تحضر الشخصية الفنية في المشاهد التمثيلية بقوة كبيرة عبر الأفلام، ليصبح من الغريب ألا يعطي المرء أفكاراً واضحة عن التمثيل السينمائي. وهذا التمثيل فن مراوغ لا يغطي فقط طيفاً واسعاً من الأساليب ولكنه يقدم أيضاً وجوهاً متنوعة من ممثلين بلا حدود تؤثر فينا حسياً، ولا سيما حين نجلس وحدنا في صالة السينما مستجيبين بشكل فردي للتشخيص الحركي والجسدي من الممثلين وللون البيئة... كتاب "التمثيل السينمائي" الصادر عن وزارة الثقافة السورية ضمن سلسلة "الفن السابع" يتناول هذه المسألة اذ يعكس استجابة فردية ومحاولة لاستكشاف الأداء على شاشة السينما. تقول الكاتبة ماري ألين أوبراين مؤلفة الكتاب الذي ترجمه الدكتور رياض عصمت: "يبدو تنوع الممثلين في السينما اليوم نابعاً من عدم التركيز على الجمال الجسدي، بل التركيز على الجانب النفس/ جسماني حيث صارت الجماهير أكثر اهتماماً بما يختفي تحت السطح مما يظهر على خارجه... صار على الممثل حالياً أن يكشف أكثر من مجرد ملامح مميزة يدعمها مكياج ممتاز، صار عليه أن يعكس من خلال وجهه القرارات الداخلية والصراعات المعقدة التي تشغل الشخصيات المعاصرة". إن شخصيات الفيلم الحديث هي تكوينات من التناقضات، من الازدواجية، من الظلال المرهفة، ومن المهارة حيث انه بات على ممثلي السينما الجدد أنفسهم أن يتحلوا بالحساسية إزاء تلك التناقضات وبالبراعة في عكسها على الشاشة. في الوقت نفسه يجب عليهم أن يكونوا على أهبة النشاط في كل لحظة... تلك هي آلية عملية تصوير الشخصيات وجوهرها. وتقول الكاتبة: "إن كثيراً من مشاهد الفيلم هي ببساطة فعل جسدي، الدخول الى السيارات والخروج منها، ركوب الخيل عبر البراري، النظر إلى أعلى، وإلى أسفل، أو حول المرء. فعلى الممثل أن يؤدي كل الأفعال من دون شائبة. يعتمد جزء من المشاهد على المونتاج الذي يشكل الممثل أحد عناصره ضمن عناصر إيقاعية عدة توجد انطباعات وأفكاراً... إن بعض جوانب العمل في السينما لها علاقة بالتشخيص، وفي هذا المجال يستطيع الممثل أن يسهم بأفضل ما يملك من مهارة وموهبة". وعن تصنيفات أنماط التمثيل السينمائي ترى الكاتبة أن هناك أنواعاً عدة منها: ممثل الشخصيات الذي يكافح ليقدم شخصية تمزج بين ذاته وبين الصورة المكتوبة، وممثل الذات الذي عليه أن يعثر على الدور الملائم لعبور الخط الفاصل بين ممثل الشخصية وممثل الذات حيث يمكنه أن يتطور أو يحد من إبداعه من خلال توحده مع أحد الأنماط الذاتية أو في دور معين. والنوع الثالث من الممثلين هو الممثل الجسدي الذي يقدم موضة رائجة لدى عموم الناس كامتلاك طابع جسدي معين. ومن النادر أن نرى أحد هؤلاء الممثلين يقدم الدور الموكل اليه بصورة مقنعة. ويأتي الصنف الرابع من الممثلين وهو الممثل الطبيعي، وهو عادة ما يكون شخصاً التقطه المخرج من الشارع لكن هويته تكون متجلية عبر مواصفات جسمانية تعكس قدراً مما هو كامن بين سطور النص من عواطف ما تحت الجسد. اطلاق العنان تقول الكاتبة في إطار حديثها عن الممثل - الفنان: "بما أن الممثل السينمائي