من السهل أحياناً تصور النتيجة النهائية لأي برنامج منوع يتعاطى مع المادة الفنية من خلال استضافة صاحبها أو مبدعها، أو الفنان في شكل عام. وواقعياً غدا الفنان العنصر الرئيسي في البرامج المنوعة العربية الى درجة لا يمكن معها تصور برنامج منوع واحد من دون وجود فنان فيه. ان وجود الفنان يضفي على البرنامج نوعاً من السحر والجاذبية يجعل من المشاهد أسير اللحظات التي تشكل المدة الزمنية للبرنامج المنوع. والفنان في طبيعته جزء من عالم النجوم والأسرار التي قد تجذب المشاهد، وبخاصة المشاهد العربي، ولكن هذا لا يعني ان يتم ذلك في طريقة غير مدروسة. ويوماً بعد يوم تزداد خبرة المشاهد، لتتسع ذائقته الجمالية الى درجة عجزت فيها البرامج المنوعة الكلاسيكية التي تكتفي باستضافة الفنان النجم عن اقناع مشاهديها بأنها تحمل الجديد لهم، وهكذا بدأت محاولات دؤوبة تجري لتجديد آليات التعامل الفني مع المرتكز الأساسي نفسه. وتراوحت درجات نجاحها بين حدين الأدنى هو الحد الضعيف، والأعلى هو المتوسط! وقبل أكثر من سنة خرجت المذيعة اللبنانية يمنى شري ببرنامج منوع على شاشة "المستقبل" باسم: "القمر ع الباب"، تم فيه البناء على مرتكز أساسي هو استضافة الفنان القمر، واحاطة هذا المرتكز بتشكيلة اخراجية، أو في شكل أدق بتظاهرة فنية فانتازية تعبث بالمشاهد وتحاول استلابه، ولكنها كُشفت في سرعة، وبدت باهتة في الحلقات الروتينية التي تلت الإقلاع الأول للبرنامج! ويعتمد برنامج "القمر ع الباب" على فقرات عدة تضاف الى الجسد الرئيس للبرنامج وهو استضافة فنان أو أكثر والحديث معه عن عوالمه الخاصة والفنية، والملاحظ انه في هذا البرنامج بات يتم التعامل مع هذا الجسد البرنامجي في طريقة اخراجية هزلية، وبإعداد غير متزن ينحدر أحياناً باتجاه السطحية، وهذا التقويم لا يهدف الى التجريح بقدر ما يهدف الى المساهمة في اعادة بناء منظومة البرنامج الترفيهي المنوع العربي، واعادة تثبيته على قدميه. ركز البرنامج ومنذ حلقاته الأولى على خطف أبصار المشاهدين من خلال مجموعة مظاهر، لم يستفد منها المعد لتعميق فكرته، ومن هذه المظاهر: حرية حركة المذيعة، والايهام بأنها منسجمة مع ضيفها الرئيس والضيف الآخر الثانوي وفرقة العازفين الموجودة داخل الاستوديو، فهذه الحرية حررتها يمنى شري من ضوابطها لتقع مباشرة في دائرة فعل ما لا يلزم لسحر المشاهد، فلم تنجح في مجموع الحلقات، وان نجحت في عدد من الحلقات الأولى! الاعتماد على جاذبية العنصر الفني المؤنث واغرائه، إذ لا بد في كل حلقة من ضيف رديف أو أساسي هو الأنثى الساحرة التي تجعل المشاهد غير قادر على التحول عن القناة. ولهذه الخطوة محاذير ومخاطر على عين المشاهد أهمها ان الاغراء لا يكفي اذا افتقد مبرره ومنطقه واضحى جسداً فقط... اللجوء الى التهريج غير المنضبط الذي قد يسعد صاحبه فقط أمام وهج الشاشة التي تدخل بيوتنا من دون استئذان! افتقاد عمق الأسئلة والحوار المطروح، والبحث عن الفضائحية غير المباشرة والمبررة بالمزاح والفضول والملعنة! صحيح ان البرنامج نجح في مجموعة عوامل لا يجوز اغفالها، ومنها: الاعتماد على الاتصال الهاتفي الذي يضيف فقرة جديدة لكتلته الأساسية، واستخدام البريد الالكتروني واضافة مستوى جديد من وظائف الديكور، بل نجح في استخدام نوعية ألوان يمكن ان تدخل البهجة تدرجات الأصفر والبرتقالي - دوار الشمس الى نفس المشاهد، وهذا وحده لا يكفي... اذ ان برنامج "القمر ع الباب" يحتاج الى مزيد من التمعن في وظائف البرامج المنوعة، والسعي لتفعيل معطياتها على نحو آخر من دون حاجة الى الوقوع في مطب "الجمهور عايز كده" الخطير!!