ظهر القادة العرب، بعد ساعات على انتهاء اعمال قمة بيروت، وبعد اعلان مبادرة عربية للسلام، امام تحد يتمثل في ضرورة حماية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وسلطته، وسط مخاوف جدية من ان يكون الاميركيون "أخذوا المبادرة ولم يعودوا مكترثين" بما سيكون عليه مصير "أبو عمار". وقبيل مغادرته بيروت صرح وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني الدكتور نبيل شعث بأن الفلسطينيين حققوا في قمة بيروت "مكسباً لمصلحة قضيتهم"، اذ دعمت الانتفاضة المتصاعدة ب"مشروع سلام عربي اجماعي، زاد احراج آرييل شارون الذي استعد لكسر هذا المشروع وتحطيمه". وأكد شعث ان "لا ضمانات أميركية" في شأن الرئىس الفلسطيني. واعتبر رئىس الحكومة اللبنانية السيد رفيق الحريري ان العدوان الاسرائىلي الجديد "دليل على ان المبادرة العربية جدية، وان الدول العربية متمسكة بها ولن تتراجع مهما تمادى شارون في عدوانه". وقال ل"الحياة": "شارون سارع الى التصعيد فور توصل القمة الى مبادرة عربية باعتبار انها تستهدف مشروعه في الصميم"، مشيراً الى ان "المجتمع الدولي لن ينخدع بمخططه ويعرف جيداً انه وراء تصاعد العنف في الاراضي العربية المحتلة وانه يرفض التسوية الشاملة". ووجد الرئىس اللبناني اميل لحود نفسه، كرئىس للقمة العربية، منخرطاً في هذه المهمة ومسارعاً الى استدعاء لجنة المتابعة العربية الى اجتماع طارئ لتدارس الموقف واتخاذ خطوات. ولاحظ وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة، الذي أشرف على تنظيم اعمال القمة العربية أمرين، اولهما ان "الإجماع العربي عزز وضع عرفات وأعطاه دفعاً جديداً بمقدار ما زاد جنون شارون"، والثاني ان "التدهور كان متوقعاً بسبب عملية نتانيا والمأزق الوجودي المتفاقم للمجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن المأزق الشخصي لشارون الذي كان عليه إما ان يستقيل وإما أن يمضي في خطته، خصوصاً بعدما خرج العرب من القمة بكلام موحد يقول للإسرائيليين والعالم ان الانتصار غير متاح لأي من الطرفين بالعنف، وأن هناك مشروعاً عربياً للسلام". وقال سلامة ل"الحياة" ان المعادلة التي تحرك بها شارون في الشهور الأخيرة تتمثل بأيلولين "فهو استخدم ايلول سبتمبر 2001 تفجيرات نيويوركوواشنطن لضرب ايلول 2000 الانتفاضة الفلسطينية، طلب مئة يوم للقضاء على الانتفاضة وأصبحنا الآن في الأربعمئة يوم من دون ان يحقق الأمن، وإذ تلاشى مفعول ايلول 2001 عادت التطورات بشارون الى ايلول 2000". وظلت بيروت أمس محور اتصالات نظراً الى تمديد العاهل المغربي الملك محمد السادس وولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز اقامتيهما في العاصمة اللبنانية. وانقسم الديبلوماسيون المرافقون في تقويمهم للتطورات في ضوء نتائج القمة، فيما انهمكوا بتنسيق الاتصالات عربياً ودولياً. وتوقع فريق منهم ان تستجيب الإدارة الأميركية المطالبات العربية بوقف العدوان، معتبراً ان واشنطن لا ترغب في تبديد زخم المبادرة العربية، وسترتكب خطأ فادحاً بعدم استخدامها لضبط جموح شارون وحساباته الشخصية التي تدفع المنطقة نحو أزمة طويلة. لكن ديبلوماسياً عربياً رأى ان الإدارة قد تكون موافقة على إضعاف عرفات، بعد انتصاره المعنوي الواضح عبر تصاعد الانتفاضة، من دون ان توافق على ازاحته أو تصفيته شخصياً. وإذ لم تساهم القمة العربية في اضعاف عرفات، كما رغبت واشنطن، فقد تركت هذه المهمة لشارون. وأوضح ان شعور الرئيس الفلسطيني بأنه في وضع قوي يجعل التفاوض على وقف النار صعباً، أما إذا اعيد الى حال ضعف فيتوقع الأميركيون عندئذ ان يخفض شروطه.