تمخّض يوم أمس في لبنان عن مشهدين مسيحيين متناقضين على المستوى السياسي بين وقائع زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي للجنوب وعلى خلفية تصريحاته أثناء زيارته فرنسا مطلع الشهر الجاري عن سورية وسلاح «حزب الله»، وبين وقائع القداس السنوي لحزب «القوات اللبنانية» الذي ترأسه البطريرك السابق الكاردينال نصرالله صفير، ورد فيه رئيسه سمير جعجع على مواقف الراعي الذي شهدت زيارته الجنوب استقبالاً حافلاً من «حزب الله» وحركة «أمل» وأبناء القرى المسيحية التي زارها. وبدأ البطريرك الراعي أمس زيارة للجنوب تستمر حتى غد الاثنين، بمدينة صور، ثم بلدة قانا حيث تفقد أضرحة شهداء مجزرتي البلدة اللتين ارتكبتهما القوات الإسرائيلية عامي 1996 و2006 قبل أن ينتقل الى قضاء مرجعيون، فأحاط به نواب المنطقة وقرينة رئيس مجلس النواب السيدة رندة نبيه بري. وقال الراعي في كلمات عدة ألقاها: «ما أجمل المسيحية والإسلام إذا اجتمعا». وتوجه الى الأهالي قائلاً إنها «زيارة تحية لكل التضحيات التي قدمتموها والألم الذي تحملتموه وجئت كبطريرك لأقول إنه لولا صمودكم لما كنا معكم اليوم». وتحدث وزير التنمية الإدارية محمد فنيش (حزب الله) فتوجه الى الراعي قائلاً: «قرأنا في مواقفك الجريئة الوطنية رؤية وطنية تصلح لنتلاقى كلبنانيين، وتقي لبنان شرور المشاريع التي تسعى لتفتيت المنطقة حماية لأمن إسرائيل». ورأى فنيش أن «من لا يحسن قراءة التطورات واتخاذ المواقف الجريئة يعرض البلد لمخاطر». وكان الوزير فنيش يشير بذلك الى ما أعلنه الراعي في فرنسا، بعد لقائه الرئيس نيكولا ساركوزي في الخامس من الجاري، عن أن وجود سلاح «حزب الله» يعود الى استمرار احتلال مزارع شبعا اللبنانية، وقلقه من أن يدفع المسيحيون في لبنان ثمن إسقاط النظام في سورية ومن قيام نظام أكثر تشدداً ومن دويلات طائفية في المنطقة ودعوته الى إعطاء الرئيس السوري بشار الأسد فرصة للإصلاح. وأكد فنيش أن «معادلة الشعب والجيش والمقاومة ليست نظرية ابتدعناها بل استخلصناها من تجربة مريرة». أما المشهد الآخر في مدينة جونية فأقيم احتفال لحزب «القوات» تميز بحشد شعبي وحضور ممثلين لقوى 14 آذار. وصفق الحضور طويلاً للبطريرك صفير عند دخوله مكان الاحتفال. وفيما تلا النائب البطريركي المطران رولان أبو جودة رقيماً بطريركياً باسم الراعي رد جعجع على مواقف الأخير من دون تسميته فقال: «لا نخاف أحداً. لا نريد ضمانات من أحد». وأكد أن «الوجود المسيحي سابق للأنظمة الحالية بقرون عدة توالت عليه دول وإمبراطوريات عاتية أين منها بعض تلك الأنظمة الحالية الجائرة». ورأى جعجع أن «تحالف الأقليات الذي يدعو إليه البعض ما هو إلا تحالف أقليات للسلطة والمال والمصالح النفعية». ودعا المسيحيين في المنطقة الى «الانخراط في صلب معاناة شعوب المنطقة من دون خوف»، متسائلا: «كيف يكون تشدد أكثر من الذي نشهده كل يوم في القرى والمدن السورية كلها؟». واستهجن موقف الحكومة اللبنانية مما يجري في سورية، معتبراً أنه «يعطي صورة كالحة عن لبنان». وقال: «ما لا نقبله هو خيانة أنفسنا هرباً من نظام متطرف مزعوم لا نجد مؤشراً على قيامه فالتاريخ لن يعود الى الوراء». وقال جعجع إن «ربيع لبنان ما زال يرزح تحت وطأة سلاح غير شرعي يصادر القرار الاستراتيجي للدولة برمتها». وقال: «وجود سلاح حزب الله لم يعد عبئاً على المواطنين العاديين فحسب، إنما تعداهم ليطال مسؤولين رسميين وسياسيين رضخوا لابتزاز السلاح بحيث انتهى الأمر الى قلب حكومة والإتيان بأخرى، كله باسم المقاومة». ورأى أن «بقاء السلاح غير الشرعي لم يعد مبرراً في ظل التحولات الكبرى وفي ظل سقوط المعادلات التي أوجدته». ودعا «حزب الله» الى «قرار جريء بالتخلي عن سلاحكم للدولة اللبنانية». وكان صفير قال كلمة مقتضبة بعد ترؤسه القداس جاء فيها: «نسال الله أن يبارك الشباب اللبنانيين والشابات اللبنانيات ويرزقهم أياماً خيراً من هذه الأيام البائسة». وعاد الجمهور فصفق لصفير وقوفاً عندما ذكره جعجع في نهاية خطابه. وفي القاهرة، انتقد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب تصريحات البطريرك الراعي الذي اعتبر أن سقوط النظام السوري سيهدد المسيحيين في المشرق. وقال الطيب، خلال لقائه أمسمع السفير اللبناني في القاهرة خالد زيادة، «أن المسيحيين في المشرق العربي جزء من النسيج الوطني ولا تفرقة بين مسلم ومسيحي في دول المشرق العربي وأن هناك حالة من التسامح والتعايش بين الجانبين». وجدد مطالبته للنظام السوري ب»مراعاة مصالح بلده وتلبية متطلبات الشعب السوري ووقف أعمال العنف والقتل التي يمارسها الجيش السوري ضد أبناء شعبه».