان المؤلف توقف عند هذا الحد، فهو كشف ان اباه مارس الشذوذ الجنسي، وانه كان مقامراً سكيراً يضرب زوجاته تزوج ثلاث مرات وتوفي عن عشيقة. ومرغت سمعة المحامي الراحل في الوحل ولا من يدافع عنه. هل هذا ادب او قلة ادب؟ نصحنا بالوالدين احساناً، وهي نصيحة موجودة في كل دين وثقافة، وإحدى الوصايا العشر "أكرِم أباك وأمك". ومع ذلك فأنا اقرأ العكس بتكرار يجعل من الفضائح العائلية نموذجاً ادبياً مستقلاً، مثل روايات الخيال العلمي، او روايات الجريمة وغير ذلك. في الأدب الانكليزي تعتبر فرجينيا وولف وفيتا ساكفيل - ويست من اشهر اديبات القرن العشرين. وقد قامت بينهما علاقة مشهورة من النوع المحرّم، فلا سر هناك. ومع ذلك فوجئت قبل ايام وأنا اقرأ تفاصيل دقيقة عن هذه العلاقة، كتبها نايغل نيكولسون، ابن ساكفيل - ويست. وعاد الابن البار بالعلاقة الى نهاية سنة 1922، وقال ان والدته وقعت في غرام فرجينيا وولف فوراً، ولكن هذه لم تبادل امه الشعور نفسه في البداية، وانما كتبت في مذكراتها ان فيتا ساكفيل - ويست "ذات شاربين وتلبس ثياباً كثيرة الألوان كأنها ببغاء، وتبدي نعومة الارستقراطية من دون لمعة الفنان". ويسجل الابن من ملفات الاسرة رسائل متبادلة بين الكاتبتين، ويزيد ان والدته اقامت علاقات شاذة مع نساء كثيرات، وقبل بدء علاقتها مع فرجينيا وولف بسنتين فرت الى فرنسا مع عشيقتها فيوليت تريفوسيس. مرة اخرى هل هذا ادب؟ لا اسجل سوى استغرابي، وأزيد للقارئ انني قرأت قبل ايام فقط عن كتاب جديد عن حياة الممثل الراحل ستيف ماكوين، كتبته زوجته الاولى نيلي ادامز، وتكشف فيه ان ماكوين كان صاحب طبع ناري، يفقد اعصابه بسهولة ويضرب زوجته، كما كانت له عشيقات كثيرات. ربما كانت الزوجة الاولى تنتقم لنفسها، ولكن كيف نفسر ان يتطوع رجل اسمه روبرت ماكنزي بكتابة تحقيق صحافي عن ممارسة ابيه الخيانة الزوجية، وكيف اشتركت عشيقته وزوجته في حضور جنازته. اذكر ان زوجة الرئيس فرنسوا ميتران وعشيقته حضرتا جنازته، ومعهما ابنته من الثانية مازارين. ونحن نسمي نتيجة هذه العلاقة ابن زنى، او ابنة، غير انهم بالانكليزية والفرنسية يختارون وضعاً مخففاً هو ابن حب، او ابنة. اوقح من كل من سبق رجل اسمه شون توماس كتب عن الخيانات الزوجية المتكررة لأبيه، ثم استعملها عذراً ليبرر خيانته الزوجية، فهو يعتبر انه ورث "جينات" ابيه في الخيانة. وضاق المكان، فاختصر ما جمعت لأختتم بضجة ادبية حول كتاب بعنوان "بين الصخرة والمكان القاسي" صدر سنة 1993، وزعم في حينه ان مؤلفه ولدٌ في الخامسة عشرة هو انطوني غودبي الذي زعم انه ولد سنة 1973، وكان والداه يضربانه ويعتديان عليه جنسياً. وفرّ منهما فسقط ضحية عصابة من الشاذين الذين يعتدون على الاطفال وأصيب بالإيدز وأمراض جنسية اخرى، وأخيراً انتهى عند امرأة رعته وأخذته الى المستشفى حيث قرر طبيب ان 54 عظمة في جسمه تعرضت للكسر في الحوادث التي تعرض لها. "واشنطن بوست" قالت في حينه ان الكتاب فاجعة ومؤثر جداً، وكذلك وصفته الصحف الاخرى، إلا ان الضجة الحالية قامت عندما تنبه بعض الناس الى ان هذا الولد المصاب بالإيدز منذ سنوات لم يمت بعد، وعلى رغم انه حي ويتصل هاتفياً بمؤلف معروف وآخرين فان أحداً لم يره. هناك صورة لأنطوني غودبي، غير انني اكتب والمحققون يميلون الى اعتبار الكتاب خدعة ادبية استمرت نحو عشر سنوات. غير ان الجدل سيستمر الى ان يكتشف المؤلف الحقيقي للكتاب، او يتقدم الولد الذي اصبح شاباً ويميط اللثام عن حقيقته. ومرة اخيرة، هل هذا ادب؟ لا أؤيد أو أدين، وإنما أقول انه يكفيني ان كل ما قرأت عنه ومنه كان بالانكليزية.