طوت مصر صفة من صفحات كارثة قطار الموت. وقامت السلطات أمس بدفن 144 جثة لضحايا الحريق الذي شب في قطار الصعيد، بعد جنازة جماعية لمن لم يتم التعرف على هوياتهم في مشهد مهيب ووسط إجراءات أمنية شديدة، اتخذت خشية تحول غضب أسر الضحايا إلى أعمال تترجم حال الأسى بينهم واحتجاجهم على عدم اتباع إجراءات أكثر تقدماً لتحديد هوية الضحايا. وأمَّ شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي المشاركين في الصلاة على الضحايا في ساحة كبيرة توسطت منطقة التونسي حيث مقابر الشهداء في العاصمة المصرية. لكن بدا من ردود فعل أسر الضحايا أن ملف القطار لم ينته بعد، وأن الكارثة ربما تفتح صفحات أخرى لمعالجة الاوضاع المتدنية في بعض المرافق العامة، وعلى رأسها مرفق السكك الحديد. وبدا ايضا أن نتائج التحقيقات التي ظهرت حتى أمس تصب في اتجاه إدانة هيئة السكك الحديد وتحميلها المسؤولية عن الكارثة. وتفادت السلطات إخراج الجثث الپ144 دفعة واحدة وبدأت منذ الصباح في إخراجهم من مشرحة زينهم المركزية في القاهرة على دفعات. وقالت مصادر رسمية ل"الحياة" إنه تم بالفعل التعرف على هويات 213 ضحية سلمت جثثها إلى ذويها. واعتمد اسلوب تحديد هويتهم على البطاقات الشخصية التي لم يطاولها الحريق أو الملابس، أو آثار الجراحات السابقة أو الوشم، وكذلك الطول والسن. وأشارت إلى أن الأطباء الشرعيين اشرفوا على عملية تكفين باقي الضحايا الذين لم يتم التعرف على هويتهم. وقبل ساعات من بدء إخراجها من المشرحة، وُضعت الجثث على صفين، فيما كان أحد الأطباء يحاول وضع قدم أحد الضحايا داخل الكفن، إلا أن القدم انفصلت عن بقية الجسم وسقطت على الأرض. وصاح عدد من أهالي الضحايا ممن كانوا ما زالوا يحاولون بذل محاولات أخيرة للتعرف على أقاربهم: "الله أكبر الله أكبر". وأجهش الطبيب بالبكاء ثم وضع القدم في جوار بقية أشلاء الضحية. وظهر أن غالبية الجثث عبارة عن مجرد قطع وأشلاء وندر وجود جثة كاملة. شهادات وداخل المشرحة وامامها روى بعض الأهالي معاناتهم. وقال عبد الكريم عبد الستار 70 عاما من ديروط في اسيوط، وهو في حال انهيار، إنه لم يتعرف على جثة ابنه أحمد 27 عاما، وأنه لم يره منذ شهرين عندما انتقل إلى القاهرة للعمل لمساعدة والده على العيش وتربية شقيقاته. أما سعد نجيب ابراهيم 24 عاما فذكر أنه كان داخل قطار الموت وكان معه قريبه علي السنوسي ابراهيم 18 عاما وأنه شاهده يحترق داخل القطار ولم يستطع مساعدته أو إطفاء النار أو معاونته على النجاة بالقفز من القطار. وقال إنه جاء بصحبة عدد من اقاربه وتجول بين الجثث ولم يعثر له على أثر. وقال جمال ثابت ابراهيم 52 عاما من سوهاج إنه حضر إلى القاهرة مع بعض أقاربه للبحث عن ابنيه، وأنه تم التعرف على جثة احدهما محمد سليمان 28 عاما، ولم يتم العثور على جثة الاخر بعد ما بحثوا عنه في كل المستشفيات والمشرحة. وقال عبد المعطي أحمد بكار وهو يبكي إنه فشل في العثور على أثر لابن عمه بسام 17 عاما من مركز أبو تشت في قنا والذي ذهب إلى القاهرة لشراء ملابس العيد، وهو كان أجرى اتصالاً هاتفياً بذويه قبل الكارثة بساعات قليلة. وألقى طنطاوي كلمة عقب صلاة العصر في ساحة الشهداء التي دفن فيها الضحايا، أعرب فيها عن خالص عزاءه لأسر الضحايا. وقال انهم في "عداد الشهداء" ودعا الله لهم ب"الرحمة والمغفرة وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان". واضاف "أن كل من يفقد روحه إثر حريق فهو من الشهداء الذين يدخلهم الله في جناته". وأدى الصلاة أكثر من عشرة آلاف مواطن داخل الساحة التي أحاط بها أعاد كبيرة من قوات الأمن المركزي. وحضر الصلاة اللواء مصطفى عبد القادر وزير الحكم المحلي والدكتور اسماعيل سلام وزير الصحة. ووقفت أكثر من ألف امرأة يرتدين الملابس السوداء ويعلو صراخهن حزناً على فراق ابنائهن، فيما شاركهن الأحزان والبكاء آلاف المواطنين الذين حضروا للمشاركة في الجنازة. من جهة أخرى قامت اللجنة الفنية التي أمر النائب العام بتشكيلها لمعرفة سبب الحادث بفحص القطار رقم 832 داخل محطة مصر في وسط القاهرة، وضمت اللجنة خبراء من اساتذة كلية الهندسة ومركز البحوث وهيئة السكك الحديد وقام هؤلاء بفحص العربات التي لم تحترق والجرار داخل المحطة. وانتقل حاتم فاضل رئيس نيابة جنوبالجيزة إلى عدد من المستشفيات أمس لسؤال المصابين الذين لم تتمكن النيابة من الاستماع إلى أقوالهم لكن تبين خطورة هذه الحالات ولم تتمكن النيابة من الاستماع إلى أقوالهم. وبدأ المصابون في مغادرة المستشفيات بعد أن تحسنت حالتهم الصحية. وفي مستشفى الهرم قال الدكتور شرين أحمد فؤاد إن المستشفى استقبلت حالتين فقط هما معوض محمود الذي كان مصاباً بارتجاج وغادر المستشفى أمس وأحمد علي سيد 30 عاما من المنيا. وحاولت "الحياة" أن تحاوره للتعرف منه على تفاصيل الحادث إلا أنه لم يتذكر أي شيء وتبين أنه فقد الذاكرة إثر الحادث تماماً، وقال عمه الحاج خليفة سيد إنه حضر مع اثنين من اقاربه لزيارة المصاب بعد أن علموا عن الحادث بالصحف لكنه لا يتذكر أي شيء عنه حتى الآن رغم مرور أسبوع على الحادث.