سجل تحول أمس في علاقة الحكومة العراقية بالقرار 1284 الذي رفضت التعامل معه منذ تبنيه أواخر 1999. وجلس وفد عراقي رفيع المستوى رأسه وزير الخارجية ناجي صبري الحديثي مع وفد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، ضم للمرة الأولى الدكتور هانز بليكس رئيس لجنة "الرصد والتحقق والتفتيش" انموفيك التي انشأها القرار 1284. وشدد انان، قبيل الاجتماع، على ضرورة عدم "توسيع النزاع في المنطقة"، في ضوء "المأساة" على الساحة الفلسطينية - الاسرائيلية. وقال: "أعرف ان قادة المنطقة يريدون تسوية سلمية" للوضع في العراق و"يتطلعون الى نتائج ايجابية" للمحادثات في نيويورك بين الوفد العراقيوالأممالمتحدة "يريدون بحثها في القمة العربية في بيروت". وقال انه تلقى "مؤشرات" الى "نوع من المرونة" لدى العراق نقلها اليه بعض الحكومات. واعتبر ان عودة المفتشين الى بغداد شكلت "نقطة خلاف رئيسية بين الأممالمتحدةوالعراق"، وقال: "سنضغط ونشدد من أجل عودتهم". وزاد ان المحادثات تتطرق الى تنفيذ قرارات مجلس الأمن و"تعليق العقوبات، في نهاية المطاف بعد تنفيذ العراق التزاماته، يشكل جزءاً من المحادثات". واتفق الأمين العام ووزير الخارجية العراقي على وصف اجتماع امس بأنه "بداية بناءة وايجابية". وقال الناطق باسم الأمين العام، فرد اكهارت ان هذه "بداية بناءة وايجابية"، وزاد ان "الأمين العام مسرور بالذات أن المحادثات كانت أكثر تركيزاً" من السابق، في اشارة غير مباشرة الى التركيز على مسألة المفتشين. وعقد انان والحديثي اجتماعاً منفرداً ضمهما على حدة قبل اجتماع الوفدين دام 20 دقيقة. وقدم كل من بليكس والحديثي عرضاً لمواقفه وركزا على المسألة ذاتها، اي مسألة المفتشين. وأكدت مصادر عراقية ان انان والحديثي اتفقا على وصف الاجتماع الأول بأنه "بداية بناءة وايجابية". وشددت الولاياتالمتحدة على ضرورة عدم ربط عودة المفتشين باجراءات تعليق العقوبات وظروفها، وأكدت مركزية موافقة العراق على عودة المفتشين بلا شروط وتنفيذهم مهمتهم بلا قيود. وعزت الأوساط الأميركية سعي العراق، عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الى استئناف الحوار مع انان "من دون شروط مسبقة" الى مخاوف بغداد من عمليات عسكرية توعدت بها الولاياتالمتحدة. واعتبرت أوساط عربية ان استئناف الحوار يشكل مدخلاً لتجنب العمل العسكري، اذا توافق العراقوالأممالمتحدة على تنفيذ القرارات. وقال انان للصحافيين قبل جولة المحادثات أمس: "لا أريد ان أرى توسيعاً للنزاع في المنطقة، واعتقد ان أيادينا مليئة بالمأساة التي تحدث فيها. لذلك، أتمنى وضعاً يمكننا من حل اختلافاتنا ديبلوماسياً، وان يمتثل العراق للقرارات. يمكننا احراز تقدم في هذا الصدد، وإذا تمكننا من ذلك، لا اعتقد ان مجلس الأمن سيتخذ أي اجراء اضافي وانما سيكتفي بالقرارات التي أمامه ويتحرك الى أمام في تنفيذها". وأكد انه تلقى "مؤشرات" من حكومات دول "مقربة للعراق وحكومات صديقة له" تفيد بوجود "نوع من المرونة لدى العراق" ورغبته في العمل مع الأممالمتحدة "بروح بناءة". وأخذت مشاركة بليكس المحادثات بعداً في اطار المرونة العراقية، علماً أن بغداد رفضت مرات الاجتماع به بصفته "مخلوقاً" من صنع القرار 1284. وأفادت موافقة الوفد العراقي على اجراء المحادثات معه أنها توافق