سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"نيومانت" الأميركية العملاقة تتملك "نورماندي" ضمن صفقة قيمتها 5،2 بليون دولار أميركي . صناعة استخراج الذهب في استراليا تعاني من ضعف الدولار وهيمنة الشركات الأجنبية
} أثار ارتفاع أسعار الذهب في الآونة الأخيرة واتجاه المستثمرين مجدداً إلى هذه السلعة التقليدية اهتماماً كبيراً في استراليا التي تعتبر ثالث منتج للسلع التعدينية في العالم، والتي يشكل الذهب أحد مصادر الدخل الرئيسية لديها. ومن شأن ارتفاع الأسعار المتواصل أن يعزز عودة الشركات التعدينية الأجنبية للهيمنة على قطاع تعدين الذهب ومناجمه، وهي هيمنة كان البريطانيون يحتكرونها في السابق، قبل أن تأتي الشركات الأميركية والجنوب افريقية وتنضم إلى سباق الهيمنة، مؤكدة بذلك أن الاستثمارات الأجنبية تبقى على الدوام جزءاً لا يتجزأ من ملامح صناعة التعدين في استراليا. وتصدر صناعة الذهب الاسترالية كميات من الذهب الخام، أغلبه غير معالج، إلى الأسواق الآسيوية خصوصاً، لا سيما اليابان والصين والهند. وتقارب قيمة هذه الصادرات ثلاثة بلايين دولار سنوياً يعود بها انتاج نحو عشرة ملايين أونصة سنوياً. يرجع تاريخ اكتشاف الذهب في استراليا إلى عام 1823. إلا أن السلطات التي كانت تعتمد على تشغيل المحكومين بالاعدام والمسجونين الذين نقلوا الى استراليا لتمضية بقية عقوبتهم، لبناء أولى المستوطنات في هذا البلد، فضلت التكتم على الأمر خوفاً من فرار المحكومين من أماكن اعتقالهم وعملهم الى مناطق التنقيب. وأدى هذا الخوف لدى المسؤولين الى إبقاء موضوع الذهب ووجوده بكميات كبيرة في جوف الأرض وفي مناجم مفتوحة في الهواء الطلق طي الكتمان، حتى عام 1851، حينما عثر منقب عن الذهب كان عاد لتوه من مناجم "حقول الذهب" في كاليفورنيا، ويدعى إدوارد هارغريفيس، على قطع من الذهب في منطقة أطلق عليها "أوفير"، على اسم مدينة الذهب في عهد النبي سليمان، حسبما تذكر التوراة. ولم يمضِ شهر على ذيوع النبأ الذي لم تستطع السلطات التعتيم عليه، حتى كان هناك ألف منقب عن الذهب في المنطقة، لتبدأ من ثم مسيرة طويلة من عمليات التنقيب التي أتاحت مع الزمن ولادة صناعة تنقيب وتنجيم وتعدين متكاملة للذهب يعتمد عليها الاقتصاد الاسترالي في نحو خمسة في المئة من صادراته. وشهدت استراليا ثلاث طفرات في عمليات التنقيب عن المعدن الثمين. امتدت الأولى من النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، والثانية في عشرينات القرن الماضي، عندما أتاح انتاج الذهب لاستراليا التي كانت تعاني من الركود الاقتصادي البقاء متماسكة والخروج لاحقاً من دوامة الركود. أما المرحلة الثالثة فبدأت في ثمانينات القرن الماضي، حينما كان مؤشر الذهب ومؤشر داو جونز يتصاعدان في شكل متواز. وتم العثور حينها على مكامن واعدة للذهب أثبتت الاكتشافات والتنقيبات احتواءها كميات تجارية كبيرة من الذهب. ويعتبر التنقيب عن الذهب جزءاً من تراث الشعب الاسترالي المغرم بالسياحة والتجوال داخل البلاد التي تتجاوز مساحتها 7،7 مليون كيلومتر مربع، أكثر من 80 في المئة منها صحراوي. وكمثال على ذلك فإن ولاية فيكتوريا، وهي واحدة من ست ولايات تضمها البلاد، تعد 20 ألف منقب يسدد الواحد منهم قرابة عشر دولارات أميركية، للحصول على رخصة تنقيب سطحية عن الذهب لمدة عامين، شرط ألا تشمل عمليات تنقيبه المحميات والمراتع البيئية. وينتمي أغلب هؤلاء المنقبين الأفراد إلى فئات المتقاعدين أو محبي العيش في الطبيعة والهواء الطلق. ويحق للمنقبين من أصحاب الرخص الاحتفاظ بالذهب الذي يعثرون عليه وتعتبره السلطات ملكاً خالصاً لهم. إلا أن الطفرة الأخيرة التي عرفها قطاع التعدين والتنقيب عن الذهب في استراليا انتهت منتصف العقد الماضي، لتتصاعد بعدها حدة الركود مع النكسة التي منيت بها الاستثمارات الاقتصادية الاسترالية التي تحولت الى قطاعي التكنولوجيا والاتصالات. وشهدت صناعة الذهب الاسترالية تغيرات بنيوية