أكد العراق أمس انه أوقف تماماً كل صادراته النفطية البالغة قرابة مليوني برميل يومياً، في حين اعلنت الولاياتالمتحدة التي يستهدفها القرار العراقي ان لديها مجموعة من البدائل للرد عليه. وفي الوقت ذاته، ارتفعت اصوات في طهران تطالب الجمهورية الاسلامية باتباع مثال العراق في وقف تصدير النفط لمدة شهر من دون ان تنتظر اجماع الدول العربية والاسلامية المنتجة على مثل هذا القرار. أكد وزير النفط العراقي عامر محمد رشيد ل"الحياة" أن العراق أبلغ كل الشركات المستوردة للنفط العراقي انه تم وقف تصدير النفط كلياً اعتباراً من الساعة الثانية بعد ظهر الثلثاء بتوقيت بغداد. ورداً على سؤال عما اذا كان وقف الصادرات يشمل النفط المصدر عبر سورية أوضح رشيد في اتصال هاتفي معه من ابوظبي انه "تم وقف كل الصادرات عبر الخليج وتركيا والبحر الابيض المتوسط، وان مجموع هذه الصادرات يبلغ حوالى مليوني برميل يومياً". وفي شأن المشاورات مع ايران لحملها على اتخاذ خطوة مماثلة قال الوزير العراقي ان "خطاب الرئيس صدام حسين كان واضحاً، حيث تمنى على كل الدول العربية والاسلامية المنتجة للنفط ان تشارك في دعم هذه الخطوة لنصرة الشعب الفلسطيني". واضاف ان "الهدف من هذه الخطوة المساهمة في وقف الجريمة والمذابح التي ترتكب حاليا ضده والضغط على الولاياتالمتحدة بسبب سياستها المنحازة الى اسرائيل". وتابع رشيد "نحن متأكدون ان هذا القرار سيكون له تأثير على الاقتصاد الاميركي. والمهم ليس ماهية رد الولاياتالمتحدة وطبيعته، وما إذا كان ذلك سيسرع في الحملة الاميركية على العراق، بل المهم الدفاع عن الامة العربية والشعب الفلسطيني الذي يقف في الخندق الامامي دفاعاً عن الامة". وجابت شوارع بغداد والمدن العراقية امس، ولليوم الثاني على التوالي، تظاهرات شارك فيها آلاف العراقيين تأييداً لقرار وقف تصدير النفط واستنكاراً للجرائم الاسرائيلية، ودعا المتظاهرون الدول العربية الى اتخاذ مواقف حازمة في مواجهة اسرائيل والولاياتالمتحدة لاجبار شارون على سحب قواته من الاراضي الفلسطينية. وفي تطور ذي صلة، أعلن البنك المركزي العراقي عن جملة اجراءات تستهدف الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار العراقي، وقال محافظ البنك عصام حويش ان المصرف "سيقوم بالتدخل لدعم وتمويل عمليات التحويل بين الدينار والعملات الاجنبية من دون اي قيود او سقوف" مؤكداً أنه "لن يكون للقرار تأثير على النشاط الاقتصادي وسعر الصرف بأي حال من الاحوال فالاحتياطي النقدي لدينا في افضل حالاته مما يحقق المرونة الكافية للتدخل والدعم". وعلمت "الحياة" من شركات الصيرفة الخاصة انه لم يطرأ أي تغيير على سعر صرف الدينار مقابل الدولار الاميركي امس سوى تغيير طفيف اذ اصبح الدولار يساوي 1993 ديناراً في مقابل 1991 ديناراً الاثنين. وفي نيويورك، صرح الرئيس الاميركي جورج بوش ان الولاياتالمتحدة تحتفظ بمجموعة متنوعة من البدائل للرد على اي ارتفاع حاد لأسعار النفط، وقال في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" انه مستعد لدراسة مجموعة من الخيارات لتخفيف الآثار اذا تسبب قطع العراق صادراته في صعود كبير لاسعار النفط. الموقف الايراني وفي طهران، ارتفعت اصوات