أكد استطلاع دولي أن الغالبية في المجتمع الدولي لا تشارك الأميركيين كثيراً من آرائهم ومواقفهم الراهنة، لا سيما تقديم الارهاب والحرب على الارهابيين واعتبارهما أكثر أهمية من المسائل الاقتصادية والاجتماعية. الا أن الاستطلاع خلص الى أن هذا التباين الصارخ في الآراء ليس سوى تطور عابر فرضته أحداث 11 أيلول سبتمبر، ورأى في هذا الصدد أن حرية التسوق قد تلعب دوراً حاسماً في ايجاد حل للنزاع المزمن بين مؤيدي تحرير التجارة وأنصار السياسات الحمائية. اعتمد الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "ابسوس سابقاً "انغيس" ريد" الأميركية - الكندية وشمل رصد آراء شرائح عشوائية من السكان اختيرت من 20 بلداً كان في عدادها الدول الصناعية الكبرى ودول منتخبة من منطقتي آسيا والمحيط الهادئ وأميركا الجنوبية، علاوة على تركيا ممثلة عن منطقة الشرق الأوسط، وجنوب أفريقيا ممثلة عن القارة الأفريقية. وتضمنت الشرائح المنتقاة في كل بلد 500 شخص من البالغين، باستثناء الولاياتالمتحدة حيث بلغ عدد الذين استطلعت آراؤهم ألف شخص. ووجدت "ابسوس ريد" أن الارهاب والحرب على الارهابيين يسيطران على هموم الأميركيين ومشاغلهم، ويتقدمان على أي مسائل أخرى يستشعر المواطن الأميركي بأنها الأولى بالاستحواذ على اهتمام زعماء البلد. وبالمقارنة جاء الارهاب في المرتبة الثانية 20$، بعد الاقتصاد 24$، في لائحة اهتمامات الدول الصناعية الكبرى: كندا وفرنسا وايطاليا وألمانيا واليابانوبريطانيا وأميركا. وحسب نتائج الاستطلاع التي نشرتها المؤسسة المذكورة نهاية الاسبوع الماضي أعطى الأوروبيون الارهاب مرتبة متأخرة من اهتماماتهم، بعد الاقتصاد والمسائل الاجتماعية. كما تركزت هموم سكان منطقة آسيا والمحيط الهادئ في الاقتصاد دون غيره. ورأت دول أميركا الجنوبية همومها موزعة مناصفة بين الاقتصاد والمسائل الاجتماعية، بينما سيطرت هموم الاقتصاد كلياً على اهتمامات المواطنين في تركيا وجنوب أفريقيا. وعلاوة على الارهاب تباين الرأي العام الأميركي بحدة مع الرأي العام في غالبية المناطق الأخرى في نظرة كل منهما الى العالم بعد أحداث أيلول، اذ انفرد الأميركيون عن غيرهم في اعتبارهم الحرب الدائرة على الارهاب بمثابة صراع بين الحضارات، وعملية متواصلة منذ نهاية الحرب الباردة لاعادة صياغة النظام العالمي. وتبنت "ابسوس ريد" في هذا السياق نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" في وقت سابق من الشهر الجاري وأظهر أن روسيا هي الآن ضمن قائمة الدول الأكثر شعبية في أميركا، وأن ليبيا لم تعد في نظر الأميركي العادي مصدراً للارهاب. بينما تراجعت شعبية كل الدول الأخرى ذات الغالبية المسلمة، وصارت الدول الشيوعية سابقاً صديقة، وأصبحت الدول المسلمة موضع شك وريبة. وأعرب المحللون في المؤسسة المذكورة عن اعتقادهم أن تباين الآراء حول الارهاب والنظرة الى العالم، ولا سيما الدول الاسلامية، قد يكون مجرد عارض طارئ فرضته أحداث أيلول، مشيرين الى أن هذا التباين يصبح أكثر توازناً في المجالات الحيوية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالدور الذي تلعبه أميركا في الاقتصاد العالمي. ويرى الأميركيون بداهة أن لاقتصادهم تأثير ايجابي على الاقتصاد العالمي، ويشاطرهم هذا الرأي زهاء نصف الأشخاص المستطلعة آراؤهم في الدول الصناعية الكبرى، الا أن نسبة كبيرة من مواطني منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك الغالبية العظمى في أميركا الجنوبية كما في تركيا وجنوب افريقيا ترى العكس تماماً. كذلك تنوعت الآراء، بتوازن ملفت، حول المنتج الأميركي، اذ يرى الناس في أميركا الجنوبية وكل من تركيا وجنوب أفريقيا أن المنتجات الأميركية ذات جودة عالية. لكن نظراءهم في الدول الأوروبية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ لا يشاطرونهم هذا الرأي. كما ترى غالبية المستهلكين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أن المنتجات الأميركية رخيصة الثمن، مناقضة بذلك آراء الأميركيين في أسعار بضائعهم. واستنتجت "ابسوس ريد" في استطلاعها الذي اشتمل على مواضيع متنوعة تركزت في شكل رئيسي على رصد الآراء حول مستقبل التجارة العالمية بعد أحداث أيلول، أن المؤيدين لمسار تحرير التجارة الذي تقوده أميركا ومعها الدول الصناعية الكبرى والمؤسسات الدولية هم أقل عدداً، وان بنسبة ضئيلة، من المعارضين الذين يرون في العولمة التجارية خطراً على مصالح المستهلك المحلي ويطالبون حكوماتهم بتبني سياسات حمائية. وحصلت مسألة تحرير التجارة على تأييد 45 في المئة من العدد الاجمالي للمستطلعة آراؤهم عشرة آلاف شخص، بينما بلغت نسبة المعارضين المنادين بتبني الاجراءات الحمائية 46 في المئة. ولم تظهر نتائج الاستطلاع حدوث تغير يذكر في التشكيلة التقليدية للمؤيدين والمعارضين، الا أن الجديد تمثل في تعاظم نسبة المؤيدين لمنح المستهلك حرية التسوق. وكشفت النتائج أن 49 في المئة من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أنه من الجيد أن يتاح لهم شراء منتجات الشركات العالمية في أسواقهم المحلية، بينما يعتقد 17 في المئة فقط عكس ذلك. وتحظى حرية التسوق بتأييد ثلثي البالغين في اليابان والصين وكذلك ثلاثة أخماس نظرائهم في البرتغال وجنوب أفريقيا، علاوة على غالبية البالغين في بريطانيا وتايوان وألمانيا والولاياتالمتحدة. واستنتج المحللون في مؤسسة "ابسوس ريد" أن "السبيل للخروج من المأزق الذي تعيشه التجارة العالمية منذ أحداث سياتل سنة 1999 لن يكون بطرح حجج جديدة في المواجهة القديمة بين التأييد النخبوي والمعارضة الشعبية لتحرير التجارة. لكن هذا المأزق يمكن أن يتبدد بفضل تأييد المستهلكين لحرية التسوق".