على مبدأ عودة المفتشين الذين سحبهم الرئيس التنفىذي للجنة "اونسكوم" في كانون الأول ديسمبر 1998، عشية العمليات العسكرية الاميركية - البريطانية في العراق. لكن ظروف عودة المفتشين وشروطها والمهمات التي سيقومون بها بقيت في صلب المحادثات علماً أن الحكومة العراقية تريد مقداراً من إزالة الغموض مسبقاً قد لا يكون في متناول الأممالمتحدة. ورفض الوزير العراقي الادلاء بتصريحات قبل الاجتماع، باستثناء تلميحه الى ان العراق يعتبر اجتماعات أمس جولة أولى تليها جولة محادثات الشهر المقبل، بعد القمة العربية في 27 و28 الجاري. ولمست الأوساط الديبلوماسية في الأممالمتحدة ان الحكومة العراقية والأمين العام في صدد شراء الوقت، كل لغاياته. وفسر بعض الأوساط تكرار انان معارضته لعمل عسكري أميركي في هذا المنعطف بأنه مؤشر الى عدم استعجال الادارة الأميركية الخيار العسكري. ورأت أوساط أخرى ان بغداد قد تحاول إزالة الغموض في القرار 1284 بما يوضح ما لها وما عليها، في نوع من التفاهم يشبه مذكرة التفاهم على القرار 986 الذي كانت رفضت التعامل معه قبل الاتفاق على المذكرة. وتعمدت الولاياتالمتحدة عرض صور التقطت بالأقمار الاصطناعية وأشرطة فيديو في لجنة العقوبات، عشية محادثات اليوم الواحد بين العراق والأمين العام، زعمت ان الحكومة العراقية حوّلت ألف شاحنة من برنامج "النفط للغذاء" لاستخدامها في أهداف عسكرية. وأكدت ان ذلك يشكل "خرقاً" ويبرر العدد الكبير من العقود المعلقة بسبب استخدام بغداد الواردات المدنية لغايات عسكرية راجع ص 2. وفي بغداد كرر نائب رئيس الوزراء طارق عزيز ان "العراق يتوقع العدوان، ولديه كل الاستعداد للتصدي له ومواجهته". وأشار الى ان "اجتماعات على مستويات عليا عقدت" في العاصمة العراقية "للبحث في سبل مواجهة العدوان". وشدد خلال لقاء حضره ليل أول من امس سياسيون وباحثون لبنانيون على ان بلاده "لا تعلق آمالاً كبيرة على الحوار" مع الاممالمتحدة، لافتاً الى ان الاميركيين "ربما يريدون عودة المفتشين لتحديث معلوماتهم عن المواقع الرئاسية والصناعية والأمنية العراقية ثم يخلقون مشكلة ويجدون الذريعة ليحصل العدوان". وفي انقرة، دعا رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد الولاياتالمتحدة الى وضع حد للحرب بين الفلسطينيين والاسرائيليين "بدلا من التسبب بحرب عبثية ضد العراق". وقال امام المجموعة البرلمانية لحزب اليسار الديموقراطي الذي يتزعمه ان "المهمة الرئيسية" لتحقيق ذلك تقع على عاتق اميركا. واضاف ان الضربات ضد العراق "ليست ضرورية" وان لم يسمح هذا البلد بعودة المفتشين الدوليين، و"لا نريد حرباً وسباقاً على التسلح في منطقتنا. نريد السلام والازدهار". واعتبر وزير الدفاع الفرنسي ألان ريشار ان الرئيس جورج بوش "فرض على نفسه تحدياً... نوعاً من الالتزام الاخلاقي، حين اعتبر العراق عدواً، ومن ثم فهو يواجه الآن مشكلة اتخاذ مبادرة استراتيجية تجاه العراق". واضاف ان فرنسا "تفضل التعامل مع قضية المفتشين في العراق من خلال الأممالمتحدة، حيث ستكون هناك مراجعة في غضون شهرين لمراقبة أسلحة العراق ونفضل استخدام هذه الطريقة". أما الخارجية الروسية فرحبت ببدء الحوار بين العراقوالاممالمتحدة، مؤكدة ان ذلك "قد يخفف كثيراً التوتر ويساهم في تسوية شاملة للمشكلة العراقية".