ترافقت مع هذا الركود لأسباب عدة أبرزها استمرار انخفاض قيمة الدولار الاسترالي الذي واصل التدهور في السنوات الأخيرة مبقياً الأفق مسدوداً أمام المستثمرين المحليين الذين عزفوا عن الاستثمار في أسهم شركات الذهب الاسترالية بعد تدهور قيمتها، ما فتح الباب واسعاً أمام دخول الشركات الأجنبية، ولا سيما من الولاياتالمتحدة ومن جنوب افريقيا، لتملك حصص غالبية لا تنفك تزداد باستمرار. وبين المشاكل الأساسية الأخرى التي اعترضت صناعة الذهب في السنوات الأخيرة ازدياد عدد الدعاوى القانونية والنزاعات بين السكان الأصليين والسلطات الاسترالية حول حق استثمار المواطن التقليدية لمئات قبائل ال"أبوريجنيينز"، أو سكان البلاد الأصليين، والتي تعود لهم قانوناً بموجب اتفاقات مع المستعمرين البريطانيين الذين تنازلوا لهم عنها، حينما كانوا يظنون أن الأراضي القاحلة والشاسعة التي يتنازلون عنها للسكان الأصليين لا تمثل أي قيمة. ويبلغ عدد الدعاوى القضائية المرفوعة في ولاية "استراليا الغربية" التي يقع فيها حوض كالغورلي الذي يعتبر مهد صناعة تعدين الذهب الاسترالية ومركزها الرئيسي، نحو 11 ألف دعوى تنتظر البت بها، في إطار ما يطلق عليه "قضية سند ملكية السكان الأصليين". وأدى هذا الأمر إلى توليد شعور بالاحباط لدى الشركات الاسترالية التعدينية، التي أنهت عمليات التنقيب واستكشاف ما يحويه باطن الأرض من ثروات، في وقت تهدد الدعاوى المرفوعة بتغريم هذه الشركات لاحقاً في حال باشرت عملياتها الاستخراجية، وحملها على وقف عملياتها وتفكيك منشآتها التي قد تكون استثمرت فيها عشرات ملايين الدولارات. وفاقم المشكلة شعور هذه الشركات أن الحكومة الفيديرالية الاسترالية في كانبيرا لم تبذل جهداً كافياً لانهاء الجمود الحاصل في عمليات التنقيب والاستثمار نتيجة هذه العوائق القانونية. ومن المشاكل الأخرى التي قيدت أيضاً صناعة التعدين، الضوابط التي وضعت للمحافظة على البيئة، وهي قيود تقلق عادة صناعة التعدين التي تتميز بتأثيرها المهدم للبيئة وتخريبها للتوازنات الاحيائية نتيجة توليدها كميات كبيرة من المواد الملوِّثة المستخدمة في عمليات التعدين. كما أن القيود البيروقراطية التي باتت تحيط بعمليات الحصول على أذونات التنقيب والاستخراج والتعدين باتت تحبط المستثمرين، في وقت أدى فرض ضرائب عالية تصاعدية على أرباح الذهب إلى إصابة المستثمرين بالبرود في أحيان كثيرة. وتعتبر استراليا ثالث منتج في العالم للسلع التعدينية. وجعل هذا الوضع صناعة التعدين تلعب باستمرار دور الحفّاز للاقتصاد الاسترالي. وتساهم المعادن والفلزات المعدنية المستخرجة بنسبة 5،6 في المئة نحو 26 بليون دولار من اجمالي الناتج القومي الاسترالي البالغ 380 بليون دولار أميركي. وتعد استراليا أكبر منتج في العالم للبوكسايت والألماس والالمانايت والزيركون. وهي أيضاً منتج كبير للفحم الحجري وخامات الحديد والذهب واليورانيوم والزنك والرصاص والفضة، ما أتاح لها في الوقت ذاته امتلاك اكتفاء ذاتي في أغلب المواد الخام الخاصة بصناعاتها التحويلية والثقيلة والمتوسطة. وتؤكد الأرقام مدى أهمية الصناعات التعدينية في استراليا إذ يشكل بند المعادن والفلزات المعدنية 60 في المئة من إجمالي عوائد التصدير الاسترالية. وتثير عمليات تملك الشركات الأجنبية لحصص غالبية في شركات الذهب الاسترالية نوعاً من القلق في أوساط الرأي العام المحلي، نظراً الى الشكوك التي قد تحيط بامكانات النمو المستقبلية لهذا القطاع. ويأخذ أصحاب هذه الفكرة على الشركات الأجنبية أنها قد لا ترتبط بهواجس التنمية المحلية ولا بهموم السكان، بالقدر الذي قد ترتبط فيه الشركات الوطنية، لا على صعيد التوظيف ولا على صعيد الاستمرار في عمليات التنقيب ضمن رؤية استثمارية بعيدة المدى، ولا أيضاً على صعيد الحرص على ادخال التقنيات الجديدة لرفع مستوى العائد على رأس المال، بدل الاتجاه الى الاستثمار في أسواق خارجية. واستثمرت الشركات الاسترالية عام 1999 نحو 628 