مع اقتراب موعد مؤتمر القمة العربية، تتسارع التحركات والتحضيرات الرسمية للمؤتمر. في هذا السياق يمكن فهم توقيت مبادرة الأمير عبدالله ولي العهد السعودي حول قضية الصراع العربي - الإسرائيلي، وتوقيت زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى الولاياتالمتحدة ونمط الموضوعات التي بحثت بين القيادتين الأميركية والمصرية، والزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى لبنان التي جرى فيها التداول في القضايا المتوقع ادراجها على جدول أعمال المؤتمر. في هذا النطاق أيضاً يعقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، الذي يضم وزراء الاقتصاد والمال العرب، اجتماعاً في بيروت قبل أيام قليلة من القمة بقصد إقرار الملف الاقتصادي الذي سيرفع للقادة العرب. كذلك يعقد وزراء الخارجية العرب في اليوم نفسه تقريباً اجتماعاً بغرض إقرار الملف السياسي الذي سيعرض على القمة العربية، وتعقد الأمانة العامة للجامعة العربية اجتماعات وجلسات بغرض بحث جدول أعمال المؤتمر. وقبيل المؤتمر، أي ابتداء من منتصف الشهر الحالي، يقوم ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، بجولة في منطقة الشرق الأوسط، تشمل دول الخليج، إضافة إلى مصر والأردن وتركيا وإسرائيل. ويصعب اعتبار هذا التوقيت مجرد مصادفة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الموقف الأميركي من المسألة العراقية والاتجاه الغالب بين الدول العربية إلى معارضة أي عمل عسكري ضد العراق. وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً الاهتمام الذي كانت توليه إدارات أميركية سابقة لمؤتمرات القمة العربية، خصوصاً ابتداء من إدارة ليندون جونسون عام 1974، يمكن الاستنتاج بأن لتوقيت جولة تشيني علاقة مباشرة بالقمة العربية وأنها تعبير عن الاهتمام الأميركي بالتأثير عليها، والسعي إلى جرها بعيداً عن أية قرارات تتناقض مع المصالح والسياسات الأميركية الراهنة. بموازاة هذه التحركات الواسعة النطاق على الصعيد الرسمي العربي والدولي، تنظم بعض المبادرات الأهلية العربية بقصد بلورة مطالب شعبية تمهيداً لتقديمها إلى القادة العرب. ففي بيروت ينعقد المؤتمر العربي العام في منتصف آذار مارس الذي دعا إليه بعض الهيئات العربية، ومؤتمر الأحزاب العربية والمؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي، والذي سيركز بصورة خاصة على دعم الانتفاضة والمقاومة، وفي لندن يجري التحضير لعقد لقاء لعدد من المنظمات والجمعيات العربية، بدعوة من رابطة أصدقاء جامعة الدول العربية، بغرض وضع مذكرة حول الأوضاع العربية ترفع إلى مؤتمر القمة، وفي باريس نظم مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالتعاون مع الرابطة ندوة دولية في "معهد العالم العربي" حول العولمة والتكتل الاقليمي العربي في مطلع شهر آذار الحالي تطرق فيها المشتركون إلى القمة العربية. وهذا النوع من المبادرات يدل على تزايد الاهتمام في أوساط الرأي العام بالنظام الاقليمي العربي وبمؤسساته، وهو اهتمام في محله إذا أخذنا في الاعتبار ضرورة مساهمة الهيئات الشعبية والأهلية العربية في التأثير على نمط العلاقات البينية العربية ومشاركتها في صياغة الأجندة العربية الجماعية. بيد انه من المستطاع تطوير هذه المبادرات سعياً وراء زيادة تأثيرها، وهذا ما يمكن التوصل إليه عبر تحقيق الخطوات الآتية: أولاً، التحضير المبكر لهذه المبادرات. هذا التحضير كان صعباً في الماضي، لأن أكثر القمم العربية كان من النوع الطارئ الذي يقرر بصورة شبه مفاجئة، فلم يكن من المستطاع الإعداد الطويل الأمد لهذه القمم. أما الآن فقد بات موعد انعقاد القمة العربية ومكانها معروفين سلفاً بفضل إقرار القادة العرب فكرة دورية القمة. إن هذا الوضع المستجد بات يسمح بتنظيم "مؤتمر قمة أهلية عربية" - إذا صح التعبير - يتمثل فيه الهيئات العربية المعنية بالعمل العربي المشترك على أوسع نطاق، وعلى أعلى المستويات قبل وخلال انعقاد مؤتمر القمة العربية. والتأكيد مثل هذا المؤتمر وعلى نوعية التمثيل فيه يهدف إلى رفع درجة تأثيره على القيادات العربية وعلى الرأي العام العربي إلى أبعد حد ممكن. ولا بد من التوضيح أنه ليس المقصود هنا أن تكون هذه "القمة الأهلية" مؤتمراً مضاداً