قبل ساعات من سيطرة الإسرائيليين على مخيم جنين كان العديد من شبكات التلفزة الغربية يركز على منع الإعلاميين من الاقتراب لمعرفة ما يجري داخل المخيم. فقد وردت إليهم أنباء عن مجازر وجثث في الشوارع وجرحى ينتظرون في الاسعاف، وعلموا أن الصليب الأحمر ممنوع من الدخول. بعد تدمير المخيم والسيطرة عليه، تغيرت اللهجة. لماذا؟ أولاً، لأن القنوات الغربية تعاملت مع الحدث على أنه "انجاز حربي" انتقاماً لمقتل عدد من الجنود الإسرائيليين. وثانياً، لأن الرواية الإسرائيلية قالت إن الجنود قتلوا في "عملية انتحارية"، إذ دخلوا إلى مبنى تحصن فيه عدد من المقاومين الفلسطينيين بالعبوات الناسفة. وثالثاً، لأن عملية الباص بالقرب من حيفا، صباح يوم الأربعاء، بدت كأنها تعطي الإسرائيلي نقطة يسجلها لدعم تبريره لحرب إعادة احتلال الضفة الغربية، وقد تعامل معها الإعلام الغربي سي ان ان، بي بي سي بهذه الذهنية. في المقابل، تحدثت القنوات العربية، وكذلك القيادة الفلسطينية في بيان لها، عن مقابر جماعية وجثث تنقلها شاحنات عسكرية لدفنها خارج المخيم في مكان مجهول، وعن بيوت هدمت فوق أصحابها. لكن القنوات الغربية تجاهلت ذلك، وأبرزت زيارة شارون لجنين في ما يشبه احتفالاً بالانتصار، مركزة على تصريحاته هناك، وفيها جدد تحديه للدعوات الأميركية إلى انسحاب إسرائيلي فوري من المناطق الفلسطينية المحتلة. ومع أن اللقاء الرباعي في مدريدالولاياتالمتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأممالمتحدة جدد دعوة إسرائيل إلى الانسحاب، إلا أن هذا الانسحاب تراجع كأولوية في الإعلام الغربي، الذي بدا مأخوذاً بحال التضامن الحكومي في إسرائيل والالتفاف حول ارييل شارون فيما هو يتسبب ب"اهانة" للولايات المتحدة وفقاً للتعبير الذي استخدمته "نيويورك تايمز". ومع إن الإسرائيليين أكملوا أمس خطة معاودة احتلال كامل الضفة، فقد بدا الإعلام الغربي مروجاً ل"حاجة" الجيش الإسرائيلي للتحرك في الضفة حتى يوم الأربعاء المقبل قبل أن "يبدأ" الانسحاب. ويذكر أن وزير الخارجية الأميركي كان بادر في حديث تلفزيوني قبيل بدء جولته، إلى تقديم شروح لوجستية افترض فيها مسبقاً أن "الانسحاب الفوري" متعذر، وبذلك كان يبدي أقصى "التفهم" للعملية العسكرية الإسرائيلية، ولم يبالِ بأن مجازر ستقع في مخيم جنين والمخيمات المحيطة بنابلس فضلاً عن المنطقة العمرانية الأثرية تعود إلى العهد الأيوبي في نابلس القديمة. فيما تراهن الدوائر الديبلوماسية، منذ اليوم، على مهمة كولن باول في إسرائيل، بدا ان التأييد الأميركي للحملة العسكرية والتركيز على شعار "تدمير بنية الإرهاب" جعل الإعلام الغربي يتراجع في اللحظة التي انجز فيها ارتكاب جريمة الحرب سواء في جنين أو في نابلس. ففجأة لم يعد الصحافيون الأجانب ملحاحين في طلب الدخول إلى مخيم جنين، ولم يعودوا مهتمين بتفاصيل ما جرى، خصوصاً أن الصور التي وزعها الجيش الإسرائيلي أظهرت دبابات في أماكن "نظيفة" كان تقوم فيها قبل ساعات أبنية يعيش فيها أناس وربما اندثروا في انقاضها.