ايرانية تدعو الى قطع امدادات النفط من دون انتظار بقية الدول العربية والاسلامية، وهو ما شدد عليه مستشار الرئيس الايراني عطاءالله مهاجراني في كلمة امام السفارة الفلسطينية خلال تظاهرة نظمها النواب الايرانيون امس. وقال مهاجراني "ينبغي ان نعمل بالاقتراح الذي تقدم به مرشد الثورة آية الله علي خامنئي لانه اذا عملت به معنا دول عدة فسيشكل عامل ضغط وسترتفع اسعار النفط، وانني ادعو الدول التي ستستفيد من هذه الزيادة ان تقدم المبالغ الزائدة الى الشعب الفلسطيني لدعم صموده". وأعلنت وزارة النفط الايرانية بلسان مدير العلاقات العامة فيها اكبر نعمة الله انها على استعداد كامل لوقف امدادات النفط لمدة شهر واحد عندما يحين الوقت المناسب. وقال المسؤول النفطي ان "وزارة النفط في الجمهورية الاسلامية الايرانية مستعدة لاتباع الموقف الواضح للمرشد لدعم شعب فلسطين المضطهد عبر المقاطعة النفطية ضد حلفاء الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدة لمدة شهر ولتطبيقه في الوقت المناسب". وقال رئيس مجلس الشورى مهدي كروبي امس ان ايران "مستعدة لوقف تصدير النفط في حال موافقة الدول الاسلامية، لأن قرارها سيكون مؤثراً أكثر إذا ما واكبته البلدان الاسلامية الاخرى". الكويت ترفض في هذه الاثناء، كررت الكويت امس رفضها المشاركة في اي حظر نفطي واعتبرت ان قرار العراق يسيء الى المصالح العربية. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ محمد الصباح في تصريحات نشرتها الصحف المحلية امس ان القرار العراقي "ما هو الا مزايدة مكشوفة تأتي ضد مصلحة العرب". واضاف "السياسة الكويتية واضحة تجاه قضايا الأمة فالكويت تدفع شهرياً الكثير من الاموال بينما العراق يزايد وهذا هو الفرق". وأعلنت موسكو امس انها تدرس النتائج المحتملة للقرار العراقي، لكنها قللت في الوقت نفسه من احتمال ان يكون له تأثير بعيد المدى على السوق النفطية. وقال بيان لوزارة الخارجية انه "لا يزال من المبكر الحديث عن توقعات في هذا المجال"، لكنه حذر من احتمال اتساع رقعة المواجهة في الشرق الاوسط. وأكد نائب رئيس الوزراء فيكتور خريستنكو ان برامج تصدير النفط الروسي لن تتأثر بالخطوة العراقية، رافضاً التعليق على قرار بغداد الذي اعتبره "سياسياً"، لكنه رجح ان لا تكون له "آثار بعيدة المدى على سوق النفط". وفي لندن، قال وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية بن برادشو ان الرئيس العراقي "يلعب بمعاناة الشعوب، فيستغل معاناة الفلسطينيين لاغراض سياسية ويتجاهل معاناة العراقيين الذين يضطهدهم". واضاف في تصريح وزعه مكتبه "اننا نشارك القلق الواسع من تأثير الغزو الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية على الشعب الفلسطيني، ودعنا اسرائيل الى الانسحاب. وكنا مع شركائنا الاوروبيين اكبر مانحي المساعدات الى الفلسطينيين". وقال البيان: "وعلى عكس صدام، فإننا قلقون أيضاً لمعاناة الشعب العراقي. كيف يمكن لصدام حسين وقف صادرات نفط العراق في اطار برنامج النفط مقابل الغذاء لمدة ثلاثين يوماً؟ شعبه يعتمد على عائدات هذه الصادرات في غذائه ودوائه. فهل سيوقف صدام ايضاً صادراته النفطية غير المشروعة التي تمول نمط حياته الباذخ؟".