يثار التساؤل الحساس عن علاقات الطوائف في العراق لأسباب تاريخية معروفة، من أهمها أن الحكم، وعبر قرون، كان من نصيب طائفة معينة، ومما عزز الآثار السلبية لهذا الانفراد سياسة صدام حسين التي كرست المفهوم الطائفي البغيض كمضمون فكري واجتماعي وآلية حكم وتوجيه وتوظيف. وليس من ريب، أن كل هذه العوامل أسست نوعاً من التنافر الطائفي، وأدت إلى بروز الطائفية في صميم الحياة السياسية في العراق، وستمتد على الأرجح في عمق المستقبل القريب على أقل تقدير. وكانت بعض مفارقات الانتفاضة العفوية عام 1991 لصالح هذا التأويل الخاطئ الذي يغذي مطامح شخصية ضيقة هنا وهناك. وقد تولد من هذا المناخ غير الصحي بوادر حديث عن ضمانات الموقف الشيعي العادل والحصين، فيما إذا كُتب لهذه الطائفة نصيب المساهمة القائدة في تشكيل الحكم العراقي بعد صدام حسين. وليس من ريب أن زعامات عراقية ذات وزن سياسي ثقيل تطرح مثل هذا الاستفهام، بل هو إحدى آليات الخطاب السياسي الخاص على صعيد أكثر من حزب إسلامي وعلماني. وفي خضم هذا التساؤل الغريب، كانت الدعوة إلى تغيير النظام الحاكم على مستوى رموزه الأولى والابقاء على الهيكلية العامة، والحجة المساقة هنا الخوف من المفاجآت الطائفية التي قد تُغرق العراق في بحر من الدماء. والمقصود الجوهري في الكلام ينصب في التحليل الأخير على سلامة طائفة محددة وضرورة استمرارها في الموقع، بل المواقع القيادية، من الحكم. ويُقال دائماً إن مثل هذه التصورات والتعلاّت مدعومة من بعض دول الجوار. ومن أجل مزيد من الاغراء في قبول هذه الصورة المعتمة والمؤسفة، يزج اسم إيران والخوف من دورها. والحال ان شيعة العراق لم يتمتعوا بحقوق المواطنة الجوهرية، وعلى رأسها إدارة البلاد وتسيير شؤون الحكم، من مواقع متقدمة، شراكة مع غيرهم، على رغم أنهم من أبرز بناة الدولة العراقية الحديثة من ناحية تاريخية. وأخيراً، ينبغي أن يبقى الشيعة طائفة "مهمة" غير مهمشة، لأنهم ساهموا مساهمة جذرية ومصيرية في بناء العراق. والحصة الأكبر من اضطهاد صدام حسين نالت هذه الطائفة قبل غيرها. لذا فهم، وليس غيرهم، يمتكلون الحق في طرح مقولة الضمانات الكفيلة برعاية حقوقهم المشروعة في الشراكة السياسية القائدة. لقد عُرف شيعة العراق بالانفتاح والتسامح والعطاء والترفع على القيم الطائفية الضيقة، وقاتلوا إلى جانب الدولة العثمانية على رغم ما عانوه في كنفها من حرمان واضطهاد، ووقفوا إلى صف الأكراد بالفتوى والعمل عندما تعرضوا لحرب ابادة غاشمة، وأخلصوا للقضايا الوطنية الوطنية والقومية، باعتراف الجميع. وعلى رغم كل ذلك، عانوا الحرمان السياسي والوظيفي طوال العهد الملكي بشكل ملحوظ، وكان نصيبهم الأوفر من طغيان صدام حسين، الأمر الذي أسس مصطلحاً جديداً في الخطاب السياسي العراقي، ألا وهو "القضية الشيعية". لهذا فمسألة الضمانات التي طالما نسمعها همساً هنا وهناك تشغل الذهن الشيعي قبل غيره. أما ما يقال عن إيران، فالذي نعتقده جازمين أن الذين يثيرون هذا الهاجس يعرفون جيداً أن شيعة العراق يتمتعون باستقلالية كاملة عن غيرهم، سواء في طريقة التفكير أو نموذج الحياة أو الهدف السياسي، بل حتى في تصوراتهم العقائدية والشرعية. وقد حاولت إيران التسلل إلى مكونات الوجود الشيعي العراقي، إلا أنها اصطدمت بصلابة تلك المكونات ومقاومتها لكل محاولات التحوير والتزييف من جانبها. واذ نعود إلى نغمة التساؤل المطروح نؤكد أنه إما وهم أو محاولة انانية لتكريس حال من الاستئثار الطائفي المرفوض، الذي قد يجر على العراق الويلات والمصائب، فيما تحويل التساؤل إلى أمل الشراكة السياسية المتكافئة، وإلى صياغة حياة سياسية عادلة، يكرس وحدة المجتمع العراقي.