أتم هضم الجو التقني لصناعة السينما والتدخل التقني للكاميرا، وأدرك أن اختياره لصورة الشخصية يخضع لزمان علاقته بالكاميرا ومكانها يجب عليه الآن أن يطلق العنان لقدراته الإبداعية من خلال هذه المعارف... إن أكثر الموانئ أماناً هو ثقته بمخرج الفيلم وعلاقته المنفتحة به حيث يتيح له أن يتعاون معه كممثل أكثر من مجرد استغلاله لحضوره الذاتي والجسماني لتقديم صورة الشخصية... هذا هو عمل الممثل السينمائي أن يبدو وجوده حين تكتشفه الكاميرا حقيقياً أكثر منه وجوداً محاطاً بالآليات وأن يختار تعبيرات تناسب بعده الصوتي عن الكاميرا. أما العنصر الرئيس المتعاون معه إذا سمح لأحد أن يساعده فهو بلا شك المخرج. والمخيلة والملاحظة القوية هما العنصران الرئيسان لتصوير الشخصية في السينما، وغالباً ما تقودنا ملاحظات الآخرين إلى نتائج معينة عن شخصياتهم بما فيها من ميزات وعيوب، عن أفعالهم، ويجب على ممثل الشخصية أن يضيف السمات المكتوبة في النص إلى سماته الذاتية ومن خلال ذاته كممثل يتواجد ضمن ظروف معينة. إن الارتجال مساعد فاعل لتجسيد الشخصية شرط أن يتجنب الممثل - كما ترى الكاتبة - "أي استجابة نمطية للمواقف وخلال التدريب على الارتجال من المهم أن يعطى الممثلون شيئاً محرضاً يفاجئهم كي يستجيبوا في شكل جديد". وتضيف الكاتبة في قسم من الكتاب بعنوان "مساعدات لتجسيد الشخصيات": "من أجل إعداد نفسه لمواجهة متطلبات نص ما يجب على الممثل السينمائي أن يروج سجلاً أو سلوك البشر وعاداتهم، إن ملاحظة أنماط من السلوك مختلفة عنه تساعد في توسيع قدراته الجسدية والعاطفية، وكلما زادت إيضاحات الفكر والشعور التي يستدعيها الممثل في مشهد ما يستمتع بالاختيار بينها في عملية تجسيد الدور وهذا يسري على السمات الجسمانية والذهنية. يجب على الممثل دائماً أن يشك بقدرته على التجسيد السليم لأي فعل لأن هذا الشك يجبره على أن يستكشف استجابات مختلفة ويسعى إلى واحدة بعينها هي الأفضل والأكثر ملاءمة للشخصية". وتنهي الكاتبة بحثها حول التمثيل السينمائي بحديثها عن المؤثرات التي تدخل في صناعة الفيلم السينمائي والتي على الممثل أن يتلاءم معها بشكل يناسب الحاجة إليها فتقول: "توجد المؤثرات عموماً مشكلة مختلفة أمام الممثل. عادة ما يكون عمل الممثل لصيقاً بالواقع، إنه يعمل في مواقع محددة متيحاً لجغرافية المكان أن تؤثر في سلوكه أمام الكاميرا. إنه يعمل أيضاً بإكسسوار محدد وحقيقي في موقع التصوير، هذه الديكورات والأثاث الحقيقية أمر مساعد للممثل على الإيمان بما يفعله. إنما باستخدام المؤثرات الخاصة بصرياً سيفقد شيئاً مهماً جداً من الديكور". وتتابع: "إن اللعب أساسي في علاقة الممثل بفقدان المؤثرات الخاصة في أثناء التصوير الفعلي، والحس الطفولي باللعب هو ما يمكّن الممثل من تصديق أنه في المكان الذي يطلب منه المخرج أن يكون فيه - حس اللعب هذا أو التظاهر هو جذر التمثيل الجيد، ومثل جميع الجذور يجب أن تغذى وتروى بصورة صحيحة، في التمثيل الجذر هو اللعب والتربة هي التجربة والملاحظة".