لمؤتمر القمة، كما هي السمة الغالبة التي اتصفت بها المؤتمرات الشعبية والأهلية التي نظمت في نفس مكان وزمان مؤتمرات المنظمات الدولية التي تشكل رمزاً للعولمة. فهذه المؤتمرات شكلت إطاراً أهلياً للاحتجاج على واقع العولمة وعلى ما تمثله راهنياً وفي ظل ظروف الهيمنة الغربية من خلل في الواقع الدولي ومظالم قومية وإنسانية واجتماعية في العالم. أما الهدف من القمة الأهلية العربية فليس الاحتجاج على انعقاد القمة الرسمية، بل بالعكس، العمل على تثبيتها، إذ أن عودة القيادات العربية إلى فكرة دورية القمة هي من المكاسب التي حققتها الشعوب العربية، وهي من نتائج الانتفاضة الفلسطينية وتداعياتها التي تمثلت في انتفاضة الشارع العربي. من هذه الناحية، فإن عقد مؤتمر عربي أهلي كبير هو بمثابة الحث على الحفاظ على هذا المكسب مع العمل على الزام الحكومات العربية باتخاذ مواقف تحفظ المصالح والحقوق العربية. ثانياً، تطوير العمل التحضيري للقمة العربية الأهلية. ومن المستطاع تحقيق مثل هذه الغاية عبر اشراك نسيج أوسع من الهيئات والجماعات العربية في التحضير للمؤتمر العربي الأهلي. ومن المهم هنا العمل على ردم الهوة بين نوعين من الجماعات المعنية بمناسبات العمل العربي المشترك مثل مؤتمرات القمة العربية والأنشطة والهيئات التي تنبثق عنها. النوع الأول، هو الذي يركز على الجوانب السياسية، فيجعل قضايا الأمن القومي، وأهمها راهنياً قضية فلسطين، محور عنايته وأساس تعاطيه مع هذه المناسبات والأنشطة. والنوع الثاني، هو الجماعات التي تركز على الجوانب الوظيفية في العلاقات البينية العربية. بين هذين النوعين توجد فجوة ايديولوجية، لا مبرر لها. فالنوع الأول لا يهمل ما لتطوير العلاقات الوظيفية من أهمية على الأوضاع السياسية وعلى الأمن العربي. والنوع الثاني من المنظمات والجماعات العربية لا يهمل قضايا الأمن والسياسة، خصوصاً قضية فلسطين. فمن المستطاع إذن ومن المفيد العمل على جمع النوعين من الجماعات العربية في جهد واحد، أي أنه إلى جانب الجماعات التي تنظم المبادرات الراهنة إعداداً للقمة العربية، فإنه من المهم أن تشترك في المستقبل في الإعداد لهذه المناسبة، الهيئات الاقتصادية العربية مثل الاتحاد العام لغرف الزراعة والتجارة والصناعة للبلاد العربية ومؤتمر رجال الأعمال والمستثمرين العرب، وكذلك الهيئات النقابية مثل اتحاد العمال العرب والمنظمات المهنية. هذا فضلاً عن بعض هيئات المجتمع المدني الأخرى مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان. إن توسيع نطاق الجهات التي تحضر "القمة العربية الأهلية" سيزيد من أهميتها ويعزز مصداقيتها بحيث يكون لما تتخذه من مقررات ولما تتقدم به من توصيات إلى القيادات العربية، وقع أكبر وتأثير أهم. ثالثاً، أن تنبثق عن "القمة العربية الأهلية" أداة تنفيذية تعمل على محورين: الأول، هو الاضطلاع بنوع من الرقابة الشعبية على مدى التزام الحكومات العربية بمقررات القمم العربية الرسمية. فلا يتكرر، مثلاً، المشهد الذي تلى قمتي القاهرة وعمّان عندما تحول قرار تجديد المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل إلى مجرد حبر على ورق، أو عندما ضربت موريتانيا بعد أيام قليلة من انعقاد القمة العربية بعرض الحائط المقررات التي صدرت عن المؤتمر بصدد العلاقة مع حكومة ارييل شارون. الثاني، العمل على تمتين العلاقات التضامنية بين الجماعات العربية الأهلية المعنية بالعمل العربي المشترك، فلا ينفع هذه المنظمات ولا يعزز مصداقيتها أن تطالب الحكومات العربية بتطوير العلاقات في ما بينها، بينما تعيش هي في غربة كاملة عن بعضها البعض، ولا تبذل جهداً حقيقياً في بناء مجتمع أهلي عربي عابر للحدود. إن تنظيم مثل هذا المؤتمر لم يعد ممكناً الآن نظراً لضيق الوقت ولاقتراب موعد قمة بيروت، لكن من المستطاع البدء مند الآن في تنظيم "قمة أهلية عربية"، بمناسبة انعقاد قمة المنامة في البحرين خلال شهر آذار مارس المقبل. الجماعات العربية المعنية بتطوير النظام الاقليمي العربي وتنميته تستطيع منذ الآن التحضير لهذا المؤتمر حتى يكون مناسبة أهلية حاشدة تساهم في تطوير العلاقات بين الدول العربية، وفي افساح المجال أمام المواطن العربي لكي يسمع حكومته صوته ومطالبه. كاتب وباحث لبناني.