يدل كل المؤشرات إلى أن إيران لن تكون البلد الثاني الذي سيقطع امدادات النفط بعدما اوقف العراق تصدير نفطه لمدة شهر واحد. وعلى رغم أن اقتراح وقف النفط لمدة شهر جاء من إيران على لسان أعلى سلطة للقرار فيها المرشد علي خامنئي، فإن رهان طهران يتركز على موقف جدي للدول العربية والإسلامية بحيث يتم اتخاذ قرار جماعي لاستخدام النفط سلاحاً من أجل الضغط على الدول الغربية، خصوصاً الولاياتالمتحدة، للعمل على وقف العدوان الإسرائيلي المتمادي على الشعب الفلسطيني. وترى الأوساط القريبة إلى صناعة القرار الإيراني "ان التهديد باستخدام النفط سلاحاً هو تهديد جدي، لكن لا بد من أن يتم بقرار جماعي كي يكون مؤثراً وفاعلاً عبر إحداث أزمة طاقة عالمية تكفل توقف عجلة الصناعة والتكنولوجيا الغربية المعتمدة على النفط كمصدر لتشغيلها". وتعتقد الأوساط المراقبة في طهران أن هناك جملة عوامل تدفع إيران نحو عدم اتخاذ موقف منفرد بشأن قطع امداداتها النفطية عن الغرب، أهمها: أولاً، ارتفاع نسبة الاحتمالات بعدم تأثير مثل هذا القرار على السوق النفطية إذا ما استمرت بقية الدول في تصدير نفطها، وربما زادت حصص انتاجها من أجل تعويض النقص الحاصل من غياب النفط الإيرانيوالعراقي، خصوصاً أن قانون منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك ينص على اتخاذ مثل هذا الاجراء للحفاظ على استقرار السوق النفطية. ثانياً، إمكان اتخاذ الإدارة الأميركية وقف إيران نفطها ذريعة لتصعيد الضغوط على طهران، ورفع احتمالات المواجهة العسكرية وسط التهديدات الأميركية لإيران ووضعها مع العراق وكوريا الشمالية في قائمة ما وصفه الرئيس بوش بأنه "محور الشر". وهناك اجماع داخلي إيراني على "الهروب" من سياسة التصعيد مع واشنطن، وعدم ارتكاب أي خطأ قد تستغله الإدارة الأميركية لتوجيه ضربة إلى إيران، خصوصاً أن هناك قناعة بأن واشنطن تعمل على تنفيذ مخطط يستهدف دولاً عدة بعد فلسطين، وفي مقدمها العراق وبعده إيران. ثالثاً، عدم اتخاذ الدول العربية المعنية مباشرة بما يجري في فلسطين اجراءات جدية وحاسمة ضد إسرائيل، وهي اجراءات يعتبرها الإيرانيون الحد الأدنى المطلوب، ومنها قطع كل العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل من جانب الدول التي لها مثل هذه العلاقات مع تل أبيب. رابعاً، ستؤدي الخسارة التي ستصيب إيران من جراء وقف نفطها لمدة شهر إلى إضرار بالاقتصاد الإيراني غير القادر على تحملها في الوقت الحالي، وستصل إلى أكثر من بليون ومئتين وخمسين مليون دولار، بحساب سعر البرميل الواحد 25 دولاراً، في ظل حجم الصادرات الإيرانية من النفط التي تبلغ مليوناً ونصف مليون برميل يومياً. ويقترح بعض المحللين أن تقوم إيران بتخصيص عائداتها النفطية لمدة معينة يوماً أو عشرة أيام أو شهراً لدعم الانتفاضة وصمود الشعب الفلسطيني، للاستعاضة بذلك عن وقف صادرات النفط إذا كانت غير مؤثرة في ظل غياب الاجماع العربي والإسلامي. خامساً، قيام إيران بالتعاون مع حليفها الاستراتيجي سورية ومع الدولة اللبنانية بإزالة أي عقبات قد تعترض عمل "حزب الله" اللبناني واستمرار مقاومته للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وتذخير هذه العمليات في دعم الانتفاضة والمقاومة في فلسطين، وإعلان التضامن العملي مع الشعب الفلسطيني، هذا إضافة إلى دعم قوى المقاومة الفلسطينية. وذلك من دون الرضوخ للضغوط الأميركية المطالبة بوقف دعم إيران "حزب الله" والمقاومة الفلسطينية. وتبقى الاشارة إلى أن التلويح الجدي باستخدام النفط سلاحاً، استطاع كسر الحواجز النفسية بشأن استخدام مثل هذا السلاح، وعدم استبعاده خياراً في مرحلة مقبلة قد تكون أصعب عربياً وإسلامياً.