مليون دولار استرالي قرابة 360 مليون دولار أميركي لتمويل عمليات التنقيب عن الذهب، خصص 40 في المئة منها داخل استراليا، مقابل 60 في المئة أو ما يعادل 428 مليون دولار لعمليات التنقيب في افريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا، حيث عوائد الاستثمار أعلى. وتحتل آسيا أهمية خاصة، ذلك أن أسواقها تستهلك أكبر نسبة من الذهب الذي تنتجه استراليا. ويعود السبب في التركيز على الخارج إلى أن الشركات الاسترالية حاولت زيادة عوائدها، بعدما تراجعت قيمة الدولار الاسترالي، في وقت تراجعت أيضاً أسعار الذهب الذي عزف عنه المستثمرون ولم يعودوا يجدون فيه ملجأ آمناً للاستثمارات البعيدة المدى. ويفسر هذا الأمر إلى حد ما التراجع المستمر لاستثمارات الشركات الاسترالية في عمليات التنقيب منذ منتصف التسعينات. وتقدر المصادر الاسترالية مستوى الانخفاض في عمليات التنقيب بنحو 54 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية وحدها. ويعني ذلك أن السوق لن تكون قادرة على توليد مزيد من الوظائف، ولا على الحفاظ على حصتها من السوق العالمية. ويفضل بعض الاستراليين القاء اللوم في ذلك على توسع حصص ملكية المستثمرين الأجانب في قطاع تعدين الذهب في استراليا وهي ظاهرة عززها الركود في سوق سبائك الذهب منذ عام 1995، ما أدى إلى تفضيل شركات كثيرة بيع أسهمها للمستثمرين الأجانب بعدما انخفضت قيمة هذه الأسهم إلى خمس ثمن تداولها الحقيقي. وتشير الاحصاءات إلى أنه خلال السنوات الخمس الماضية ارتفعت حصة ملكية الشركات الأجنبية في صناعة التعدين الاسترالية من 20 في المئة الى نسبة 30 في المئة، على أن تقترب من 60 في المئة بعدما تنهي شركة "نيومانت" الأميركية العملاقة عملية تملكها لشركة "نورماندي" الاسترالية، ضمن صفقة تبلغ قيمتها 5،2 بليون دولار أميركي. وتستحوذ "نورماندي" على أكثر من 20 في المئة من اجمالي الانتاج الاسترالي من الذهب والبالغ 5،9 مليون أونصة، تبلغ قيمة الصادرات منها 8،2 بليون دولار أميركي. ويتوقع العاملون في صناعة الذهب الاسترالية أن يقترب معدل الملكية الأجنبية في قطاع الذهب من نسبة 90 في المئة في السنوات المقبلة، نتيجة ضعف الدولار الاسترالي الذي تقاس به قيمة الأصول المحلية. ولم تشهد السنوات الأخيرة أي اكتشافات كبيرة في عالم التنقيب عن الذهب وإن كانت الجهود منصبة على استخدام بعض التقنيات الجديدة لاستعادة بعض المناجم القديمة التي سبق إغلاقها. ولعل أكبر المشاريع الجديدة هو منجم بانديغو، الذي يقدر احتياطه المؤكد بنحو 12 مليون أونصة. وقررت شركة "بانديغو ماينينغ" حفر أنفاق بعمق 550 متراً وبطول 17 كيلومتراً من موضع منجم سابق أغلق قبل 50 عاماً، للوصول إلى أماكن التنقيب الجديدة التي يؤمل في استخراج 400 ألف أونصة منها سنوياً، على أن ترتفع إلى مليون أونصة في حال تم التوسع في عمليات الاستخراج. ويقول العاملون في صناعة الذهب في استراليا إن المطلوب من الحكومة الفيديرالية أن تعجل في إصدار قانون الاعفاءات الضريبية لمشاريع التنقيب عن الذهب، لأن من شأن هذه الاعفاءات أن تعطي حوافز إضافية للمستثمرين للانطلاق في أعمال تنقيب إضافية. ويشيرون في هذا الصدد إلى أن "بنك استراليا المركزي"، وفي خطوة لافتة، سيعود الى تكوين احتياطه من سبائك الذهب، بعدما كان سارع منتصف التسعينات الى بيع الفائض من احتياطه منها. وتظهر دلائل عدة، كما أشار "مجلس الذهب العالمي"، أن المستثمرين المؤسساتيين عادوا إلى تحزين الذهب، إذ اشتروا عام 2000 نحو 31 طناً من الذهب، ونحو 45 طناً العام الماضي. وبين الدلائل الأخرى في هذا السبيل أن "بنك انكلترا" المركزي قرر السنة الجارية وقف بيع احتياطه من سبائك الذهب، في وقت يقول العاملون في الصناعة إن الطلب الحالي على الذهب يفوق الانتاج العالمي، وإن من شأن ذلك أن يعيد الأسعار إلى الارتفاع في حال لم تشهد البورصات العالمية تعافياً اقتصادياً حقيقياً يرفع من قيمة الأسهم المتداولة فيها.