أمير حائل يدشن إنتاج أسماك السلمون وسط الرمال    المسند: طيور المينا تسبب خللًا في التوازن البيئي وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تكاثرها    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    إحباط تهريب (1.3) طن "حشيش" و(136) طنًا من نبات القات المخدر    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي الكوبي غوتييريز : وجه هافانا الآخر
نشر في الحياة يوم 24 - 03 - 2002

يستقر اسم هافانا، العاصمة الكوبية، في ذاكرة الكثر بمثابة رمز واشارة. رمزٌ لحالةٍ واشارة لمرحلة. فهناك حطّ فيديل كاسترو ورفاقه الماركسيون، ومنهم تشي غيفارا، ورسخوا أوتاد ثورتهم التي وعدت الناس بفردوس شيوعي ينهي البؤس والفقر والجهل والظلم. ولطالما شاهد الناس الصور العملاقة لغيفارا تملأ الساحات العامة فيما اللوحات التشكيلية العريضة تحتل جدراناً بأكملها وتفيض باللون الأحمر وخيوط الضوء.
بعد عقود طويلة من الوعود والآمال والشعارات هي ذي هافانا: مرتعٌ للفقر والتفسخ واليأس. أما الآمال الرومانسية الجذابة فقد تحولت، مثل غيرها من الآمال التي زرعها الثوريون في النفوس، الى كوابيس تحرم النوم عن ملايين الناس.
"لم يحل الله مشكلاتنا، ولم تحلّها الشيوعية أيضاً". هكذا يصرّح أحدهم في رواية بيدرو خوان غوتييريز. وعنوان الرواية يحمل إيحاءً يكاد يلخص متن الرواية. فالأمر لا يتعلق بالصورة السياحية لهافانا التي تغيب فيها شمس ذهبية خلف مرجٍ أزرق من ماء البحر، الأمر يتعلق بحارات قذرة تكتظ بالفقراء والمهمشين وأزقة يجتمع فيها المدمنون على المخدرات والمتاجرون بالنساء. "ثلاثية هافانا القذرة"، إذاً، تمضي الى ما وراء الصورة. تأخذ القراء، خلسةً، بعيداً من ساحة الثورة والشعارات الجذابة والصور العملاقة التي تحتل عمارات بأكملها، وتمضي نحو العمق حيث تتناثر البيوت المهملة ويتكوم الجوع واليأس والقذارة. كمن يحمل كاميرا عملاقة فيسلطها من فوق على الحياة الجارية في الأعماق. هكذا يفعل المؤلف. انه يدفع بالراوي، واسمه هو خوان بيدرو، أي اسم المؤلف معكوساً، إلى الهوامش والضفاف المهملة. يحثه على اقتحام المنسي والمهمل والمحظور. يريد له ان يقذف بنفسه، وبنا نحن القراء، في أتون حياة مغلفة بالسخام والضجيج. ولا يتردد الراوي عن الخوض في المشهد بكل عريه وفداحته: لقد أصبح العيش صعباً وقاسياً حيث صار شراء جسم بشري أرخص من شراء لقمة الخبز. هافانا تمتلئ بالعهر. عهد من تجبرهم الظروف على بيع أجسادهم/ أجسادهن. والراوي، الذي يقيم في مركز المدينة، ينغمس في هذه الأحوال كما لو كان مقبلاً على الرقص: شخصٌ وقحٌ، صريحٌ، لا يترك حجراً على حجر. يقلّب كل شيء ليرى ما يمكث في العتمة. يلتقط من الشارع لغته الفاضحة وعلاقاته الوسخة. تمتلئ صفحات الرواية بالعبارات التي لا تأبه للحياء. وهي تعرض لضوء الشمس كل ما يصادفه المرء في طريقه من وقائع تصدم وحوادث ترعب وسلوكيات تبعث على الصدمة. الجنس الرخيص وتعاطي المخدرات والشذوذ والجريمة، تلك هي يوميات العيش في هافانا.
غير ان الرواية تخلو من أي تعليق للمؤلف على ما يصف ويسرد. انه يستنكف عن التدخل، يمتنع عن الشرح، يبتعد عن التفسير والتحليل. هو مجرد ناقلٍ، مصور لمشاهد تتالى من أمام أنظار راويه. وليس له من غاية سوى التمعن في هذه المشاهد. ولقد طاب لبعض النقاد تشبيه الرواية هذه بما صنعه الكاتب الأميركي هنري ميلر في بعض رواياته. غير ان وجه الشبه يقف عند الظاهر. فالروائي الكوبي، شأن ميلر، لا يكفّ عن استفزاز القارئ بالمشاهد الفجّة والعبارات المتهتكة. الا انه، على العكس من ميلر، ينأى بنفسه عن غوصٍ تأملي في الأشياء. وهو يكتفي من الوقائع بمجراها الخام ويسردها، على لسان الراوي، كما لو انه ينقل أخباراً يومية.
لا يكترث المؤلف بواقع الحال السياسي في كوبا، ولا تهمه قط مسائل تقويم ما آلت اليه ثورة كاسترو ورفاقه، ولكن مجريات الرواية، بحد ذاتها، تتكفل بالمهمة. والأحداث التي تغطي مرحلة زمنية تمتد من فترة ما قبل حركة كاسترو وتنتهي في السنوات الأخيرة من التسعينات، هي تثبيت، من حيث قصد المؤلف أم لا، لصورة العيش في ظلال حكم كاسترو ورفاقه. في الرواية يتحسر الكثير من الأشخاص على الأيام التي سبقت الحكم الشيوعي. ولا يخفي الكثر عما يجول في الخاطر من يأسٍ واحباط. يخيّم في الجو شعور ثقيل بالخيبة واحساس بالانكسار أمام ثقل الواقع الرديء. ويمعن المؤلف في هتك الستائر المخملية التي يراد منها ان تخفي ما يقع وراءها. "الواقعية القذرة"، هي التسمية التي يفضل بعض النقاد استعمالها في الاشارة الى هذا النوع من الكتابة. انها كتابة تنتهك المألوف وتتخطى الأعراف ولا تقيم وزناً للثوابت من أساليب التفوه والتخاطب.
تتوالى المشاهد، عارية، في لوحات قصيرة، خاطفة كما لو كان القارئ أمام لقطات سينمائية حيث تهجم عدسة الكاميرا على الحركة من كل الزوايا، هي لقطات تلاحق الراوي في بحثه الدائب عن الامتلاء والشبع. انه يعيش فاتحاً ذراعيه لكل شيء. كأنما هو في عجلة من أمره في أن يغرف من كل لذة آتية ويدفع مما في جيبه حفنة نقود قليلة. ولكنها لقطات، أيضاً، للناس في شوارع هافانا، الناس العاديون، الهامشيون، البسطاء، الذين يعيشون يومهم من دون تفلسف ولا يأبهون لما يحيط بهم من دمٍ وقيح وعرق وأوساخ. لا أحد يتأفف ولا يتسرب الخجل الى المحيط.
يمكن رؤية أكثر من وجه مشترك بين رواية بيدرو خوان غوتييريز ونص "الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري. ففي الحالين، تسجيل مباشر، حار ولاهث، لما تضجّ به الأزقة الخلفية للمدن الكبيرة التي يمارس ناسها عيشهم الشبق بعيداً من الواجهة. ولكن محمد شكري سرد سيرته الذاتية، أما غوتييريز فقد روى سيرة العاصمة الكوبية هافانا، التي كانت، يوماً، قبلة الثوار والحالمين بالثورة.
Pedro Juan Gutierrژz.
Dirty Havana trilogy. Faber & Faber. London. 2001.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.