الحكومة الانتقالية الصومالية التي لم يعترف بها معظم قادة الميليشيات المسلحة، ولم تنجح في بسط سيطرتها سوى على نصف مساحة العاصمة، مقديشيو، وبعض أجزاء متفرقة في الاقاليم، تواجه منذ هجمات أيلول سبتمبر الماضي على الولاياتالمتحدة تحدياً قد يطيحها، ويطيح الأمل الذي مثلته بالنسبة إلى غالبية الصوماليين. وبدأت مصاعب الحكومة الصومالية عندما أدرجت الإدارة الاميركية "الاتحاد الإسلامي الصومالي" على قائمة التنظيمات الإرهابية، وجمّدت أموال شركة "البركات" التي تعمل في مجالات كثيرة أهمها تحويل الأموال. وانعكس القرار الاميركي ضد "البركات" سلباً على الوضع الاقتصادي في البلاد بسبب اعتماد بعض من الأسر الصومالية على خدماتها في تلقي مساعدات ذويها في الخارج. كما تضررت منه مجالات أخرى مثل الاتصالات الهاتفية وخدمتي "الانترنت"، والبريد وبعض المشاريع الحيوية التي كانت تزمع الشركة انشاءها كمشروع تحلية المياه في مقديشيو. وزاد من التحديات التي تواجهها الحكومة الصومالية بينها وبين "الاتحاد الإسلامي"، الذي قدّم ويقدم لها الدعم كما قال ملس زيناوي رئيس الوزراء الأثيوبي في مقابلة أجرتها معه "الحياة" في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وبسبب مزاعم اميركية عن وجود علاقة بين عناصر الاتحاد المذكور وتنظيم "القاعدة". ومع أن الولاياتالمتحدة لم توجه اتهامات مباشرة إلى الحكومة الصومالية، إلا أن تلويحها المستمر بإمكان شن حملة عسكرية على قواعد مزعومة ل"القاعدة" وحليفها "الاتحاد الإسلامي الصومالي"، واعتبارها الصومال ملجأ محتملاً يمكن أن تتسلل إليه عناصر التنظيمين المذكورين، والترويج الإعلامي الغربي المستمر بأن الصومال سيكون الهدف الثاني للحملة الدولية ضد الإرهاب، كل ذلك بدأ يقوض سلطة حكومة الرئيس صلاد، ويقوي عزيمة معارضيها الذين صاروا ينسقون نشاطاتهم، ويستعجلون الضربة الاميركية لبلادهم أملاً في الحصول على دعم مادي يساعدهم على إطاحة الحكومة الانتقالية. واتهمت الحكومة الصومالية أخيراً اثيوبيا بتدريب الميليشيات المعارضة لها في جنوب البلاد. وهو ما أكده بعض قادة هذه الميليشيات ونفته أثيوبيا. وإذا ما صحت اتهاماتها لاثيوبيا فإن الحكومة الانتقالية ستكون حتماً هدفاًَ للضربة العسكرية التي تبدو الى الآن كأنها تستهدف عدواً غير مرئي. ومع إخفاق الحكومة الانتقالية في بسط سيطرتها على غالبية أراضي الدولة الصومالية، فهي لا تزال تمثل القاعدة الأنسب لتحقيق المصالحة في هذا البلد. واتخذت قمة "الايغاد" التاسعة التي عقدت في الخرطوم قراراً بتكليف الدول الثلاث المجاورة للصومال: كينيا، واثيوبيا وجيبوتي، العمل من أجل مصالحة الحكومة الصومالية والميليشيات المعارضة لها في اثناء شهرين، وطلب قادة "الايغاد" إلى الولاياتالمتحدة أن تمهلهم هذه المدة قبل البدء في أي عمل عسكري ضد الصومال. وقال قادة الميليشيات الصومالية إنهم لا يقبلون بوساطة دول "الايغاد"، لأن هذه الدول، بحسب زعمهم، في حال صراع بعضها مع بعض. وهم إنما يراهنون على الضربة الاميركية المتوقعة لبلادهم على أمل أن يوكل لهم دور مشابه للدور الذي أوكل ل"تحالف الشمال" في أفغانستان. وما لم تعلن الولاياتالمتحدة عدم استهدافها للحكومة الانتقالية في حملتها ضد قواعد محتملة للإرهابيين في الصومال فإن "الإيغاد" لن تنجح في اقناع قادة الميليشيات بالتجاوب مع جهودها لتحقيق المصالحة. والسعي من أجل منع لجوء عناصر "القاعدة" إلى الصومال هو أمر يمكن تفهمه، بالنظر إلى عدم سيطرة الحكومة الصومالية على كل أراضي الدولة. لكن ما لا يمكن أن يُفهم هو استعداد اميركا وحلفائها لتوجيه ضربات عسكرية لقواعد إرهابية في الصومال بالاستناد إلى تقارير غير مؤكدة، وبتحريض من أشخاص لا يفتقرون إلى الصدقية فقط، بل هم مسؤولون عن معاناة شعبهم المستمرة منذ أكثر من عشرة أعوام. محاربة الإرهاب في الصومال يجب أن تستهدف استعادة سلطة الدولة المركزية. ففي ظل عدم وجود مثل هذه السلطة لن تكون هناك جهة مسؤولة عما يحدث في أراضي الدولة. والحكومة الصومالية الحالية لا يمكن أن تُسأل عما حدث قبل مجيئها إلى السلطة، كما لا يمكن أن تكون مسؤولة عما يحدث في مناطق خارج سيطرتها. وإذا ما شنّت الولاياتالمتحدة الاميركية هجوماً على الصومال فإنها لن تجهز فقط على الأمل الذي أطلقته عملية المصالحة في عرتا، بل ستتسبب في إدخال هذا البلد إلى نفق الحرب الأهلية مجدداً. مصر - ياسين محمد عبدالله كاتب اريتري